
كلمة العدد الحادي عشر
أ.د. عمار جيدل
يحاول القائمون على مجلتكم "النور للدراسات الحضارية والفكرية" في حلّته الجديدة الوفاء بما أقره في العدد الأخير، ومن مقتضيات تحقيق الوعد أن يشاركنا القرّاء بآرائهم ونقدهم بعد محض المجلة وتمحيص مضمونها، ويبلغ الجهد المدى المنتظر إذا توافق هذا المسعى مع مساهماتكم التي سنبقى -كما هي عادتنا- منتظرين لها مع كلّ بريد إلكتروني أو العادي.
أشفق علينا بعض الأحبة فظن أنّ الوفاء بإنجاز ثلاثة أعداد في السنة ضرب من المحال، وأقدّر إشفاقهم، ولكنّ الثقة في اللّٰه أولا ثم في جهود المخلصين من جمهور كتّابنا، جعلتنا نتوثّب إلى تحقيق المقصود بخطى ثابتة، فننتظر مدد أصحاب الهمم العالية بالمقالات النوعية، دراسات تشرئب لها الأعناق ويتعلّق بها الفكر وتنشرح لها الأرواح.
لم يخرج العدد الحالي عما رمنا السعي إلى بلوغه من نوعية في الدراسة وعمق في المعالجة واستشراف للمستقبل العلمي الرصين، وبهذا الصدد ضمّنا قسم الدراسات جملة متناغمة من البحوث من حيث خدمة رسائل النور التعريف بها، فقد أدرجنا في هذه الخانة، دراسة ممتعة للأستاذ الدكتور محمد الروكي عنوانها "جمالية المضمون العلمي في رسائل النور أصولها وملامحها" وهي دراسة نوعية في بابها، وثنينا بدراسة الأستاذ خالد محجوب الموسومة بـ "درس الإلهيات عند بديع الزمان النورسي -معالم المنهج ومؤشرات التجديد " أبان فيها الباحث عن جواهر مستلة من رسائل النور، وهي دراسة بحاجة إلى تقليب نظر من زوايا مباينة لما عالج من خلالها الباحث، وعرضنا بعدها ما كتبه الأستاذ الدكتور بنعيسى أحمد بويوزان "نقد الحضارةِ الغربية وتقويمها في فكرِ الإِمام بديع الزمان سعيد النورسي" وهو بحث رائق ينتظر الاكتمال وتنويع طريقة المعالجة، وختمنا الدراسات بمقال الدكتور عبد الماجد القاضي الموسوم بـ "العناصر الفكرية والفنية والنفسية في منهج الأستاذ النورسي في التفسير"، وهو بحث حقيق بالمطالعة والتثوير في قابل الأيام.
أما ملف العدد فقد اشتمل على وقفات مع بعض عناصر القوة المعنوية كما استشفها الباحثون من رسائل النور، استهل الملف بحث الأستاذ الدكتور عبد الكريم عكيوي الموسوم بـ "التزكية وتدبير الخلاف وأثرهما في وحدة الأمة عند الإمام بديع الزمان سعيد النورسي"، وهو بحث مفتاحي في التأصيل والتأسيس لأهمية العوامل المعنوية في التدبير السلس للخلاف، وفي السياق نفسه وردت الدراسة المفيدة للأستاذ الدكتور مأمون فريز جرار المعنونة بـ "العمل الإيجابي ومنزلته في دعوة النور" وهي دراسة مؤسسة على آخر ما جادت به قريحة الأستاذ النورسي، إذ جعلها آخر صلته بعالم البلاغ، مما يدل على أهميتها في صناعة الحاضر والتخطيط للمستقبل، والدراسة غنية بهذه المعاني السامقة، ومن الجوانب المعنوية التي احتفل بها العدد ما كتبه الدكتورة مهدية أمنوح في دراساتها الموسومة بـ "مقومات المجتمع الإنساني الآمن من منظور رسائل النور" ذلك أنّ الأمن رأس ما تطلبه المجتمعات الإنسانية، وقيمة عظيمة يؤكّد عليها الإسىلام في كلّ الأحوال والأوضاع، وهذا يفرض "إحياء الأخلاق في الممارسة السلوكية" وهوٍ ما أتحفتنا في الكتابة عنه من خلال رسائل النور الدكتورة سعاد الناصر، وختم الملف ببحث الدكتور محمد عبد الحليم بيشي والذي اختار له العنوان الآتي: "مناهج التبليغ عند ورثة النبوة من منظور رسائل النور"، والقضية الأساسية في البحث بحاجة إلى عناية أدقق وتركيز أعمق يستشف العناصر الرئيسة من غير إغراق في التفاصيل التي تخرج بالبحث عن الجدّة والجدّية المعهودة.
استضاف العدد في حواره المعهود الأستاذ الدكتور فارس قايا مدير مؤسسة إسطنبول للثقافة والعلوم، وإذ نشكره على رحابة الصدر وحسن الاستقبال ورباطة الجأش، فإنّنا نسجّل أنّ الحوار قد استوعب جملة ما رمنا تعريف المؤسسة للقارئ العربي وتقريبه منها، فقد كانت لنا في الحوار وقفات مع الماضي وأخرى مع الحاضر، ونوع ثالث من الأسئلة استشرفنا من خلاله مستقبل خدمة رسائل النور في العالمين الشرقي والغربي، فللأستاذ فارس قايا أسمى عبارات الشكر، وللمؤسسة مزيدا من النجاحات والإبداعات.
وقد عرضنا في الإصدارات ما كتبه الأستاذ الدكتور عبد الحكيم الأنيس عن كتاب "الشهود الأواخر" فكانت محاضرته عن الكتاب معرفة له ومستوعبة لجملة من يحتاج إليه في عرض المصنف، فقد كان العرض أخّاذا ممتعا وشاملا، لا مزيد عنه غير مباشرة قراءة الكتاب.
وضمّن العدد تعريفا مستوعبا للمؤتمرات والحلقات الدراسية، من ذلك نشاطات علمية عقدت في الصائفة الماضية في كشمير بالتعاون مع الجامعة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا ومؤسسة إسطنبول للثقافة والعلوم. استضافت أشغال المؤتمر أساتذة من تركيا والسعودية والهند، كما استضافت جامعة عالية بكولكاتا المؤتمر الدولي الرابع حول دراسات النورسي "مفهوم القرآن في رسائل النور"، وقد استضاف كسابقه أساتذة من مختلف أصقاع العالم.
وختمنا العدد بالتذكير بالمؤتمر السنوي للأكاديميين والباحثين الشباب الذي تستضيفه مؤسسة إسطنبول للثقافة والعلوم في الصائفة القادمة، ولمزيد تعريف يراجع في مكانه من الموقع الإلكتروني.
الآمال معقودة بعد اللّٰه على استمرار الوهج ومزيدا من العطاء العلمي ببعد عملي، والذي لا طريق لبلوغه بغير مساهماتكم العلمية الرصينة، فنحن ما زلنا على العهد الذي قطعناه على أنفسنا نسابق الجودة ونرابط دون بابها ساعين قدر الطاقة البشرية نحو غد لأمتنا أرشد ولمستقبلها أفيد.
* * *