
التزكية وتدبير الخلاف وأثرهما في وحدة الأمة
عند الإمام بديع الزمان سعيد النورسي
ABSTRACT
The Cleansing of the Heart and Management of Differences According to Bediuzzaman Said Nursi, and Their Role in the Unity of the Ummah
Prof. Dr. 'Abd al-Karim 'Akkiwi
Unity within Islamic communities is imperative by Sharia. Ustad has both profound ideas and important studies on the unity of the Ummah, inspired by the Quran and the Sunnah of the Prophet. Ustad has understood the reasons for divides between Muslims, and has warned them against hostility and conflicts. He had known the interior and exterior reasons that led to conflicts, and he proposed scholarly, methodological, and educational principles to avoid them. When he had been discussing the six ills that spoiled unity in the Ummah and pushed people to hopelessness, he had specified the features of the Ummah he had envisioned. Nursi pointed that the unity of Muslims was a religious obligation as well as a realistic necessity to prevent the hostility within mankind. This unity depends on virtues such as love, charity, brotherhood, and selflessness, which are rulings of the Sharia and qualify as prayers. They are also an integral part of creation and happiness that require loving love and being against hostility. We see that Nursi connects the unity of Ummah with the cleansing of the heart and disciplining of the soul. According to him, managing differences and destroying political and idealogical pressures are both compulsory to create unity within the Ummah.
* * *
ملخص البحث
أ. د. عبد الكريم عكيوي1
إن وحدة الأمة فريضة شرعية، وللأستاذ سعيد النورسي وقفات دقيقة ونظرات عميقة استخلصها من فيض القرآن الكريم، ومن هدي السنة النبوية الشريفة، كما له جهود من أجل وحدة الأمة. وهو يعلم الأسباب من وراء التفرقة فينبه على الاختلاف والعداوة ويحذر منهما، كما عرف أسبابهما الداخلية والخارجية ووضع مسالك علمية ومنهجية وتربوية للتخلص منهما، وبعدما يتطرق إلى الأمراض الستة التي تنخر وحدة الأمة وتصيب أفرادها باليأس يضع مخططا لمعالم الأمة الواحدة كما يتصورها، ويشير بذلك إلى الاتحاد بين جميع المؤمنين باعتباره واجبا شرعيا وضرورة واقعية تمنع العداوة والحقد في الروح البشرية، وتقوم على المحبة والتعاون والاجتماع والأخوة التي هي فريضة شرعية وعبادة عظيمة، كما أنها من مقتضيات الفطرة والذوق السليم اللذان يمليا على الإنسان حب المحبة وبغض العداوة، ونجد النورسي يربط بين وحدة الأمة وبين التزكية القلبية والتربية الروحية، كما أن تدبير الخلاف ونبذ الاستبداد السياسي والفكري من شروط وحدة الأمة.
* * *
وحدة الأمة فريضة شرعية، وواجب مستعجل في كل عصر، وهي في العصر الحاضر أكثر وجوبا، فغير خاف ما يحصل من شدة الخلاف والتدابر بين المسلمين، وظاهر ما دبّ بينهم من الشقاق، وما كان لذلك من آثار سيئة على أحوال الأمة، ويزيد الأمر شناعة إذا علم أن العداوة والخصومة دبت حتى بين أهل العلم والفكر الذين هم مؤتمنون على دين الأمة وفكرها، وإن النظر المنصف يوجب التوقف في هذا الحال للتأمل والمذاكرة، والبحث والمدارسة بين أهل العلم والفكر من أجل رصد أسباب داء العداوة والخصومة، ووضع الوسائل النظرية والعملية للعلاج.
وأول ما يجب من ذلك تتبع الأفكار الإصلاحية التي وضعها العلماء المصلحون، وخاصة المعاصرون الذين عاينوا الأحوال المعاصرة، وأحاطوا بالظروف العالمية، واستوعبوا أحوال الأمة من جميع جهاتها، ومحاولة رصد الأفكار التي تسير في طريق وحدة الأمة، وتقيها شر النزاع والاختلاف.
والأستاذ بديع الزمان النورسي -رحمه اللّٰه- من العلماء المصلحين الذين عاينوا الأحوال المعاصرة، وشاهدوا أحداثا كثيرة كان لها أكبر الأثر على وحدة الأمة، ويكفيه من ذلك أنه عاين إلغاء الخلافة، ورأى خطط تمزيق العالم الإسلامي، ورصد أيضا الضعف والركود من الداخل، ومنه الشقاق والنزاع بين المسلمين عامتهم وخاصتهم، وهو صاحب مشروع إصلاحي عظيم يمكن جمعه في خمسة معالم رئيسة وهي:
1- تثبيت الإعجاز المعنوي للقرآن الكريم وإقامة الحجة على سمو أحكامه وكمال تشريعاته.
2- تجديد الإيمان في القلوب، وإقامته على حجج عقلية وعلمية، وبيان ضرورته وفوائده.
3- تجديد طرق التربية والتزكية واتقاء أمراض القلوب ونوازع النفوس.
4- تجديد الفكر وإصلاح مناهج التربية والتعليم.
5- ترسيخ أسس وحدة الأمة واتقاء الشقاق والاختلاف.
وله في كل هذه المجالات وقفات دقيقة ونظرات عميقة استخلصها من فيض القرآن الكريم، وارتشفها من هداية السنة النبوية الشريفة، واجتهادات المجددين من علماء الإسلام عبر العصور.
ومحل القصد في هذا المقام هو جهوده -رحمه اللّٰه- في تذكير الأمة بأصل الوحدة والاجتماع، وكيف واجه مشكلة الاختلاف الذي دب في الأمة، وقد عايشه وناله من آثاره.
الاختلاف والعداوة معضلة الزمان ومرض العصر:
تنبه النورسي -رحمه اللّٰه- إلى داء الاختلاف، فرصد أسبابه بدقة بالغة، ونبه الأمة إليه، ووضع مسالك علمية ومنهجية وتربوية للتخلص منه، ركّز فيها على بيان الأسباب الخارجية والداخلية، وكانت أكثر عنايته وأعظم جهده متجها إلى الأسباب الداخلية، ولعل سبب ذلك أن الأسباب الخارجية لا تؤتي أثرها إلا بالأسباب الداخلية، فإن غفلة الأمة عن الروابط التي تجمعها، والغفلة عن التربية، وإهمال التعليم كل ذلك سبب عجز الأمة عن مقاومة الكيد الخارجي، ويكفي أن نذكر من عنايته بالأسباب الخارجية ما فعله بعد دخول قوات الحلفاء 'إسطنبول' بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، فبدأت خطة التفريق وشق صفوف عن طريق نشر الإشاعات وبث الشبهات، فتنبه النورسي للخطة فهب -رحمه اللّٰه- لفضح المؤامرة والتحذير منها فألف رسالة "الخطوات الست".2
رصد في عنايته -رحمه اللّٰه- بالأسباب الداخلية داء الاختلاف منبها إلى خطورته، وأرسل صيحات مدوية إلى العالم الإسلامي، ففي عام 1911 للميلاد قام -رحمه اللّٰه- على منبر الجامع الأموي بدمشق فأرسل تنبيهات عظيمة وإشارات بليغة إلى المسلمين في تواضع جميل، وأخلاق عالية، وإخلاص في النصح عظيم؛ فقال: "فيا إخواني العرب الذين يستمعون إلى هذا الدرس في هذا الجامع الأموي، إنني ما صعدت هذا المنبر وإلى هذا المقام الذي هو فوق حدي، لأرشدكم فهذا أمرٌ فوق طوقي، إذ ربما فيكم ما يقارب المئة من العلماء الأفاضل، فمثلي معكم كمثل صبي يذهب إلى المدرسة صباحاً ثم يعود في المساء ليعرض ما تعلّمه على أبيه، ابتغاء تصحيح أخطائه والتلطّف في تصويبه وإرشاده، فشأننا معكم شأن الصبيان مع الكبار، فنحن تلامذة بالنسبة إليكم وأنتم أساتذة لنا ولسائر أمة الإسلام، وها أنا ذا أعرض بعض ما تعلمته على أساتذتي: لقد تعلمت الدروس في مدرسة الحياة الاجتماعية البشرية وعلمتُ في هذا الزمان والمكان أن هناك ستة أمراض، جعلتنا نقف على أعتاب القرون الوسطى في الوقت الذي طار فيه الأجانب -وخاصة الأوربيين- نحو المستقبل، وتلك الأمراض هي:
أولاً: حياة اليأس الذي يجد فينا أسبابه وبعثه.
ثانياً: موت الصدق في حياتنا الاجتماعية والسياسية.
ثالثاً: حبّ العداوة.
رابعاً: الجهل بالروابط النورانية التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض.
خامساً: سريان الاستبداد، سريان الأمراض المعدية المتنوعة.
سادساً: حصر الهمة في المنفعة الشخصية، ولمعالجة هذه الأمراض الستة الفتّاكة، أبيّن ما اقتبسته من فيض صيدلية القرآن الحكيم -الذي هو بمثابة كلية الطب في حياتنا الاجتماعية- أبيّنها بست كلمات، إذ لا أعرف أسلوباً للمعالجة سواها".3
إنها صيحة لاتزال قائمة متجددة، بل أكدت الأحداث المتتالية بعد هذا التاريخ (1911م) أنها صيحة هذا الزمان التي يجب على كل عالم أن يعلنها، وأن هذه الأمراض قد تسربت حقا إلى نفوس المسلمين وسيطرت على قلوبهم فتفرقت جماعتهم وانفرط عقدهم، وضعفت قوتهم وذهبت ريحهم، فكانت هذه الصيحة نابعة من لحظة صفاء روحي عند النورسي، ووقفة تفكر في الأحوال عميق واستشراف للمستقبل دقيق، فهي كما قال: "درس اجتماعي إسلامي، يحتفظ بكامل جدته وطراوته وحقيقته... وإن الجامع الأموي قد حل محلّه جامع العالم الإسلامي".4
فهذا هو تشخيص الداء وبيان محل الألم وأصل المرض، فلم يبق سوى الاجتهاد من أجل إعادة بناء الوحدة، ولهذا بادر النورسي -رحمه اللّٰه- إلى عرض الدواء المقابل لكل مرض من الأمراض الستة، فاليأس يقابله بناء الأمل، وموت الصدق يقابله التربية على الإخلاص، واحتقار الروابط النورانية يقابله التربية على التواصل والمحبة، والمنفعة الشخصية يقابلها التربية على روح الجماعة، والاستبداد يقابله التربية على الشورى،5 ولا يخفى أن هذا الذي عرضه النورسي عمل عظيم لا تحمله إلا جماعة من أهل الهمم العالية أصحاب العلم والحكمة، وبعد النظر وسعة التفكير وقوة الصبر وطول النفس.
معالم الأمة الواحدة
بعد هذا يتقدم النورسي خطوة أخرى فيقدم معالم الأمة الواحدة كما يتصورها، حتى تكون هدفا واضحا أمام جميع المسلمين، وخاصة أهل العلم والفكر والتدبير فلا يرضون دون بلوغها، ولا عبرة بأي درس ولا موعظة ولا تأليف ولا اجتهاد دون مراعاة هذا الهدف واستحضاره وقصد إليه، فيقول -رحمه اللّٰه-: "فالمراد هو الاتحاد الموجود الثابت بين جميع المؤمنين بالقوة أو بالفعل، وليس المراد جماعة في 'إسطنبول' أو في 'الأناضول'، إذ إن قطرة من ماء تحمل صفة الماء، فلا أحد خارج هذا الاتحاد، ولا يخصص هذا العنوان بأحد، وتعريفه الحقيقي هو أن أساس هذا الاتحاد يمتد من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال، ومركزه الحرمان الشريفان، وجهة وحدته: التوحيد الإلهي، عهده وقسمه: الإيمان، نظامه الداخلي: السنة النبوية الشريفة، قوانينه: الأوامر والنواهي الشرعية، مقر اجتماعاته: جميع المدارس والمساجد والزوايا، ناشر أفكار تلك الجماعة نشرا خالدا إلى الأبد: جميع الكتب الإسلامية وفي المقدمة القرآن الكريم وتفاسيره 'ورسائل النور أحد تلك التفاسير في زماننا هذا'، وجميع الصحف الدينية والجرائد النزيهة التي تهدف إلى إعلاء كلمة اللّٰه، ومنتسبوه: جميع المؤمنين، رئيسه: فخر العالمين صلى الله عليه وسلـم"،6 إنه تصور جامع جميل للأمة في وحدتها، وتحرير مستوعب لتنزيل فكر الأمة وروح الجماعة في الحياة اليومية للمسلمين على اختلاف اجتهاداتهم وتنوع طوائفهم وتفرقهم في البلدان، فكل مسلم صادق يصدق عليه هذا ويجد نفسه داخل هذه الوحدة، وكل عالم أو صاحب رأي وتدبير فهو جدول من جداول تصب في مجرى واحد لأنه كما قال "قطرة من ماء تحمل صفة الماء"، وكل هذه المعالم راسخة في قلب كل مسلم بمقتضى إيمانه، فكل مسلم متعلق بالحرمين الشريفين، مجتهد في تقوية إيمانه، محب للرسول صلى الله عليه وسلـم محتج بسنته ويتخذه قدوته وإمامه، معتقد العمل بالأوامر والنواهي الشرعية، فهذه هي المعالم المعتبرة في الوحدة، فلا يجوز التذرع بتعدد الدول وتفرق الحكومات في البلاد الإسلامية ولا بأي عائق آخر، وإنما الواجب بث الروح في هذه الروابط، لأن الوحدة الروحية والفكرية هي أساس الوحدة المادية والسياسية وطريقها وضمان استمرارها.
ثم ينطلق النورسي خطة أخرى ليثبت ويؤكد ويذكر ويعيد التذكير بأن وحدة الأمة أصل في الدين وضرورة شرعية مقطوع بها قبل أن تكون ضرورة واقعية.
1- وحدة الأمة واجب شرعي وضرورة واقعية
مما تقرر في قواعد النظر وأصول الاجتهاد وقواعد التربية والتزكية وجوب استحضار الأصول الشرعية الكلية وعدم الذهول عن القواعد العامة، والحذر من الغفلة عن الأحكام القطعية، وهذا ما سار عليه النورسي واجتهد في ترسيخه، فكان لا يمل -رحمه اللّٰه- من التذكير بأصل وحدة الأمة وأنه أصل مقطوع به في الدين، وأن الوحدة والاجتماع والتعاون والائتلاف فريضة واجبة وهي تقوم على المحبة والتعاون، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فتكون المحبة والأخوة فريضة شرعية والتعاون عبادة عظيمة، ويصيح النورسي بكل قواه ليبلغ هذا المعنى إلى جميع أهل الإيمان ليعرفوا أن الأمر جد كله وأنها مسألة حياة أو موت بالعيش؛ فيقول: "أيها المؤمنون! إن كنتم تريدون حقا الحياة العزيزة، وترفضون الرضوخ لأغلال الذل والهوان، فأفيقوا من رقدتكم، وعودوا إلى رشدكم، وادخلوا القلعة الحصينة المقدسة: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾،الحجرات:10 وحصّنوا أنفسكم بها من أيدي أولئك الظلمة الذين يستغلون خلافاتكم الداخلية... وإلاّ تعجزوا عن الدفاع عن حقوقكم بل حتى عن الحفاظ على حياتكم، إذ لا يخفى أن طفلا صغيرا يستطيع أن يضرب بطلين يتصارعان، وإن حصاة صغيرة تلعب دورا في رفع كفة ميزان وخفض الأخرى ولو كان فيهما جبلان متوازنان".
فيا معشر أهل الإيمان! إن قوتكم تذهب أدراج الرياح من جراء أغراضكم الشخصية وأنانيتكم وتحزبكم، فقوة قليلة جدا تتمكن من أن تذيقكم الذل والهلاك، فإن كنتم حقا مرتبطين بملة الإسلام فاستهدوا بالدستور النبوي العظيم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"7 وعندها فقط تسلمون من ذل الدنيا وتنجون من شقاء الآخرة"،8 فالأمر عظيم وجدّ كله، لأن وحدة الأمة محل اتفاق بين المسلمين، ومن أنكر وجوب الوحدة ولم يعتقد تحريم العداوة والشقاق فقد أنكر معلوما من الدين بالضرورة، فكيف يغفل المسلمون عن أصل عظيم ويعطلون فريضة قطعية من فرائض الدين!!! وتجد كثيرا منهم يجتهد في السنن المستحبة والفضائل المندوبة، ثم يشتد الخلاف بينهم في ما هو محل خلاف بسبب الاحتمال ولا يمكن القطع فيه، ويتركون ما هو فرض واجب مقطوع به من غير احتمال خلاف!!! فكيف يستجيز المسلمون اليوم العداوة والشقاق بينهم والقرآن الكريم الذي هو سر حياتهم وقائدهم إلى آخرتهم قد جعل الخصومة من أكبر المنكرات وعد الأخوة والائتلاف من أعظم الطاعات واعتبر وحدة المسلمين وتعاونهم من الفرائض الواجبات! ويزيد العجب درجات عندما تجد التراشق بالتهم وتبادل التجريح والتقبيح بسبب العداوة والخصومة لا يفتر حتى بين أهل العلم من المسلمين ممن يرجع إليهم في التماس سبل الهدى والاسترشاد إلى الخير والطاعات! إن الأمر يثير العجب حقا، وهو دليل خلل وانحراف في مناهج التفكير وطرق التربية، ولتأكيد أهمية الأمر وبيان خطورته وضع النورسي آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلـم دساتير جامعة لهذه المسألة حتى يقيم الحجة الواضحة القاطعة على بشاعة الأمر وخطورته عندما يستحضر المسلمون أنهم يعطلون أصلا في الدين وفريضة في الشريعة، وحتى يقطع كل احتمال وليُبَيِّن أنّ الغفلة عن وحدة الأمة مخالفة عظيمة، وأنّ إثارة العداوة والتسبب في الشقاق بين مكونات الأمة من الذنوب الكبائر، لمن فعل ذلك غير مستحل، أما من استحل الخلاف والعداوة بين المسلمين فأمره أعظم وأخطر لأنه جحد معلوما من الدين بالضرورة، فمن هذه الدساتير قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾،الحجرات:10 وقوله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾،فصلت:34 وقوله تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾،آل عمران:134 وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللّٰهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾،الأنفال:46 وقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللّٰهَ إِنَّ اللّٰهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾،المائدة:2 وقول الرسول صلى الله عليه وسلـم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"،9 والآيات والأحاديث في هذا كثيرة يستفاد منها أن الوحدة والتعاون فريضة في الدين والاختلاف والعداوة معصية والشقاق والتنازع بين المسلمين كبيرة من كبائر الذنوب، وطريق النجاة من غضب اللّٰه تعالى وعقابه الأليم هو التخلص على عجل من مرض الاختلاف الذي ألمّ بالأمة و اتخاذ النهي الإلهي في الآية الكريمة: ﴿وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفشَلوُا وَتَذْهَبَ ريحُكُم﴾،سورة الأنفال:46 واتخاذ الأمر الرباني في الآية الكريمة: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوى﴾المائدة:2 دستورين للعمل في الحياة الاجتماعية... ثم العلم بخطورة ما يسببه الاختلاف من ضرر بليغ على الإسلام والمسلمين وبمدى ما ييسر السبيل أمام أهل الضلالة ليبسطوا أيديهم على أهل الحق... ثم الالتحاق بقافلة الإيمان التي تنشد الحق والانخراط في صفوفها بتضحية وفداء وبشعور نابع من عجز كامل وضعف تام، وذلك مع نكران الذات والنجاة من الرياء ابتغاء الوصول إلى نيل شرف الإخلاص. 10
فهذا هو الأصل الشرعي والدستور الكلي القطعي الذي يقضي أن وحدة الأمة فريضة، وأما واقع الحال وتجربة الإنسان عبر الزمان والمكان، وحال المسلمين وما آل إليه من الضعف والعجز وتعطيل طاقات الأمة بسبب التفرق والاختلاف فذلك أظهر من أن يحتاج إلى بيان، يقول النورسي: "إن هذا الزمان زمن الجماعة، فلو بلغ دهاء الأشخاص فرداً فرداً حد الخوارق، فلربما يُغلب تجاه الدهاء الناشئ من شخص الجماعة المعنوي"11 فبداهة العقول توجب الاجتماع والتعاون، وحقيقة الحياة المعاصرة خاصة تفرض الوحدة والتآزر "فقد اتخذ أرباب الدنيا 'الاشتراك في الأموال' قاعدة يسترشدون بها لأجل الحصول على ثروة طائلة أو قوة شديدة، بل اتخذ من لهم التأثير في الحياة الاجتماعية -من أشخاص أو جماعات وبعض الساسة- هذه القاعدة رائداً لهم، ولقد كسبوا نتيجة اتباعهم هذه القاعدة قوة هائلة وانتفعوا منها نفعاً عظيماً، بالرغم مما فيها من أضرار واستعمالات سيئة، ذلك لأن ماهية الاشتراك لا تتغير بالمساوئ والأضرار التي فيها، لأن كل شخص -وفق هذه القاعدة- يحسب نفسه بمثابة المالك لجميع الأموال، وذلك من زاوية مشاركته في المال ومن جهة مراقبته وإشرافه عليه، برغم أنه لا يمكنه أن ينتفع من جميع الأموال، وعلى كل حال فإن هذه القاعدة إذا دخلت في الأعمال الأخروية فستكون محوراً لمنافع جليلة بلا مساوئ ولا ضرر، لأن جميع تلك الأموال الأخروية تحمل سر الدخول بتمامها في حوزة كل فرد من أولئك الأفراد المشتركين فيها، دون نقصان أو تجزئة"،12 بهذا يثبت النورسي أن الوحدة فريضة في الدين وضرورة عقلية وواقعية، فإذا دبّ الشقاق بين المسلمين ولم يسعوا لرفعه فقد خالفوا أصلا في الشريعة، وارتكبوا كبيرة في الدين، وخرجوا عن مقتضيات العقل السليم، وجانبوا التفكير السديد، وأعرضوا عن الحكمة واتخذوا سبيل الغي سبيلا، والإثم على كل بحسبه وحسب مقامه وقدرته.
الوحدة والتعاون من مقتضيات الفطرة والذوق السليم
يزيد النورسي -رحمه اللّٰه- أمر الوحدة تأكيدا وتفصيلا، فيتناولها من جهة الإشراق الروحي والذوق الإنساني الذي تقضي به الفطرة التي فطر اللّٰه الناس عليها، فيثبت -رحمه اللّٰه- "أن الذوق السليم يوجب محبة المحبة وبغض العداوة، ومعنى ذلك أن الوحدة والتعاون حسن وزينة وجمال وعدل، والعداوة والخصومة قبح وشناعة وظلم، ومن لم يرتشف جمال الوحدة والتعاون ولم يشمئز من العداوة والخصومة فهو فاسد الذوق منحرف المزاج خارج عن الفطرة، وأن الإيمان أعظم الواجبات وأسمى المعاني وأجملها، "وأن الإيمان يؤسس الأخوة بين كل شيء، ولا يشتد الحرص والعداوة والحقد والوحشة في روح المؤمن"،13 والإيمان صنو المحبة والوحدة، وعدو الخصومة والعداوة، فلا يجتمع الإيمان والعداوة، يقول -رحمه اللّٰه- في كلام يشرق حكمة ويتألق نورا - "إن كنت تريد أن تعادي أحداً فعاد ما في قلبك من العداوة، واجتهد في إطفاء نارها واستئصال شأفتها، وحاول أن تعادي من هو أعدى عدوك وأشد ضرراً عليك، تلك هي نفسك التي بين جنبيك، فقاوم هواها، واسع إلى إصلاحها، ولا تعاد المؤمنين لأجلها، وإن كنت تريد العداء أيضاً فعاد الكفار والزنادقة، فهم كثيرون، واعلم أن صفة المحبة محبوبة بذاتها جديرة بالمحبة، كما أن خصلة العداوة تستحق العداء قبل أي شيء آخر"،14 بعد أن يثبت النورسي أصل وجوب الوحدة وضرورتها ويظهر جمالها، ويثبت تحريم العداوة وقبحها، يضع -رحمه اللّٰه- قواعد تربوية وعملية دقيقة من أجل بناء روح الوحدة في النفوس وتثبيتها في القلوب أولا ثم تنزيلها على الحياة اليومية.
رب قائل يقول إن الوحدة والتعاون أمر مقرر بدهي يعرفه عامة المسلمين، ويذكره العلماء في كتبهم ويسمع في دروسهم، ويحث عليه الدعاة في مواعظهم وخطبهم، لكن في مقابل ذلك تفشو العداوة وتشتد الخصومة، ولا يتوقف التجريح بين أهل العلم أنفسهم، حتى نسمع أقبح الأوصاف وأبشع النعوت من عالم لعالم مثله!!! وهنا يسعفنا النورسي مرة أخرى بفكره الثاقب ونظره الدقيق الذي هو من لمعات القرآن الكريم وإشراقات أنواره في قلبه -رحمه اللّٰه-، فيذكر أن بناء الوحدة لا يكفي فيه سعة العلم وكثرة الاطلاع والتمكن من مناهج المعرفة وطرقها، وإنما تقوم الوحدة أول ما تقوم عندما تتمكن في القلوب وتشربها النفوس، فهي أولا روح ومعنى وجمال يتمكن في النفس، وحال يلتبس بالقلب ثم يصير عملا وسلوكا، ومعنى ذلك أن الوحدة تأتي على ثلاث مراتب وهي مرتبة العلم والمعرفة، ثم مرتبة الحال، ثم مرتبة العمل، أما مرتبة المعرفة فهي التي تقدمت، وهي التي يعرف فيها المسلم موقع الوحدة من الدين ومنزلتها في الشريعة ويستوعب دساتيرها، وهذه المرتبة موجودة حاصلة عند المسلمين في العصر الحاضر عندما يتحدث بها العلماء ويبلغها الوعاظ والخطباء، فيسمعها عامة المسلمين ويستوعبونها في ما يسمعون من دروس العلماء ويطالعون في كتبهم، لكن قليل من يتجاوز هذه المرتبة، وهذا سبب ضمور روح الوحدة وفشو العداوة، لأن الوحدة لم تصر حالا تلتبس بالنفس ويشربها القلب، فلم تجر على السلوك لأن السلوك تبع للقلب.
وبناء على ما تقدم ينطلق النورسي لاستكمال بناء الوحدة، فيزيد إلى مرتبة المعرفة والعلم التي تقدمت مرتبة الحال، ثم مرتبة السلوك والعمل، أما مرتبة الحال فهي تربية الروح وتزكية القلب وتهذيب النفس وترويضها على المحبة التي هي أصل التعاون والوحدة، وأما مرتبة العمل والسلوك فهي ضبط قواعد السلوك اليومي بين المسلمين عامة والعلماء خاصة من أجل تدبير الخلاف بينهم حتى لا يكون الخلاف في النظر والاجتهاد سببا للعداوة، ولهذا كانت التزكية وتدبير الخلاف مرتبتين أرقى من مرتبة المعرفة وأهم منهما فلذلك أكد عليهما النورسي -رحمه اللّٰه-.
2 - التزكية والتربية أساس وحدة الأمة
من عمق النظر عند النورسي ربطه القوي بين وحدة الأمة وبين التزكية القلبية والتربية الروحية، فقد أكد في مناسبات كثيرة أن إهمال المجاهدة النفسية سبب بروز العداوة وفشو الخصومة بين المسلمين، لهذا يرى النورسي أن وحدة الأمة تبدأ من تعهد القلب بالتربية ومجاهدة النفس بالتزكية، فالقلوب لها أمراض ترد عليها مثل البدن، وكما يتعهد المسلم جسده بقواعد الوقاية والتداوي، كذلك عليه أن يتعهد قلبه بقواعد التزكية، فجميع الأسباب التي ذكرها النورسي في الخطبة الشامية ترجع إلى أحوال النفس والقلب، فاليأس، وموت الصدق، وحب العداوة، وحصر الهمة في المنفعة الشخصية، والجهل بالروابط النورانية، والاستبداد، كلها أحوال ترد على النفس فتنحرف بها، بل هي في حقيقتها انحرافات نفسية، لأنها ترجع إلى الكبر، والعجب، والحقد، والحسد وكلها آفات في القلب، ولهذا جعل النورسي الجهاد الأكبر للنفس وتهذيب السلوك المسلك الأساس والسبيل الناجع للوحدة فقال: "وهدف الاتحاد وقصده: إعلاء كلمة اللّٰه، ومسلكه: الجهاد الأكبر للنفس وإرشاد الآخرين، وهمة هذه الهيئة المباركة مصروفة بنسبة تسع وتسعين بالمائة إلى غير السياسة من تهذيب الأخلاق واستقامة السلوك وما شابهها من الفضائل والمقاصد المشروعة"،15 ومسلك التزكية هذا عام واجب في حق كل مسلم، فلا يتوهمن أحد استغناءه عنه ولو كان أعلم أهل العصر، لأن نوازع النفس لا ينفك عنها أحد.
لقد وقف النورسي -رحمه اللّٰه- وقفات مطولة وعميقة مع النفس الإنسانية وخصائصها، ومع القلب وآفاته وأمراضه، وفي سياق كلامه على أصل التعاون بين أهل الحق والإيمان، ذكر أن من أسباب العداوة بين المسلمين، الغفلة عن حقيقة النفس وصفاتها وعدم تعهدها بالتهذيب والرعاية والتزكية والصيانة، فقد يغتر العالم بعلمه وصاحب الحق بكونه على حق، فيزين له أنه قد استغنى عن التربية والسلوك وتهذيب النفس وتزكيتها، فيفتح الباب لغرائز النفس وطبائعها لتعمل عملها، وهي مفضية لا محالة إلى الشر، من العداوة والحسد والغرور والأنانية، يقول -رحمه اللّٰه-: "وإذا كان ثمة غرور وأنانية في النفس يتوهم المرء نفسه محقا ومخالفيه على باطل، فيقع الاختلاف والمنافسة بدل الاتفاق والمحبة، وعندها يفوته الإخلاص ويحبط عمله ويكون أثرا بعد عين"،16 فكل مسلم، عالما كان أو غير عالم، يحتاج إلى التزكية حتى يتقي هذه الآفات التي تلتبس بالقلوب، ووجه ذلك أن الوحدة تقتضي التعاون والاجتماع، وهما مفضيان بالضرورة إلى المنافسة في الأعمال والتزاحم في الخدمة، وهما مفضيان إلى الغيرة وما ينشأ عنها من التحاسد والعداوة وهو ضرر يعوق الوحدة، ولهذا وجب تعهد النفس بالتزكية والتربية لحملها على التزام خلق الإيثار والتواضع والمحبة، والوحدة تقتضي الانتساب الحقيقي إلى فكر الجماعة، وهو لا يحصل إلا لمن زكت نفسه واتصف بالتواضع والإخلاص والمحبة، ومن دون ذلك تحصل المنافسة المفضية إلى الشقاق والعداوة لأن التعصب والأنانية أصل الخصومة والتدابر، وكلها تؤثر في قوة المجتمع ومكانة الأمة.
فنوازع النفس قوية، وميلها إلى الشر أكبر وهو من "باطن الإثم" المأمور باتقائه في قوله تعالى: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾،الأنعام:120 يقول أبو حامد الغزالي -رحمه اللّٰه- في بيان أوصاف القلب وأحوال النفس: "اعلم أن الإنسان قد اصطحب في خلقته وتركيبه أربع شوائب، فلذلك اجتمع عليه أربعة أنواع من الأوصاف، وهي: الصفات السبعية، والبهيمية، والشيطانية، والربانية، فهو من حيث سلط عليه الغضب يتعاطى أفعال السباع من العداوة والبغضاء والتهجم على الناس... ومن حيث سلطت عليه الشهوة يتعاطى أفعال البهائم من الشر والحرص... ويحب الاستيلاء والاستعلاء، والتخصص والاستبداد بالأمور كلها... بل يدعي لنفسه العلم والمعرفة...ويفرح إذا نسب إلى العلم ويحزن إذا نسب إلى الجهل... فكل إنسان فيه شوب من هذه الأمور الأربعة"،17 فهذه هي حقيقة النفس البشرية ولهذا أمر اللّٰه تعالى ورسوله بتزكيتها وترويضها، فتزكية النفس واجب فيما بين العبد وبين ربه أولا، ثم من أجل حرمات المسلمين ومعرفة حقوقهم والتوجه إليهم بالتواصل والمحبة والتعاون.
إن تعهد المسلم قلبه وتزكية نفسه من أولى الواجبات وأعظمها يقول النورسي "إن رأسمال العمر قليل، ورحلة العمر هنا قصيرة، بينما الواجبات الضرورية والمهمات التي كلفنا القيام بها كثيرة، وهذه الواجبات هي كالدوائر المتحدة المركز حول الإنسان، فابتداء من دائرة القلب والمعدة والجسد والبيت والمحلة والمدينة والبلاد والكرة الأرضية والبشرية وانتهاء إلى دائرة الأحياء قاطبة والعالم أجمع كلها دوائر متداخلة بعضها في البعض الآخر، فكل إنسان له نوع من الوظيفة في كل دائرة من تلك الدوائر وأقربها إليه، بينما أصغر الواجبات وأقلها شأنا ودواما هي في أعظم تلك الدوائر وأبعدها عنه... لكن لما كانت الدائرة العظمى فاتنة جذابة فهي تشغل الإنسان بأمور غير ضرورية له وتصرف فكره إلى أعمال لا تعنيه بشيء، حتى تجعله يهمل واجباته الضرورية في الدائرة الصغيرة القريبة منه، فيهدر عندئذ رأسمال عمره، ويضيع عمره سدى"،18 فانظر كيف جعل -رحمه اللّٰه- تعهد القلب بالرعاية والتزكية من أول المهمات وأعظم الواجبات، وما ذلك إلا لأن إهمال ذلك ينشأ منه نسيان النفس وتوهم بلوغ الغاية، فيتسرب إلى النفس العجب والكبر والحسد، ويكفي من أصول ذلك قول اللّٰه تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا.وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾،الشمس:7-10 وقوله صلى الله عليه وسلـم: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".19
فبالتزكية المستمرة، والمجاهدة اليومية وكسر القوى الغضبية والشهوية في النفس، يكتسب المسلم روح الانتماء إلى جماعة المسلمين، وإلا فنوازع النفس الفردية تنازع هذا الأصل، ومن أدلة ذلك مثلا خاصية حب الظهور في الإنسان ونيل الشهرة ونسبة العمل إليه، وخاصة عند العالم، وهي غريزة راسخة قوية، لأن حب "الأنا" مغروز في البشر، فلا تدفع هذه الغريزة إلا بالمجاهدة والتربية، وهنا مرة أخرى يلقي إلينا النورسي بذهبه الخالص وجواهره النفسية، فيقرر أن نشوة حب الظهور تحل محلها نشوة أعظم وهي كسب الفرد نشوة الشعور العام الذي ينشأ من فكر الأمة، "فهي سر عظيم وحكمة إلهية ونظام أكمل، أن فردا خارقا في نوعه يمنح القيمة والأهمية إلى أفراد نوعه بالستر والخفاء، ودونك المثال : الولي في الإنسان، والأجل في العمر، فقد ظلا مخفيين، وكذا ساعة الإجابة في الجمعة وليلة القدر في رمضان، والاسم الأعظم في الأسماء الحسنى، والسر اللطيف في هذه الأمثلة وقيمتها العظيمة هي أن في الإبهام إظهارا، وفي الإخفاء إثباتا، فمثلا في إبهام الأجل موازنة لطيفة بين الخوف والرجاء، موازنة بين توهم البقاء في الدنيا وثواب العاقبة، فالعمر المجهول الذي يستغرق عشرين سنة أرجح من ألف سنة من عمر معلوم النهاية، لأنه بعد قضاء نصف هذا العمر يكون المرء كأنه يخطو خطوات إلى منصة الإعدام، فالحزن المستمر المتلاحق لا يدع صاحبه يتمتع بالراحة والسلوان"،20 فالظهور الحقيقي للفرد يكون مع الخفاء عندما تكسب الأمة كلها ثمرات جهده، وهذا ما يشير به النورسي على كل فرد من المسلمين بقوله: "ادفن مزاياك تحت تراب الخفاء لتنمو يا ذا المزايا ويا صاحب الخاصية! لا تظلم بالتعين والتشخص، فلو بقيت تحت ستار الخفاء، منحت إخوانك بركة وإحسانا، إذ من الممكن ظهورك في كل أخ لك، وأن يكون هو أنت بالذات، وبهذا تجلب الأنظار والاحترام إلى كل أخ"،21 فالنورسي يتصور الفرد المسلم في رباط معنوي وفكري ومادي مع الشخصية المعنوية للجماعة، وهذا المعنى هو المشار إليه في حديث : "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى"،22 وواضح جدا أن بناء الشخصية المعنوية هذا والذوبان في الجماعة على هذا النحو لا يكون إلا بمغالبة نوازع النفس، ووقايتها من أمراض الكبر والعجب وحب الظهور، فهو غاية الإخلاص، عندما يجاهد العالم نفسه لإخفاء أنانيته وذاته، لتظهر ثمرات جهده وعمله في أمته، فهو مسلك عظيم كما لا يخفى، دونه مفاوز من التربية والتزكية والمجاهدة، والتخلية والتحلية، لكن ليس منه بد، في النظرة النورسية، من أجل بناء الوحدة الحقيقة لأن هذا الزمان زمن الشخصية المعنوية، فلا مكان فيه للعمل الفردي والتفكير الأناني، ولا حياة لأمة من غير وحدة ونظام، والوحدة مشروطة بتعلق كل فرد بالشخصية المعنوية للجماعة أي الارتباط بالتوجه العام للمجتمع، وقد صور النورسي الأمة الواحدة بحوض عظيم ينبغي للفرد إلقاء شخصيته وأنانيته فيه وإذابتها،23 فلو بقي كل فرد على أنانيته بقي حوض الجماعة فارغا، فأهمية الأمة ومكانتها بحسب الشخصية المعنوية للجماعة، ولا عبرة بماهية الفرد المادية الفردية الفانية إلا بمقدار ما تذوب في شخصية الجماعة،24 لأن "الأمة باقية، بينما الفرد فان"،25 فإن "لم يكن لفكر الجماعة غاية وهدف مثالي، أو نسيت تلك الغاية، أو تنوسيت، تحولت الأذهان إلى أنانيات الأفراد وحامت حولها أي: يتقوى 'أنا' كل فرد، وقد يتحدد ويتصلب حتى لا يمكن خرقه ليصبح 'نحن'، فالذين يحبون 'أنا' أنفسهم لا يحبون الآخرين حبا حقيقيا"،26 فمن مقاصد التربية والتزكية عند النورسي مجاهدة العبد نوازع نفسه واتقاء أمراض القلب مثل العجب والكبر والحسد، فترتقي روحه في مراتب الكمال البشري، ويسمو في منازل الصلاح، فيلزم التواضع، ومحبة الخير وأهله، ويدخل في الشخصية المعنوية للأمة، فيحب التواصل والتعاون والمودة ويشمئز من العداوة والخصومة.
فبالتربية الروحية والتزكية يتم التخلص من آثار نوازع النفس، ليتم التواصل بين المسلم وغيره على أصل الأخوة والمودة والتعاون، ويحرص الفرد على أن ينسب الخير إلى الأمة، فينظر بنظر الأمة ويفكر في سياق جماعة المسلمين.
وإن وحدة الأمة لا تعني بحال أن تجتمع على كل شيء ولا يحصل الخلاف، فذلك مخالف لطبيعة الإنسان وسنن الحياة، ولم تمنع الشريعة الخلاف المعتبر القائم على الإخلاص والتماس الدليل، وإنما المطلوب ضبط الخلاف لئلا يكون سببا للعداوة والشقاق، فبعد تمحض الإخلاص -وذلك لا يحصل إلا بالتزكية كما تقدم- ليس مذموما أن يختلف أهل العلم ولا ضير عليهم في ذلك، لكن أن يتحول الأمر إلى العداوة والخصومة فذلك مذموم محرم، وإذا زاد فأضيف إليه التراشق بالتجريح والتقبيح والاتهام فذلك أعظم جرما، وإذا زاد فكان في العلن أمام عامة المسلمين مثل أن ينشر في كتاب أو مجلة أو يعلن في وسائل الإعلام فذلك أكبر معصية وأشد ضررا، ولهذا يرتقي بنا النورسي مرتبة أخرى فيسعفنا بقواعد ضبط الخلاف وتنظيمه وتدبيره.
3- تدبير الخلاف شرط أساس لحفظ الوحدة
إن من شروط وحدة الأمة وأسسها تنظيم الاجتهاد وتدبير الخلاف بين علماء الإسلام، وبسبب الغفلة عن هذا رسخ في المسلمين الاستبداد السياسي والاستبداد الفكري، عندما يرى الواحد أن مذهبه وفكره وما يراه هو الحق المطلق الذي لا ينبغي مخالفته بحال، وذلك سبب ركود الاجتهاد، وقتل روح الابتكار، وعدم الانتفاع من تلاقح الأفكار، فتتحرك الضغائن وتثور نوازع النفس، وتفشو العداوة فيحصل الشقاق والنزاع، والمطلوب تدبير الخلاف حتى يستفاد من كل ذي رأي مع إبقاء روابط المودة والتواصل، فتدبير الخلاف علم وفن وصناعة، فالتدبير هو التفكر والنظر في العاقبة واستشراف المآل،27 وتدبير الأمر: التفكر فيه وتقليب النظر في جهاته وتقدير عواقبه وعوائقه، بقصد إيقاعه تاما فيكون محمود العاقبة،28 فيكون معنى تدبير الخلاف: تنظيم النظر والاجتهاد بين أهل الاختصاص في الأمة حتى يستفاد من كل ذي رأي، مع ضبط منهج الاختيار بين الآراء، وضبط التعامل بين العلماء أولا عند الاختلاف، وبين عامة المسلمين ثانيا مع حفظ المودة والتواصل والتعاون، فللخلاف قواعد وآداب، والواجب التزام آداب الخلاف بين العلماء وأهل الفكر والثقافة أولا، ثم ترسيخه بين عامة المسلمين عن طريق التربية والتعليم، فيتعلم الخلاف وآدابه وشروطه كما تتعلم سائر فروع المعرفة ومناهجها وطرقها.
وأول ما ينطلق منه النورسي أن تدبير الخلاف يتوقف على تجاوز مرحلة التزكية، فتدبير الخلاف لا يكون إلا بعد التخلص من نوازع النفس، وإلا فالدخول في قضايا النظر والخلاف دون تزكية وتحلل من نوازع النفس يزيد به الأمر سوءًا لأنه يخرج من مجال العلم إلى مجال المغالبة والانتصار للنفس، فأول قاعدة عند النورسي هي جعل الخلاف خلافا "إيجابيا مثبتا بناء" ويقابله الخلاف السلبي عندما يحاول كل مُخالِف إبطال مذهب مخالفه والتفرد بالحق والصواب، ومبعثه الحقد والعداوة والضغينة وهذا النوع مردود غير معتبر لأن البحث عن الحقيقة فيه لأجل أغراض شخصية وللتسلط والاستعلاء... ونيل الشهرة وحب الظهور"29 و "تدبير الخلاف يقتضي أن يسعى كل واحد لترويج مسلكه وإظهار صحة وجهته وصواب نظرته، دون أن يحاول هدم مسالك الآخرين أو الطعن في وجهة نظرهم وإبطال مسلكهم، بل يكون سعيه لإكمال النقص ورأب الصدع والإصلاح ما استطاع إليه سبيلا"،30 يقول النورسي في ذلك أيضا: "إن صاحب كل مسلك حق يستطيع القول 'إن مسلكي حق وهو أفضل وأجمل' من دون أن يتدخل في أمر مسالك الآخرين، ولكن لا يجوز له أن يقول: 'الحق هو مسلكي فحسب' أو 'إن الحسن والجمال في مسلكي وحده' الذي يقضي على بطلان المسالك الأخرى وفسادها".31
ثم تأتي بعد ذلك جملة من القواعد ترجع في حقيقتها إلى أصل مراعاة الخلاف كما عرفه المحققون من علماء الإسلام من السلف الصالح، وخلاصته فتح مجال النظر والاجتهاد لمن كان أهلا له فيما يحتمل الخلاف، والاعتداد بالمخالف، وعدم ذم الخلاف العلمي المعتبر لأنه ثراء وغنى، وتحريم العداوة والتقاطع بسبب الخلاف العلمي، وفي تنزيل ذلك والعمل به يتسع نظر كل مجتهد للتواصل والتكامل مع غيره من المجتهدين المخالفين له، وذلك بفتح المجال أمام المخالف للعمل بمذهبه وعدم التضييق عليه أو الإنكار، بل أكثر من ذلك قد يعمل بمذهب غيره الذي يعتبره خطأ إذا اقتضت المصلحة ذلك،32 وأعظم مصلحة تراعى في هذا المقام مصلحة وحدة المسلمين واجتماع كلمتهم ومنع الشقاق والعداوة بينهم، فبهذا المسلك العلمي ازدهرت الحضارة الإسلامية في عصورها الذهبية ونمت العلوم وقويت المعارف.
ومن مقتضيات مراعاة الخلاف التزام آداب الخلاف، وقد ذكرها النورسي في مواضع متفرقة من رسائله، ومنها عدم التعيين والكف عن ذكر الأسماء، واتقاء تعيين الأشخاص في مقام الرد والتخطئة، فإذا تعين مثلا على عالم الرد والتصحيح بحسب ما ظهر له فليكن الرد على الأفكار من غير نسبتها على التعيين، وذلك لقطع طريق نزعات النفس عند المخالف، وليبقى الأمر في مجال الإنصاف، وهذا المسلك واضح في رسائل النور فكثيرا ما نجد النورسي يناقش الأفكار ويحللها من غير نسبتها إلى أحد، بل إن كثيرا من الأفكار التي ناقشها إنما هي أفكار متداولة في عصره عند بعض العلماء والمتصوفة والفلاسفة وغيرهم من أهل الفكر والثقافة، فكان يذكر الفكرة ويعرضها كما هي من غير نسبتها إلى أحد، ثم يكر عليها بالمناقشة والتحليل من غير تقبيح ولا تجريح.33
وفي سياق ترسيخ آداب الخلاف وتنظيمه وضبطه، لا يفتأ النورسي -رحمه اللّٰه- يذكر ببعض المسالك الدقيقة في منهج العلم والخلاف، من ذلك وجوب استحضار أن الحق والباطل يمتزجان في الحياة الدنيا التي هي مجال تكليف، ومعنى ذلك أن كل حق في الحياة البشرية ممتزج بباطل، وأن كل باطل لا يخلو من حق، وأن الإيمان لا يعني العصمة من المعصية، والورع لا يقتضي انتفاء الغفلة والخطأ بالمرة لأن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، وبناء عليه لا يخلو مسلم من خير ولا كل مذهب للمسلمين من حق، فيكون العمل بمنهج النظر إلى جهة الحق في الباطل وصرف النظر عن جهة الباطل في الحق، "فالحياة الاجتماعية المؤقتة للمجتمع البشري والحضارة الإنسانية... يوجد فيها الخير والشر والطيب والخبيث والطاهر والقذر معا، فالعاقل هو من يعمل على قاعدة: 'خذ ما صفا... دع ما كدر' فيسير مع سلامة القلب واطمئنان الوجدان"،34 فما من أحد إلا يمتزج فيه الخطأ والصواب في علمه ونظره، وتجتمع الحسنة والسيئة في عمله وفعله ولا بد، وإذا كان هذا الامتزاج حقيقة فليس صوابا إصدار الأحكام بالإطلاق "فما أعظم ضرر الإطلاق في مقام التقييد، والتعميم في مقام التخصيص! ومن هذا تتعادى الاجتهادات المتآخية"،35 ويلزم من ذلك أن كل اجتهاد يفيد الظن وليس القطع، ومعناه أن كل اجتهادات البشر في المجالات المختلفة والعلوم المتنوعة تحكمها صفة النسبية وليس الإطلاق، وإنما صفة القطع لما ثبت في القرآن الكريم والسنة النبوية من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة وهي أركان الشريعة وأصولها وكلياتها التي لا يختلف فيها، فكل اجتهاد يصدر من البشر وكل فهم للشريعة من عالم من علماء الإسلام في كل زمان ومكان، إنما له صفة الظن، أي إن من كان من أهل الاجتهاد وله الخبرة في المجال الذي يجتهد فيه -إذا اجتهد- فكل ما ينتهي إليه إنما هو صواب على جهة الظن وليس على جهة القطع، لأن الحكم بالقطع لا يحتمل الخلاف، فيحكم العالم على ما انتهى إليه بالصواب ولكن مع فتح المجال لاحتمال الصواب في رأي غيره ممن يخالفه، فتكون الاجتهادات المختلفة معتبرة، ويأتلف أصحابها بدلا من اختلافهم، لأن كل عالم يرى صواب مذهبه على جهة الظن، وخطأ مخالفه على جهة الظن أيضا، لأن القطع ليس إلا لأصول الدين وقواعده الكلية.36
إن قطع الخلاف -الفقهي أو المذهبي- بالمرة بعيد المنال، وإنما الغاية المرجوة التي لا يجوز البقاء دونها هو تدبير هذا الخلاف وإجراؤه على النحو الذي يحفظ الوحدة ويمنع العداوة، وهذا هو البرهان العظيم أمام علماء الإسلام من جميع المذاهب : الوحدة والتعاون بين جميع أهل الإسلام مع بقاء حرية النظر والاجتهاد بشروطه، ومراعاة المذاهب الإسلامية المختلفة بعضها بعضا فيما لا يمكن الاتفاق فيه، وهذا ما يجعل الوحدة أمانة عظيمة وتكليفا ثقيلا، ولولا ذلك ما أنزل اللّٰه تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلـم الجماعة والوحدة تلك المنزلة العالية فكانت حقا فريضة شرعية، وكان الالتزام بها قمة العبادة.
لقد بدأ الأستاذ النورسي -رحمه اللّٰه- طريق الوحدة هذا وشقه لطلبته ولعامة المسلمين، وحثّهم عليه، وأعلنه فيهم وأشهدهم عليه، فقال : "إن مذهبي هو إبداء الحب للمحبة، وإظهار الخصام للعداء، أي أن أحب شيء إليّ في الدنيا هي المحبة، وأبغض شيء عندي هو الخصام والعداء"،37 هذا هو الحبل الذي مده -رحمه اللّٰه- لعامة المسلمين ولعلمائهم خاصة، وهذه من غرف قلعة الإيمان التي يدعوهم لدخولها فهل من مجيب؟؟؟
الخاتمة:
هذه أصول جامعة وقواعد كلية في بناء وحدة الأمة، مقتبسة من المشروع الإصلاحي للأستاذ بديع الزمان النورسي رحمه اللّٰه، الذي أودعه في كتابه كليات رسائل النور، وسار عليه واجتهد من أجله. فقد كان إعادة وحدة الأمة وقطع أسباب الشقاق بين المسلمين، على اختلاف مذاهبهم، في العصر الحاضر، من أهم معالمه وأعظم أهدافه وغاياته. بل اعتبر العداوة والشقاق مرض العصر ومعضلة الزمان بالنسبة للمسلمين، وهو الذي سلب منهم سؤدد القوة والمكانة بين أمم العالم.
وينطلق رحمه اللّٰه من أن وحدة الأمة فريضة شرعية، وضرورة واقعية، وهي أيضا من مقتضيات الفطرة والذوق السليم. وإن من قواعد ترسيخ الوحدة رصد موانعها وضبط معوقاتها. وأهم معوقات الوحدة الجهل بالروابط النورانية التي تربط بين المؤمنين، وحب العداوة، وموت الحس الجماعي، والتنافر بسبب اختلاف النظر وتنوع الاجتهاد. ولهذا كان من قواعد الإصلاح عنده التربية الروحية والتزكية النفسية، وإتقان فن تدبير الخلاف. فالعداوة والحسد والغرور والأنانية التي هي أصل العداوة والخصومة بين المسلمين، كلها أمراض قلبية تنشأ عن إهمال المجاهدة النفسية. ولهذا تبدأ وحدة الأمة من تعهد القلب بالتربية ومجاهدة النفس بالتزكية. ولا تتم الوحدة إلا بتنظيم الاجتهاد وتدبير الخلاف بين علماء الإسلام ليكون الخلاف في النظر والاجتهاد سببا للرقي الفكري والتآلف المعنوي بسبب تلاقح الأفكار.
* * *
الهوامش:
1 كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر بأكادير، المغرب
2 النورسي: "صيقل الإسلام" ص 551: 555.
3 النورسي: "صيقل الإسلام" ص 49 : 492.
4 النورسي: "صيقل الإسلام" ص481
5 النورسي: "صيقل الإسلام" ص 50: 515.
6 النورسي: "سيرة ذاتية" ص 97.
7 متفق عليه
8 النورسي: "المكتوبات" ص 350.
9 صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره.
10 انظر النورسي: "اللمعات" ص 234.
11 النورسي: "سيرة ذاتية" ص 370.
12 النورسي: "اللمعات" ص 248.
13 النورسي: "المثنوي العربي النوري" ص 158.
14 النورسي: "المكتوبات" ص 343.
15 النورسي: "سيرة ذاتية" ص 98.
16 النورسي: "اللمعات" ص 227.
17 أبو حامد محمد بن محمد الغزالي: "إحياء علوم الدين" ص 919 ( ط. دار الكتاب العربي 1432هـ 2011 م).
18 النورسي: "رسالة الثمرة" ص 21 : 22 ( ط : الأحمدية للنشر - الدار البضاء - المغرب ).
19 "صحيح البخاري" كتاب الإيمان، باب من استبرأ لدينه وعرضه.
20 النورسي: "الكلمات" ص 866.
21 النورسي: "الكلمات" ص866.
22 "صحيح البخاري" كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم.
23 انظر النورسي: "اللمعات" ص 250.
24 النورسي: "الملاحق" ملحق قَسْطَمُونِي ص 100.
25 النورسي: "صيقل الإسلام" ص419.
26 النورسي: "اللمعات" ص 851.
27 الجوهري: "الصحاح"، ابن فارس: "مقاييس اللغة"، ابن منظور: "لسان العرب" مادة "دبر".
28 طاهر ابن عاشور: "التحرير والتنوير" تفسير الآية 3 من سورة يونس .
29 النورسي: "المكتوبات" ص347.
30 المرجع السابق: نفس الصفحة.
31 النورسي: "اللمعات" ص 229.
32 انظر النورسي: "الكلمات" ص864.
33 عبد الكريم عكيوي: "أسس الوحدة الفكرية عند بديع الزمان النورسي" ص 62: 79.
34 النورسي: "الكلمات" ص36.
35 النورسي: "صيقل الإسلام" ص 178، "المكتوبات" ص 340.
36 انظر النورسي: "الكلمات" ص 863.
37 النورسي: "صيقل الإسلام" ص423.