
حوار مع الأستاذ أديب إبراهيم الدبّاغ
تسعد مجلة النور للدراسات الفكرية والحضارية باستضافة الأستاذ أديب إبراهيم الدبّاغ، بغرض التواصل معكم والنهل من علمكم، من خلال تعريف بعطوفتكم لقرائنا الكرام، نكتشف من هذا التواصل العلمي، قصة البدايات مع عالم الكتابة والأدب، وبواكير الاتصال برسائل النور للأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي، وقصة أوائل ما كتبت عن رسائل النور والأستاذ.
أسئلة الحوار:
1- نستهل لقاء بالأستاذ أديب إبراهيم الدباغ بسؤال جرى استحضاره في اللقاءات التواصلية، نريد أن تعرّف قراءنا الكرام بشخصكم الكريم.
أديب إبراهيم الدباغ من مواليد 1931/الموصل/العراق، دبلوم تربية وتعليم.
2- يلاحظ المتن فيما تكتبون مسحة أدبية راقية، لا شك أنّ لها استمداد، فكيف صنعتم هذه المسحة الأدبية الراقية؟
قرأتُ كثيرًا لأعلام الفكر والأدب العربي والعالمي، ولعلَّ أكثر هؤلاء أثرًا في تكويناتي الكفرية والأدبية "العقّاد" و"الرافعي" و"المنفلوطي" و"المازني" و"الزيّات".
3- لو تفضّلتم بتعريف أشمل بالشخصيات الأدبية والعلمية التي كان لها بعد الله فضل في صقل موهبتكم الأدبية؟ ومتى كان أوّل تمرّس بالكتابة الأدبية؟ وهل وجدت تشجيعا في وسطك الاجتماعي والعلمي؟
أما تكويني الديني فهو مدين لكلٍّ من "العقّاد" و"الرافعي" و"سيّد قطب". وأذكر أنّ أول مقال نُشر لي كان في جريدة اسمها "الوحدة" يمتلكها صحفي موصلي، وكانت تصدر -على ما أذكر- أسبوعيًّا في كركوك، أما عنوان المقال فكان "دعوة إلى الله"، ثم تابعتُ النشر بعد ذلك على الصفحات الأدبية للجرائد الموصلية ولعلَّ أهمّها جريدة "فتى العراق".
4- متى كان أوّل تعرّفكم على رسائل النور للأستاذ بديع الزمان؟ وكيف؟
أول معرفتي برسائل النور كان عن طريق الأخ الأستاذ إحسان قاسم الصالحي في أواخر السبعينات من القرن الماضي ولاسيما ترجماته الأولى لرسائل النور، حيث كان يترجم بادئ ذي بدء مقطعات من هذه الرسائل، وبحكم صداقتي معه فكان يطلعني على هذه الترجمات أولاً بأول.
5- يلاحظ في العصور المتأخّرة ميلكم إلى الكتابة عن رسائل النور، فما الذي استوقفكم فيها؟ موضوعا ومنهجا.
رسائل النور وهج فكري وروحي جذَّاب، وهي بحر زَخَّار بالدرر واللآلي، إنها حافز قوي لقوانا الروحية والفكرية الجوَّانية، فمهما كتبنا عنها أو كتبنا فيها فإنها تُشعرنا بأنّنا لم نوفّها حقّها وأنها تنتظر منّا المزيد من الكتابة لتجليتها والكشف عن أسرارها.
6- مما يعلم أنّكم عايشتم كثيرا من المؤتمرات العلمية التي عقدت لأجل خدمة رسائل النور.. متى كان أوّل مؤتمر شاركتم فيه؟ وما تعليقكم على مستوى ما عرض في المؤتمرات العلمية؟
أول مؤتمر عالمي لرسائل النور شاركتُ فيه كان -على ما أذكر- في أوائل التسعينات من القرن الماضي، وأعتقد أن "النورسي" (صاحب الرسائل) قمّة ليس بمقدور قلم أن يطالها، فشخصيته وإن كانت كتابًا مفتوحًا يمكن أن يقرأه كل إنسان إلاّ أنّ أعماقه الروحية والفكرية كثيرًا ما تستعصي على المدارك المسطَّحة، وفإذا كنّا لا نستطيع ملاحقة "النورسي" من خلال تحليقاته خارج حدود "الرسائل" فلن نعود من قراءاتنا له بشيء ذي بال.
7- ما خلاصة ما استوقفكم في رسائل النور للعلامة الأستاذ النورسي؟
أعتقد أنّ "النورسي" شبيه بقارَّة إيمانية وفكرية شاسعة الأبعاد، يجذبنا إليها ما يكتنفها من مجاهيل، ويشوّقنا إليها ما يغشاها من غموض، والإنسان بطبعه ميَّال إلى كل بعيد وغامض ومجهول، فالنورسي يرهبنا بأبعاده الروحية ولكنه يجذبنا في الوقت نفسه ويشدنا إليه فنفهم عنه على قدر إدراكاتنا وفهمنا.
8- يقال أنّ العالم الإسلامي المعاصر بحاجة إلى التعرف على رسائل النور، ما وجه الحاجة إلى ذلك في العصر الحديث؟
إذا سلّمنا بأنّ روح العالم مهدد اليوم بالاجتثاث من أصوله وجذوره، فإنه في حاجة إلى ثقل إيماني قادر على إيقاف هذا الزحف المادي على معاقله، فأعتقد أنّ رسائل النور يمكن لو ترجمت إلى اللغة التي يفهما العالم المعاصر فإنها يمكن أن تشكل حاجزًا يمنع روح العالم من الانهيار الأبدي.
9- عايشتم تجربة مراجعة ترجمات رسائل النور، فما موارد الإفادة في مراجعة الترجمات، والتعليق على ما كتب.؟
كانت ترجمة الرسائل إلى العربية من أهم الأعمال التي اضطلع بها الأستاذ الصالحي، فقد بذل الرجل ولسنوات عديدة من الجهد والصبر والأناة ما لم يستطعه إلاّ الرجال من أصحاب العزائم التي لا تقهر، فالرسائل ليست كأي كتاب إنما هي ومضات وخاطرات وإيماءات وسانحات وإشارات ورمزيات تحتاج إلى جهد عظيم وصبر طويل وفهم عميق، حتى استطاع أن يطوعها ثم يصبها في عبارات عربية تستسيغها الذائقة العربية من غير أي إخلال بالنصية التي يريدها المؤلف.
10- عشتم عن قرب تجربة تلاميذ تحققوا برسائل النور وعايشوها وعاشوها في الواقع، فماذا استوقفكم في تجربة معايشة المنتمين إلى خط رسائل النور في المجتمع التركي؟
استطاع النورسي من خلال رسائله أن يغرس في عقول تلامذته فكرًا إيمانيًّا تحقيقيًّا راسخ البيان، ويشعل في قلوبهم جذوات أشواق ولوعات إلى الله تعالى، يمكن ملاحظة آثارها على وجوه هؤلاء التلاميذ.
11- يذكر بعض الباحثين أنّ منهج الدعوة في رسائل النور، حري بالاستثمار والانتفاع به، فما زوايا الانتفاع والاستثمار في هذا المسلك؟
لقد أثبت منهج الدعوة في رسائل النور نجاعات عالية خلال السنين الخمسين الماضية، وهذا لا يعني أن تتجمد عليه ولا نحاول تطويره وتجديده بحسب مقتضيات تغيرات العصر المتلاحقة، فلكل عصر أسلوب ومنهج وإنْ كانت "الرسائل" تبقى هي المرجعية الأم مهما جددنا وابتكرنا.
12-هل من كلمة أخيرة؟
شكر الله للأخ الصالحي وتقبل عمله في أعمال الصالحين، وجزاه عنّا وعن كافة المسلمين كل خير، فلولاه -وتوفيق من الله- لم يكن العرب ليعرفوا النورسي كما يعرفونه اليوم.