ثر التربية الإسل

بسم الله الرحمن الرحيم


 


أثر التربية الإسلامية في مواجهة العنف


دراسة من منظور رسائل النور


 


إعداد


 الدكتور محمود محمد علي


جامعة العلوم الإسلامية بماليزيا


 


بحث مقدَّم إلى:


المؤتمر العالمي السابع لبديع الزمان سعيد النورسي


( ممارسة حياة إيمانية فاعلة في سلام و وئام في عالم متعدد الثقافات)


المنعقد في الفترة مِن 1-3 أكتوبر 2004م في إستانبول- تركيا


منظم المؤتمر: مؤسسة الثقافة والعلوم بإستانبول.


 مقدِّمة


 


العالم المعاصر رغم تفوقه العلمي والتقني في المجال المادي، فإنه يعاني من الاستبداد وعدم الأمن والاستقرار، والتفرقة على أساس الجنس واللون والمعتقد الديني؛ وقد تصاعدت حِدة العنف وبلغت ذِروتها بحلول يوم الثلاثاء الموافق 11 سبتمبر من عام 2001م اليوم الذي حلّت فيه الفاجعة بالديار الأمريكية؛ فمنذ ساعتئذٍٍ غدا حديث العامة والخاصة في جميع أرجاء العالم يدور حول ظاهرة العنف (الإرهاب)، أسبابها- آثارها- وعلاجها. فقد عُقدت مئاتُ المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية والسياسيةوالاجتماعية، على المستوى المحلي والدولي بغية مناقشة الظاهرة وقد حاولت الدوائر الأمريكية ربط العنف بالإسلام، وقررت مقاومته بالخيار العسكري ؛ وهذا الحل يعدّ حلاً اختزالياً لظاهرة معقدة تحتاج إلى تفكير أفقي عميق يغوص في أعماق مسبباتها؛ ويخرج بحلول جذرية علمية وعملية تعالج الظاهرة وتقضي على بذورها قبل أن تنبت في تربة النفوس وتتنامى أشجارها في عالم السلوك. 


ويبقى السؤال حائراً يتردد على الألسنة ويدور في العقول؛ ما العلاج لهذة الظاهرة؟ وما المدخل المناسب الذي يمكن البدء به؟


وهذه الورقة المتواضعة تهدف إلى الإجابة عن السؤال من خلال مبادىء الإسلام التربوية في ضوء رسائل النورللأستاذ/ بديع الزمان سعيد النورسي؛ ومما يجدر ذكره (أن رسائل النور بمجموعها ترشد إلى دروب النفس الأمارة بالسوء، وتكشف عن دقائق مسالكها وخبايا دسائسها، وتضع العلاج لأمراضها المتنوعة)[1][1]  وتكمن أهمية البديل التربوي ببعده الإيماني بوصفه مدخلاً أساسياً لحلّ ظاهرة العنف؛ في أن حلقات السلوك الإنساني تبدأ في النفوس: أي بحلقة الفكرة، ثمّ حلقة الإرادة، ثمّ تبرز عبر ذلك، الحلقة الثالثة، وهي الممارسة والإنجاز المحسوس.[2][2] وهذا ما وجّه إليه قول الله عز وجلّ (ذلك بأن الله لم يكُ مغيِّراًنِعمةً أنعمهاعلى قومٍ حتى يغيِّروا ما بأنفسهم)  سورة الأنفال، الآية53.


ويقول الأستاذ النورسي: ( مَن أحسن رؤيته حسنت رويتُه وجمُل فكرُه، ومَن جمُل فكرُه تمتّع بالحياةوالتذّ بها)[3][3]     


وإحسان الرؤية هنا مبعثه النظر إلى فلسفة الأشياء لا إلى الأشياء نفسها، فالصورة الجامدة –مثلاً- لا تبفى جامدة في تصوّر الذين ينظرون إليها نظرة تفكُّر وتأمُّل، وإنما تبدو مِن خلفها حِكمة عليا، وإرادة تتسم بالدقة والإحكام، وعلم يحيط بالأشياء مِن كل جانب ويلحظ الرباط القوي بين النِسب والأحجام والكتل والأوزان. 


وذلك باب يجده الفكر الجميل مفتوحاً أمامه ليرى صور الأشياء المادية البحتة، ممزوجةً بالحفائق المعنوية الكبرى، في رباط وثيق، ومزج عجيب يتناول كل قيمة بمعيار العدالة، ويقوّم كلَّ حقيقة بلا بخس ولا مغالاة، وتلك هي معايير المنهج الحق، الذي جاء به الإسلام، وبلوره في هذا العصر-مِن خلال رسائل النور- الأستاذ/ سعيد النورسي، فانطلق منه وعاش له وتفانى في خدمته؛[4][4] فقرر حقائقه قائلاً:


لقد ثبت بالبحث والتحري الدقيق والاستقراء والتجارب العديدة للعلوم أن:الخير والحسن والجمال والإتقان والكمال هو السائد المطلق في نظام الكون وهو المقصود لذاته، أي هو المقاصد الحقيقية للصانع الجليل. بدليل أن كل علم من العلوم المتعلقة بالكون يطلعنا بقواعده الكلية على أن في كل نوعٍ، وفي كل طائفة انتظاماً وإبداعاً، بحيث لا يمكن للعقل أن يتصور أبدع وأكمل منه. وبذلك يتبين معنى الآية الكريمة" الذي أحسن كل شيء خلقه" السجدة: 7.


كما أن الاستقراء التام والتجارب الشاملة يثبتان أن: الشر والقبح والباطل والسيئات جزئي وتبعي وثانوي في خلقة الكون. فالشر- مثلاً- في الكون والمخلوقات ليس هدفاً لذاته، وإنما هو وحدة قياسية، لتنقلب حقيقة واحدة للحق، إلى حقائق كثيرة؛ بل حتى الشيطان نفسه إنما خُلق وسُلِّط على البشرية ليكون وسيلة لترقيات البشر غير المحدودة نحو الكمال الذي لا ينال إلا بالتسابق والمجاهدة.


         وأمثال هذه الشرور والقبائح الجزئية خُلقت في الكون لتكون وسيلة لإظهار أنواع الخير والجمال الكليين. وهكذا يثبت بالاستقراء التام أن المقصد الحقيقي في الكون والغاية الأساسية في الخلق إنما هو: الخير والحسن والكمال.


.. وثبت أيضاً بشهادة الحقائق التي قدمها الإسلام للبشرية والتي تخص البشر والكائنات: أن المسلمين هم أفضل البشر وأشرفهم، وهم أهل الحق والحقيقة، كما ثبت بشهادة التاريخ والوقائع والاستقراء التام: أن أشرف أهل الحق المشرَّفين من بين البشر المكرَّمين وأفضلهم هو محمد صلى الله عليه وسلَّم الذي يشهد له ألفٌ من معجزاته وسمو أخلاقه ومكارمه وحقائق الإسلام والقرآن.


.. إنني أقسم بما آتاني الله من قوة، بل لو كان لي ما لا يُعَدُّ ولا يحصى من الألسنة لأقسمت بها جميعاً، بالذي خلق العالم بهذا النظام الأكمل، وخلق الكون في منتهى الحكمة والانتظام من الذرات إلى السيارات السابحات في أجواء الفضاء، ومن جناح البعوضة إلى قناديل النجوم المتلألئة في السماوات، ذلكم الحكيم ذو الجلال والصانع ذو الجمال، أقسم به سبحانه بألسنة لا تحد أنه لا يمكن أن يخرج البشر على سنة الله الجارية بشروره الكلية، ويقضي بغلبة الشر على الخير، فيهضم تلك المظالم الزقومية على مدى ألوف السنين!فهذا لا يمكن قطعاً[5][5]!.


وإن أكبر حقيقة في الدنيا، في رأي بديع الزمان النورسي- و في رأي كل المفكرين المسلمين- هي حقيقة الإيمان وحقيقة التوحيد. فالوجود كله- في منظومة تفكير بديع الزمان- ليس إلا مثل آلة نسيج تنسِّج حقيقة التوحيد. تنقش المعاني الإلهية نقشة نقشة وزخرفة زخرفة، وتنسِّج لوحات بديعة- إن الإحساس بكون هذه الحقيقة ذات ماهية شاملة تستوعب الغاية الإلهية وتتداخل ضمن أدق الفروع وأصغرها، وتفسيرها حسب المعرفة الإلهية، ليس إلا ظهور لحقيقة التوحيد، وهو مفهوم التوحيد لدى العامة قبل الدخول في التفاصيل المؤدية إلى اليقين.[6][6]


تعريف مصطلحات البحث:


قبل أن نتناول أثر التربية الإسلامية في مواجهة العنف، والمقومات التي تقوم عليها التربية الإسلامية في تشكيل سلوك الفرد والمجتمع من خلال نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، قبل الخوض في ذلك ينبغي تعريف المصطلحات التي يدور حولها محور البحث وهي:


أولاً: التربية


لغةً: هي مصدر الفعل( ربّى) مضعف العين، وأصله الثلاثي هو ( رَبَا)، بمعنى" نما وزاد".


واصطلاحاً: يقصد بكلمة التربية عملية تكوين الإنسان وصياغته وفق مبادئ معينة، و منهج معين، ومن هنا تختلف العمليات التربوية باختلاف المناهج واختلاف المجتمعات، ولذلك سيأتي وصفنا لها بالإسلامية لتحديد هويتها.


ولا شك أن للتربية دوراً كبيراً في الاتجاهات السلوكية بالنسبة للإنسان، كما أنها هي التي تحدد دوره في الحياة وتحدد علاقاته وارتباطاته بالزمان والمكان والبيئة وتحدد تصوره نحو المجتمع والكون والحياة[7][7].


ثانياً: الإسلامية" صفة للتربية":


الإسلامية نسبة إلى الإسلام، وهو في اللغة من أسلم إذا انقاد، وأخلص الدين لله تعالى، ودخل في دين الإسلام[8][8].


والإسلام في الاصطلاح يطلق على " الخضوع والانقياد لما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم[9][9]، ثم صار علماً على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم دون غيرها من الشرائع[10][10].


ثالثاً: العنف[11][11]


ورد في لسان العرب في مادة


عنف: العُنْفُ: الخُرْقُ بالأمر، وقلة الرِّفْقِ به، وهو ضد الرِّفق.


عَنُفَ بِهِ وعليه يعْنُفُ عُنْفاً وعَنَافَةً وأَعْنَفَهُ وعَنَّفَهُ  تَعْنِيفاً، وهو عَنِيفٌ إذا لم يكن رفيقاً في أمره. واعتنف الأَمْرَ: أخذه بعُنفٍ.


وفي الحديث إن الله تعالى يعطي على الرِّفق ما لا يعطي على العُنْفِ؛ هو، بالضم، الشِّدة والمشقة، وكلُّ ما في الرِّفْقِ من الخير ففي العنف من الشَّر مثله.


والعَنِْفُ والعَنِيفُ: المُعْتَنِف؛ قال الفرزدق:


إذا قادني يوم القيامة قائدٌ


               عنيفٌ، وسواَّقٌ يسوق الفرزدقا


والأعنف: كالعنيف والعَنِفِ كقولك: الله أكبرُ بمعنى كبير.


وأعنَفَ  الشيئَ: أخذه بشدةِ. واعتنفَ الشيئَ كرهه[12][12].


 وتقابل العنف الرأفة وهي لغةً: الرحمة، وقيل: أشد الرحمة- رأف به- يرأف، رئف، ورؤوف رأفةً، ورآفة- رحمهُ أشد رحمةٍ.


وشرعاً: ورد في القرآن " ولا تأخذكم بهما رأفةٌ في دين الله" أي لا ترحموهما فتسقطوا عنهما ما أمر الله به من الحد. (سورة لنور: 2).


ومن صفات الله عز وجل: الرؤوف" أي الرحيم بعباده، والعطوف عليهم بألطافه، يقول تعالى: " والله رؤوف بالعباد" ( البقرة: 207).



 





 
 
 
 

النور للدراسات الحضارية والفكرية
 المركز الرئيسي:  

Kalendarhane Mah. Delikanli Sk. No: 6
Vefa 34134 Fatih - Istanbul / TURKIYE
 Phone: +90 212 527 81 81 - Fax: +90 212 527 80 80