
تحرير الحرية في رسائل النور
- ABSTRACT -
Freeing Freedom in the Light of the Risale-i Nur
Prof. Dr. Amar Djidel
Observing the current international situation reveals that one of the most humanitarian, intellectually popular and widespread terms is the term "freedom". Freedom is like a Jewel and it is important to prevent marketing fake Jewels in the name of genuine ones. This forms the main idea of this piece of writing. The effort is exhausted to liberate freedom from all that would cause it to lose its nature. Freedom in its nature is a sparkling and glittering jewel. Thus, freedom is free. Thus, free freedom has a humanitarian scope. Its purpose is to serve the human family encompassing all races, colors, languages and beliefs. That is why we are invited to reclaim freedom and free it from misuse. The article delves into this idea through the Risale-i Nur which the author describes as the most important work that establishes the concept of freeing freedom and links it to human life theoretically, intellectually and practically.
* * *
- ملخص البحث -
أ.د. عمار جيدل1
يعلم المتابع للأوضاع الدولية الراهنة أنّ من أكثر الجواهر الفكرية الإنسانية رواجا وتسويقا مصطلح "الحرية"، ومن العناية بمنع تسويق جواهر مزيّفة بعنوان جواهر أصيلة كانت فكرة المقال، فانصب الجهد على تحرير الحرية من كلّ ما من شأنه يفقدها طبيعتها، فالحرية متلألئة وضّاءة محررة في أصل وضعها، لهذا كانت الحرية المحررة ذات أفق إنساني منظور غرضه خدمة الأسرة الإنسانية في أعراقها وألوانها ولغاتها وأديانها، لهذا نحن مدعوون إلى استردادها من التوظيف السيّء لها، هذه فكرة المقالة التي رأى كاتبها بأنّ رسائل النور من أهم المصنفات المؤسسة لثقافة تحرير الحرية وربطها بالأفق الإنساني تنظيرا وتدبيرا ومعايشة
* * *
مقدمة
إن وقع كلمة الحرية على الأسماع لا ينكر، وكونها معشوقة العقلاء الذين سلمت فطرهم من التلوّث، وبالرغم من الاتفاق عليها من حيث الاسم، فإنّ المفاهيم متباينة، فتكون الحرية عند البعض هي عين الاستبداد السياسي أو غيره، ويكون عند فريق آخر الاستعباد عين الحرية، ويميل فريق ثالث إلى جعل الحرية تحررا من كلّ شيء بما فيها إنسانية الإنسان، فتغدو الحرية بهذه المعاني المتشاكسة أمرا مختلفا فيها، فهل يعود الاختلاف إلى الحرية نفسها أم إلى ما طرأ عليها من توظيفات أخرجتها عن أصل وضعها، هذا ما نحاول الوقوف عنده في هذه الدراسة.
وبناءً على ما سلف تباينت تصورات الناس للنجاح والفلاح، فَرُبِطا وجودا وعدما بالحرية تحققا وتمثّلا، إذْ اتّفقت كلمة العقلاء على أنَّ الحرية أساس النجاح الدنيوي، والفلاح الأخروي لمن يؤمن به، وهي عنوان أخلاقية الإنسان، إذْ لو لم يكن الإنسان حرا ما ساغ أنْ يتصور الإنسان كائنا أخلاقيا، ومبنى نجاحه وفلاحه مستمد من تفعيلها بما يحفظ للإنسان ميزته الإنسانية، أي أن يكون بالنظر البشري المشترك مؤنسا للخلق، أي أنّ الحرية شرط حيوي للإيناس والتأنّس، وبهذا الصدد لنا أن نتساءل، هل توفّر الحرية وفق الصيغ المتداولة للإنسان ما يكسب تصرفاته النظرية والعملية ميزة إنسانية بالضرورة؟
تؤكّد الإشكالية الآنفة الذكر أنّ الحرية شرط أساس في المسعى البشري نحو الإنسانية المنشودة بحسب تصوراتهم المتباينة، ولكن هذا لا ولم ولن يمنع أن يكون مسعى البشر نحو الأفق الإنساني -الملون بحسب الرؤى المتباينة- سيرا في الطريق خاطئا نحو الإنسانية الحقة التي تجعل من النوع الإنساني أساسا في النظر والتدبير، فترى أنّ السعي الفردي أو الإيديولوجي البشري نحو الأفق الإنساني -وفق ما ألمحنا إليه من نسبية- يبعد عنها كلّما لاح له الدنو منها، إذ كثيرا ما يعود -هذا المسعى- بالضرر على مدعيه ومتلقيه من جهة والحرية من جهة أخرى، وهنا لنا أن نتساءل، ما السبيل الموضوعي إلى تحرير الحرية، بجعلها مؤنسة لمطلق الإنسان أن تستهدف نوع الإنسان، ولا تختص بفئة بشرية دون أخرى؟ أي أن تكون الحرية بأفق إنساني محررة من كلّ ما يعود على طبيعة الإنسانية بالإبطال أو التشويه، لتكون سبيلا واضحة لأنسنة السعي نحو الحرية واستجلاب تجلياتها في التنمية والإصلاح بأفق ومضمون وواقع كلي (يستوعب كلّ مكوّنات الأسرة الإنسانية)؟
الإنسانية أفق بالحرية يقصد بلوغه كثير من الناس، ولكنّهم للأسف كثيرا ما تعجز وسائلهم عن بلوغهم المقصود، ومرجع ذلك إلى الصيغة المتداولة للحرية نفسها في حياة الناس، فكثيرا ما تكون الصورة النمطية لها مستوحاة أو مملاة من قبل الغالب الدولي الوقتي الراهن2 فهل الحرية في الصيغة البشرية لها ووفق صيغ متداولة، قمينة ببلوغ الناس الأفق الإنساني؟
يرتكز البحث على أطروحة أساسية مفادها: تحرير الحرية من التلوين البشري لها يفرض استعادة نسختها الأصلية تلك ولد الإنسان مزوّدا بها في أصل الخلقة، لهذا فهي فطرية أساسها الشريعة التي هي أساس الحرية الإنسانية، ومن ثمّ يتطلّب تحرير الحرية مراجعة ما طرأ عليها من التلوينات البشرية التي طالت عبر مختلف محطات التاريخ، من هنا نؤكّد أن الحرية ولدت محررة ولكن البشر مالوا بها عن طبيعتها الذاتية، فوقع لها انزياح دلالي حتى غدت الحرية البهية المتلألئة الوضاءة متداولة على خلاف معهود صفاتها، طبعا وهذه ليست هي النسخة الأصلية للحرية، بل هي شبيهتها تسمت بها، صبغها (غ، د، و، ر)3 مختطفها العصري فأصبح يستعبد الناس بها بتحريرهم من الأفق الإنساني. وكلّ ما سبقت الإشارة إليه يؤكّد بما لا يدع مجالا للشك وجوب تحرير الحرية من الاستعباد الجديد.
1- مدخل مفاهيمي:
السعي المستمر للإنسان نحو تمثّل الحرية والعمل على تحقيقها أمر لا ينكر، إذ الحرية من متطلبات الإنسانية في بعدها الحضاري المعبّر عنه بالتصورات والتدبيرات للشأن الإنساني الشامل، ويتجلى هذا الأمر فيما يأتي:
1/1 الحرية -من حيث هي- قيمة بشرية جامعة مشتركة، أشبه بالجامع المشترك الإنساني الأعظم في الفكر البشري، إذ ليس في العقلاء من ينكر الحاجة إلى الحرية بل والإحساس بها في التاريخ البشري على مر مراحله.
2/1 الحرية عنصر أساسي في تحقيق البعد الوظيفي للوجود البشري، حتى غدت كل عملية تقليص من الحرية مناهضة للبعد الإنساني في البشر، إذ لا يتلاءم البعد الإنساني مع الاستبداد بأي شكل من الأشكال.
3/1 الحرية المفعّلة في الواقع المعيش عنوان أخلاقية إنسان، فأساس الحكم بأخلاقية تصرفات الإنسان مردّه إلى تمتّع الإنسان بالحرية، إذ لو يكن متمتعا بها لما كان كائنا أخلاقيا، والأخلاقية نفسها تكون إنسانية بقدر استيعاب نوع الإنسان، فتكون في أسمى حالاتها وأرقاها عندما يكون نوع الإنسان أفقا في النظر، ويبلغ هذا المسعى منتهى معاقد الأمل الإنسانية عندما يتحوّل هذا النظر إلى تدبير إنساني، يلبي حاجات الإنسان في كلّ مكان وزمان بصرف النظر عن لونه وعرقه ولغته ودينه ووضعه الاجتماعي والمالي والفكري والثقافي و...
يظهر مما سلف تقريره أنّ من أهم ميزات البشر التمتّع بالحرية، ومن ثمّ وحفاظا على النزعة الإنسانية عند الإنسان وتثمّينا لها، يحسن بل يجب العمل على استثمار الحرية بأفق إنساني على أحسن وجه وأكمله.
يتبادر إلى أذهاننا في إطار السياق السابق السؤال الآتي: ما السبيل إلى تثمين الجوانب الإنسانية في الحرية، لكي لا تتحوّل بالإنسان عن أصل ميزته الإنسانية؟
2- الحرية في التداول البشري:
تقسّم الحرية باعتبار فعاليتها في الإنسان وما حوله إلى قسمين رئيسين، ويتجلى القسمان فيما يأتي:
1/2 الحرية بوصفها عنصرا ذاتيا ملازما للإنسانية بصرف النظر عن صلتها بالأداء الاجتماعي للحرية بمفهومها البشري النسبي المعبّر عنه بالممارسات البشرية اليومية، طبعا وهي ليست النسخة الأصلية المستودعة في أصل فطرة الإنسان، لهذا يمكن الاصطلاح عليها بالحرية "الواقعية"، والمعبّر عنها في أدبيات البشر بمطلق الحرية، وهي بدورها ليست الحرية المطلقة التي تحرر الإنسان من كلّ ما يشدّه إلى الأرض، وبهذا المعنى النسبي تكون الحرية أشبه بالجامع المشترك في الفكر البشري، بمعنى أن المقصود منها هو المعنى المتبادر من التطبيق البشري لها في النظر والتدبير السياسي والفكري والأدبي والتربوي والثقافي و... ومن ثمّ استبعدت النسخة الأصلية للحرية من التداول.
2/2 الحرية بوصفها عنصرا فاعلا في تحقيق الوظيفية الوجودية للبشر وفق مختلف تصوراتهم للحياة والوظيفة، فهي ضرورية للتعبير عن اجتماعية النظر والعمل البشري، بصرف النظر عن المجتمع المقصود بذلك بالنظر أو التدبير المنجز، فقد يقصّد بالعملية إفادة جزء من المجتمع البشري بعنوان النوع الإنساني، أي تعلن في التنظير استهداف الكلّ ولكنّها تقصر الاستهداف في التدبير على خدمة قلّة قليلة من المجتمع البشري على حساب الغالبية الغالبة.
يعمل المفكرون في الشأن الإنساني العام الشامل في جو تثمين الحرية المتاحة بمفهومها (الأول) البشري النسبي بغرض الخلوص إلى بعض الأبعاد الوظيفية المستجلبة من الحرية، وخاصة البعد الاجتماعي، ولكّن طلب تلك الوظيفة بأفق إنساني يبقى بعيدة المنال وتستدعي تحرير الحرية، وبالرغم من ذل قصور الحرية بصيغ المتداولة عن بلوغ المقصود الإنساني، فإنّنا لا يمكن أن ننكر ما لها من آثار وقتية إيجابية مقارنة بالاستبداد المعرفي والحضاري والسياسي الذي لا تخطئه العين المجرّدة، ولهذا فهي وإن كانت سلبية بالنظر إلى الأفق الإنساني المنشود، فهي إيجابية نسبيا بالنظر المفقود من الحرية في السياقات البشرية بمختلف تجلياتها.
2/2 ثمار الحرية بمفهومها المتداول بين البشر:
1/2/2 وسيلة للمرافعة عن الفكرة والفكرة المقابلة:
يعد تبني الحرية -حتى بالصيغ البشرية المتداولة- فرصة طيّبة للمرافعة عن الصواب ومدافعة الخطأ، فتكون الحرية سببا في دفع الظلم، والعمل على تكريس العدالة، لأننا في جو الحرية ندفع كل أنواع الظلم، كما يمكن في السياق نفسه العمل بواسطة الحرية -بمفهومها البشري النسبي- على تحرير مساحة إضافية للسعي الإنساني نحو استعادة الأفق الإنسان في النظر والتدبير.
2/2/2 وسيلة استثمار الفرصة للتبليغ:
أليق جو للتذكير بالأفق الإنسان والمرافعة عن معانيه وأبعاده هو جو الحرية، إذ ليس باستطاعة الإنسان تبليغ فكرة أو المرافعة عنها في جو الاستبداد والقهر والتسلّط، سواء كان استبدادا حضاريا أو ثقافيا أو سياسيا أو فكريا أو عرقيا أو مذهبيا أو...لهذا وجب على المرافعين والمذكرين والمبلغين والنشطاء عموما في مسعى الأبعاد الوظيفية للحرية تثمين الحرية من حيث هي وكما هي، من خلال العمل على المرافعة عنها في كل زمان ومكان بصرف النظر عن الشخص الذي تعلّقت به فكرة المدافعة والمرافعة.
3/2/2 الأثار السلبية للصيغة البشرية للحرية وفق الصيغ المتداولة (الحرية بالموازين البشرية):
تعد الحرية في مستواها الأول (وفق الفهم البشري) جامعا مشتركا بين بني الإنسان، لهذا تعد الطريق الوحيد والشرط الرئيس لإمكان التفكير في الأفق الإنساني بأبعاده الوظيفية، فضلا عن التنظير له أو تدبير شأن بما ييسر السير نحوه، وبالرغم من تسليمنا بضرورتها وأهميتها في السعي عموما، فإننا نقر بسلبيتها من مجموعة من الوجوه، لعل أهمها أنها تقصر اهتمامها بالنواحي العرضية من الإنسان، ولا تنظر في النواحي الأصيلة فيه أي الذاتية، وهي بذلك تتّسم بجملة من القصور عن بلوغ المراد، لعلّ من أهمها:
1/3/2/2 التبعية للغالب:
يُعْلم أن الحرية في أصل وضعها تكون مستقلة عن التاريخ والجغرافيا والمصالح، ولكنّها من حيث الوجود الواقعي ليست كذلك، لذلك تفسّر الحرية البشرية وفق فكر الغالب، ويعتبر تفسيرها بهذا الوجه عمل على التحرر من القيود والانغمار والانغماس في السفاهات والملذات غير المشروعة والبذخ والإسراف، وتجاوز الحدود في كل شيء إتباعًا لهوى النفس.. وهذا مماثل لمن يتحرر من أسر سلطان واحد ويدخل في استبداد حقراء سافلين كثيرين. فضلاً عن أن هذا النمط من الحرية يظهر أنّ الأمة غير راشدة ومازالت في عهد الصباوة وليست أهلا للحرية. فهي سفيهة إذن تستحق الحجر عليها، بالرجوع إلى الاستبداد السابق البائد.4 المنبعث في ثوب جديد أجمل ولكن بمضامين أشنع وأبعاد أكثر غورا في السفالة والسفاهة والصفاقة، وعوض أن يحرر البشر من الحرية المأسورة راحوا يسوّقون لحرية مستلبة مختطفة أخرى غير التي كانت تحكمهم من حيث الظاهر وهي أسوأ من سابقتها من جهة المضامين.
والحرية بهذا الفهم ليست إلا جنونا وقتيا لأنها قرينة الاستبداد، بل يفضي الأمر إلى قلب الموازين، فتصبح الحرية الحقيقية قرينة الجنون، ويجعل الاستبداد الضعيف مستشفى المجاذيب مدرسةً للأحرار.5
2/3/2/2 نسبية تحديد الحرية في الموازين البشرية:
نسجّل أنّه بالرغم من التثمين الذي حظيت به الحرية الوقتية ولهذا فهي تزاول وفق ما يفهمها ويمارسها البشر في المرحلة الأخيرة من حياة البشرية، ولها تجليات في مختلف مجالات الحياة، ويستوجب النظر الفاحص لها التدقيق في إيجابياتها وسلبياتها، خاصة وقد وصل الإنكار على بعض المشتغلين بالتغيير الفكري أو السياسي أو الثقافي أو الحضاري مداه بما تعرّضوا له من تضييق، لهذا يرى الراغب في تحرير الحرية من الاستلاب البشري لها أنّ السجن أحبّ إليه من حرية ليس له من حقيقتها إلا الاسم، ذلك لأن "السجن... أكثر نفعاً وأكثر راحة بمائة مرة من الحرية المقيدة في الخارج، ومن الحياة تحت تحكّم الآخرين وسيطرتهم؛ لأن المرء يتحمل مضطراً مع مئات المساجين تحكماً من بعض المسؤولين؛ أمثال المدير ورئيس الحراس بحكم وظيفتهم، فيجد سلواناً وإكراماً أخوياً من أصدقاء كثيرين من حوله، بينما يتحمل وحده في الخارج سيطرة مئات الموظفين والمسؤولين."6
يؤكد الأستاذ النورسي الفكرة نفسها بنص صريح في الدلالة على المراد، فيذكر: بأنّ "وضعنا وحالنا خارج السجن -تحت هذه الظروف- أسوأ مائة مرة من حالنا داخله، ولا يبقى بعد هذا الاستبداد المطلق الموجه إلينا أي نوع من أنواع الأولى: إن الاستبداد الذي فينا أقام سداً مظلماً جائراً إزاء الحرية بكل أصنافها... العلمية والوجدانية والدينية.. أي لا يبقى أمام أهل الشهامة وأهل الديانة وأمام مناصري الحرية ومحبيها من سبيل إلا الموت أو الدخول إلى السجن."7
3/3/2/2 الحرية بالموازين البشرية تشجع الرذيلة وتضيق على الفضيلة:
استغل المسوّقون لكلّ السلع المُتْلِفَة للنوع الإنساني جو الحرية لنشر الرذيلة والحد من الفضيلة بمفهومهما العام، بل قد وصل بهم الأمر أن منعوا الفضيلة وأهلها من ممارسة حقوقهم العادية بعنوان الصيغ المتداولة للحرية حينا والعلمية والعقلية حينا ثانيا، لهذا نرى أنّه في الوقت الذي لا يعترض أحد على انتشار كتب الملاحدة، وهي كتب ضارة جداً بالعباد والبلاد والأمة والأخلاق، ففي الوقت نفسه تتم مصادرة أجزاء من كتب نافعة وكأنها أوراق ضارة وتقدم إلى المحكمة.8
4/3/2/2 تناقض مواقف الداعين إلى الحرية:
يدعي كثير من الساسة والمبدعين المعاصرين بأن العصر هو زمان الحرية فلا تضييق ولا رقيب على حريات الناس، ذلك أنّ من مقتضيات الحضارة الحديثة الحرية، وبالرغم من هذه الادّعاءات العريضة التي يكذّبها الواقع الفكري والتربوي والسياسي والحضاري، نراهم في حقيقة الأمر مهيئين لتربة خصبة لتنمية الاستبداد وإنماء التصرفات التي تمس الكرامة الإنسانية وتعتدي عليها، وقد أدت تلك الافتراءات على الحرية إلى النفاق، وغذّت الحقد والانتقام، بل أفضت هذه المغالطات إلى التحلل من الآداب الدينية بعنوان الحرية، فكان أن أسست للتحرر من الحرية البهية الوضيئة لتوقع المتلبّس بها في السفاهة والصفاقة.
قال النورسي: "إذا كانت هذه هي المدنية، فليشهد الجميع بأنني أفضّل قمم الجبال الشاهقة في الشرق، وأفضّل حياة البداوة في تلك الجبال في بلدي حيث الحرية المطلقة، على موطن النفاق الذي تسمّونه أنتم قصر المدنية".9
وهاهم دعاة الحرية في العصر الحديث يتحرون عن كل نصير لفكرتهم بغرض بعث الحياة فيها وفيه، ولا يعيرون أي اهتمام بغيرهم، ألا تقتضي الحرية السعي نحو تحرير كل بني الإنسان عوض قصرها على البعض دون البعض الآخر؟ ولعل أصدق أنموذج على ذلك ما عمله الإنكليز الذين تقنّعوا بقناع الحرية، يمدّون أيدهم إلى كل جهة ويتحرون عن النصراني، فأينما وجدوه بعثوا فيه الحياة.. "فها هي الحبشة والسودان... وها هي الطيار والأرتوش وها هي لبنان وحوران.. وها هي ماسور وألبانيا.. وها هم الكرد والأرمن.. والترك والروم.. الخ".10
5/3/2/2 الحرية بالموازين البشرية تركيز على الجانب السلبي:
ربطت الحرية في السياقات الراهنة بالأغراض الشخصية فقلبتها إلى استبداد مطلق. فماتت تلك المولودة في مهدها، وخشية موتها يحذّر النورسي أبناء وطنه قائلا: "يا أبناء الوطن! لا تفسروا الحرية تفسيراً سيئاً كي لا تفلت من أيديكم، ولا تخنقونا بسقي الاستعباد السابق الفاسد في إناء آخر ذلك لأن الحرية إنما تزدهر بمراعاة الأحكام الشرعية وآدابها والتخلق بالأخلاق الفاضلة".11
والحرية بالموازين البشرية كانت سببا في شيوع "الفوضى والإرهاب في كلّ الأوساط بما نشرته الصحف من مقالات محرضة، وشروع الفرقاء بتسجيل أسماء الفدائيين، وسيطرة الأشخاص الذين قادوا الانقلاب، وسريان الحرية المطلقة إلى الجنود بما ينافي الطاعة العسكرية، وتلقين بعض المهملين الجنود ما يظنونه مخالفاً للآداب الدينية. وبعد أن انفرط عقد الطاعة زرع المستبدون والمتعصبون الجهلاء -والذين تنقصهم المحاكمة العقلية في الدين- البذور في ذلك المستنقع الآسن -بظن الإحسان- وظلت السياسة العامة للدولة بيد الجهلاء وأطلق ما يقارب المليون من الطلقات في الهواء وتدخلت الأيادي الداخلية والخارجية".12
وحاصل الكلام أن الحرية بهذا المعنى أصبحت استبدادا شديدا وتحكما صارما، بسبب الجهل المتفشي. وكأن الاستبداد والتجسس قد تناسخا روحاً. والذي يبدو أن الغاية من الدعوة إلى التحرر ما كانت ترمي إلى استرداد الحرية من سابق، بل تحويل استبداد ضعيف وضئيل إلى استبداد شديد وقوي.13 بمعنى تحرير المجتمعات من أسر سابق وتسليمهم لأسر لاحق أشنع وأفظع.
يتجلى مما سلف أن "تفسير الحرية والعمل بها على أنها التحرر من القيود والانغماس في السفاهات والملذات غير المشروعة والبذخ والإسراف، وتجاوز الحدود في كل شيء إتباعاً لهوى النفس... مماثل لمن يتحرر من أسر سلطان واحد ويدخل في استبداد حقراء سافلين كثيرين".14 فضلاً عن أنّ الحرية المطلقة ليست إلا الوحشية المطلقة بل بهيمية، ولهذا كان تحرير الحرية ضروريا من وجهة نظر الإنسانية صرف.15
وتحريرها من وجهة النظر الإنسانية يقتضي أن تكون الحرية بمنأى من الاستغلال البشري لها، لأنها إنْ لم تكن كذلك كانت استبدادا أو أسرا بيد النفس الأمارة بالسوء، أو بهيمية أو وحشية.16
3- أهمية الحرية الإنسانية:
تكون الحرية ذات بعد إنساني إذا كانت متعلّقة بأفق إنساني يروم مراعاة الإنسان بوصفة نوعا مميّزا، أي يراعي متطلبات مكونات النفس البشرية من جهة، وبمنأى من استغلالها لصالح الغالب في مواجهة المغلوب من جهة أخرى، وبذلك تحقق مجموعة من الغايات والأهداف.
1/3 الحرية بأفق إنساني تكون سدا منيعا دون الاستبداد
يعلم العقلاء بأنّ النفوس السوية تأنف عن قبول الاستبداد وممارسته، لأنّ النفوس في أصل نشأتها تعشق الحرية بمضمونها الإنساني لأنّها جعلت منها أفقا وهدف مسير ونهاية مسار، حرية يراعي المتلبّس بها حرية الآخرين حين ممارسة حريته، وهو ما يجعل المجموع منخرطا في التنمية الشاملة، فالدولة بالمجموع تنشأ وبهم تستمر وبهم تعمل ولهم تبذل، وكلّ سلطة لا تسعف الناس للانخراط الطوعي المؤسس على الرغبة مدفوعة لتأسيس مقابلها أي دولة الرهبة، والرهبة سلطانها على النفسي وقتي، وعمرها يقدّر بعمر غفلة الناس عن حريتهم، لهذا قال النورسي: "إن هذا الفأل الحسن يبشرنا بأن خاتمة هذا الانقلاب ستكون بانقشاع ذلك السحاب المتراكم القاتم، بالرغبة العامة لدى الناس، وبشعورهم بالضرر المادي لسيئات المدنية الملوّنة بألوان السفاهات والإسراف والملذات غير المشروعة... وغيرها من الأمور التي دفعت دولة المدنية إلى الانقراض -كانقراض الحكومة المستبدة -".17 ومن ثمّ فإنّ الحرية عنصر مهم في نشأة الدول ومدّها بعناصر البقاء والديمومة.
2/3 الأفق الإنساني للحرية موافق الاستعدادات والقابليات:
الاستبداد مخالف للطبيعة الإنسانية، فلا يميل إلى التطبّع بالأوضاع الاستبدادية إلاّ من فقد بعض عناصره الإنسانية، أي مال عن الفطرة السوية، ذلك أنّ الحرية في أصل وضعها موافقة لفطرة الإنسان المتجلية في تكوينه النفسي والعقلي والاجتماعي، لأنّها الخلقة التي لا تقاوم، فقد خلق الإنسان مزودا به بالقوة، فيعشق البشر الحرية لموافقتها لاستعداداتهم وقابلياتهم وفطرهم بجميع مكوناتها النفسية والدينية والأخلاقية بل وحتى المعرفية، بل تنمو بذور الاستعدادات والقابليات بهطول أمطار الحرية، فتتزين عندئذ الأرض بأزهى حللها الملونة.18
3/3 الأفق الإنساني للحرية طريق اتحاد القلوب:
الاتحاد والحب فعلان إراديان لا يقوى على تمثّلها واستجلاب أبعادها الإنساني فاقد للحرية، لهذا كانا (الاتحاد والحب) من منتجات الحرية الإنسانية، لأن اتحاد القلوب والمحبة الموجهة للأمة الإسلامية كافة من المسلمين كافة هي معدن السعادة والحرية، قد أنعمها المولى الكريم علينا مجاناً، بينما الأمم الأخرى قد ظفروا بها بعد دفع الملايين من جواهر النفوس الغالية.19
نتيجة انحرافهم عنها بفعل الملوك والسلاطين المستبدين.
4/3 الأفق الإنساني للحرية يبعث الروح في حياتنا:
تعد الحياة من غير حرية موتا بطيئا، بل تكون الموت أحرى منها وأولى، لهذا يعمل المستبدون على جعل الموت أحب للمستضعفين من الحياة، فتراهم يضيّقون عليهم الحريات، لأن "صدى الحرية والعدالة ينفخ نفخ اسرافيل فيبعث الحياة في مشاعرنا المدنية وآمالنا الخامدة ورغباتنا القومية الرفيعة وأخلاقنا الإسلامية الحميدة، حتى يرن صماخ الكرة الأرضية المجذوبة جذبة المولوي، ويهيج الأمة جميعاً ويهزها هزّ المجذوب".20
5/3 الأفق الإنساني للحرية موافق للوجدان:
حب الحرية عاطفة إنسانية وحقيقة موضوعية لا ينكرها إلا مستبد أو فاسد الفطرة، لهذا كان طلبها عنصرا مهما في وجدان الإنسان السوي، يفسّرها رضا أهل الشهامة والشهامة الإيمانية على الخصوص بالسجن على حياة لا تبقي على أي نوع من أنواع الحرية... "لا الحرية العلمية ولا الحرية الوجدانية ولا الحرية الدينية.. أي لا يبقى أمام أهل الشهامة وأهل الديانة وأمام مناصري الحرية ومحبيها من سبيل إلا الموت أو الدخول إلى السجن".21 "ذلك لأنه لا سبيل للتخلص من مثل هذه المعاملة العجيبة المنكرة سوى أحد أمرين: السجن أو القبر، وما دام الطريق إلى القبر مسدودا أمامه لا يستطيع الحصول عليه لأن الانتحار محظور شرعاً، ثم إن الأجل سر خفي، لا يدرك الإنسان كنهه بَلْهَ عن أن تطوله يداه، لذا فقد رضي بالسجن الذي هو رهن اعتقاله وتجريده منذ حوالي ستة أشهر."22
6/3 الأفق الإنساني للحرية تحرير للآخرين:
يعمل المقتنعون بالحرية بمفهومها وأفقها الإنساني على تحرير الآخرين بالقدر الذي يعمل على تحرير نفسه، لأنه إذا ثقلت كفة الحرية في ميزان العالَم، فقد رفعت كليّاً الوحشيةَ والاستبداد اللذين في الكفة الأخرى، وسيزولان بمرور الزمن. فلو أنكم قرأتم صحيفة الأفكار وتأملتم في طريق السياسة واستمعتم إلى الخطباء العموميين، أعني الصحافة الصادقة في أخبارها، لعلمتم أنه قد حصل في العالمين العربي والإسلامي أمثالها، تحّولٌ عظيم وانقلاب عجيب ورقي فكرى وتيقظ تام نابعٌ من فوران فكر الحرية وغليانه في أفكار العالم الإسلامي، فلو كنا دافعين مائة سنة ثمناً لها لكان رخيصاً، لأن الحرية كشفت عن الملّيةٍ وأظهرتها وبدأ يتجلى الجوهر النوراني للإسلام في صَدَفة الملّية، فآذنت بتحرك الإسلام واهتزازه: بأنّ المسلم ليس جزءاً فرداً سائباً حبلُه على غاربه، بل هو جزء لمركبات متداخلة متصاعدة، له مع سائر الأجزاء صلة رحم من حيث جاذبية الإسلام العامة. فهذا النبأ يمنح أملاً قوياً بأن نقطة الاستناد ونقطة الاستمداد في غاية القوة.23
7/3 الأفق الإنساني للحرية يمنح القدرة على الإنكار:
تكسب الحرية حين تفعيلها أهلها القدرة والعزم على الإنكار على أهل الباطل، وقد جسّد هذا الموقف النورسي حين سئل: كم رأينا من لا يفسّر الحرية كما تفسّرها أنت، مع أن أفعال أعضاء من "جون تورك"24 تخالفك في التفسير ويناقض قولهم قولك، إذ أنّ بعضهم يفطرون في رمضان ويشربون الخمر ويتركون الصلاة...فقال النورسي رحمه الله: اعلموا كذلك أن السفهاء التاركين للصلاة، ليسوا بـ "جون تورك" بل هم "شين الترك" أي فاسدون، فهم روافض "جون تورك" مثلما لكل شيء روافضه، فروا فض "الحرية" هم السفهاء. 25
8/3 الأفق الإنساني للحرية مناقض للجهل والعناد والانتقام:
لا يمكن أن تكون الحرية بأفق إنساني مؤسسة على الجهل والعناد والانتقام، وهي الحقيقة التي عبّر عنها العلامة النورسي في أسلوب أدبي رفيع وفي قالب هزلي، فيذكر في سياق الإجابة عن قولهم: مَن هم أولاء المشوّشون على الأفكار ولا يقدرون "الحرية" و "المشروطية" حق قدرهما؟
فأجاب بأن جمعية تشكلت برئاسة "الجهل" آغا و "العناد" أفندي، و "الغرض" بك، و "الانتقام" باشا و "التقليد" حضرتلرى، ومسيو "الثرثرة"، وهي جمعية من الناس تشوّه "الشورى" التي هي منبع سعادتنا وتكدّرها.
وورد عنه في مقام الإجابة عن تساؤلهم: مَن هم أولاء المشوّشون على الأفكار ولا يقدرون "الحرية" و "المشروطية"26 حق قدرهما؟
فكان جوابه: حسابهم لأعظم مصلحة من مصالح الأمة ومنافعها... والذين يرون نفعَهم في إضرار الناس، وبدانتهم في هزال الآخرين... والذين يفسّرون الأمور دون محاكمة عقلية عادلة فيطلقون المعاني جزافاً... فبينما ترى أحدهم لا يكبح جماح نفسه للثأر ولا يضحي بغرضه الشخصي، إذا به يدّعي بغرورٍ استعداده لفِداء روحه للأمة... وهم أولاء الذين يحملون أفكارا غير الآخرين للإخلال بالأمن ويهيّجونهم للقيام بالاضطرابات كي يتشَفّوا بإنزال العقوبة بهم، وتأديبهم.27
9/3 الأفق الإنساني للحرية مهمة الشرفاء:
نشر الحرية الإنسانية مهمة بعض صالحي العقلاء، لأنه لا يوفق لإيقاظ واحد أو اثنين أو ثلاث من الحسيات العمومية: كحس الحرية، وحس الحمية الملية، وحس المحبة إلا الدعاة المصلحين. فكان أمرا خارقا أنْ قام رجل واحد بمهمة إيقاظ ألوف من الحسيات العالية المستورة النائمة، وجعلها دفعةً فوارة منكشفة في قوم بدويين منتشرين في جزيرة العرب، تلك الصحراء الواسعة.28 ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد جسّد هذا الموقف الرسالي النورسي في كثير من مواقفه، حيث ورد عنه في مقام الرفع من معنويات الأتباع قوله: لا تخافوا، إن المدنية والفضيلة والحرية قد بدأت تهيمن على العالم الإنساني مما أثقلت كفة الميزان، فبالضرورة تتخفف الكفة الأخرى شيئاً فشيئاً، فلو فرضنا محالاً من أنهم مزّقونا وقتلونا -لا سامح الله- اطمئنوا بأننا نموت ونحن عشرون إلاّ أنّنا نُبعَث ونحن ثلاثمائة، نافضين غبار الرذائل والاختلافات عن رؤوسنا متّحدين مقدّرين حقيقة مسئوليتنا، نتسلّم الراية لنقود قافلة البشرية. فنحن لا نهاب هذا الموت الذي يُنتج حياةً أشد وأقوى وأبقى. فحتى لو متنا نحن فسيبقى الإسلام حيا سالماً، فلتعش أبداً تلك الملّة المقدسة.29 التي هي مبعث ومنبع تحرير الحرية واستعادتها بهاءها في كلّ الأرواح والنفوس والقلوب والعقول والأبدان، وتتلألأ أنوارها على الفرد والأسرة والمجتمعات والأوطان والدول والأمة والإنسانية، فتستنير بها كلّ مجالات حياتنا.
ويشهد تاريخ العالم أن الداهية الفريدَ إنّما هو الذي اقتدر على إنعاش استعداد عموميّ، وإيقاظ خصلة عمومية، والتسبب لانكشاف حسّ عموميّ؛ إذْ مَن لم يوقظ هكذا حسّا نائما يكون سعيُه هباء موقتا ولو كان جليلا في نفسه.. وأيضا إنّ التاريخ يرينا أنّ أعظم الناس هو الموفَّق لإيقاظ واحد أو اثنين أو ثلاث من هذه الحسِّيات العمومية: كحس الحمية الملّية، وحس الأخوة، وحس المحبة، وحس الحرية الخ. أفلا يكون إذاً إيقاظ ألوف من الحسِّيات -المستورة العالية، وجعلها فوّارة منكشفة في قوم بَدَوييّن منتشرين في جزيرة العرب تلك الصحراء الواسعة- من الخوارق؟.. نعم! هو من ضياء شمس الحقيقة.30
10/3 الأفق الإنساني للحرية يوفّر القدرة على التحمّل:
تمنح الحرية بأفق إنساني صاحبها بفضل الله تعالى قدرة عجيبة على تحمل الأذى في سبيل الله، فيعيش إنْ قدّر له العيش بمنتهى الاقتصاد والقيام برياضة روحية شديدة حفاظاً على حريته وعزته العلمية من دون أن يعرض نفسه إلى ذل المهانة بالطمع في الصدقة والمسألة أو التوسل بالزكاة والمرتبات والهدايا... لأنه يرى أحوج ما يكون إلى الحرية ضمن العدالة منه إلى الإعاشة،31 الإنسان السوي يمتنع عن الأكل والشرب طلبا لحرية وإشعاراً بالتضييق الذي تتعرّض إليه حريته، والصوم في الشريعة الإسلامية عنوان التحرر من هيمنة الغرائز على الإنسان، لهذا كان الصوم وجاءً من فقد الحرية والهيمنة على الإرادة وتفعيل الإرادة وفق ما طلب الشارع الحكيم.
يشهد لهذه المعاني قول النبي صلى الله عليه وسلم في توجيه الشباب، فقال فيما أخرجه الجماعة عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنّه له وجاء"32 أي يحميه من الوقوع في الغواية التي ليست غير تضييع للحرية لصالح الغريزة.
11/3 الأفق الإنساني للحرية بعث للقوة المعنوية:
تستطيع الحرية بأفق إنساني -بفضل ما استودع الله فيها من قدرة- بعث القوة المعنوية في النفس البشرية، ولهذا فالحرية المحررة من الاستعباد تحيي الأمل في بعث قوتنا المعنوية بعد أن كانت صريعة اليأس. وستمزّق الحياة في ظلّ الحرية المحررة حُجُبَ الاستبداد المعنوي العام المستولي على العالم الإسلامي كله، مستمدة قوة دفعها من فكر الحرية ومفهومها الذي يفور فيه، يتمّ ذلك وأنف اليأس وأصله وفرعه راغم.33
12/3 الأفق الإنساني للحرية يرشّد الأغراض الشخصية:
يمكن بتفعيل الحرية بأفقها الإنساني القضاء على طنطنة الأغراض التي شوشت صدى الموسيقى العذبة الحرية، فترى الساعين إلى خنقها يركبون الصعب لأجل الإجهاز عليها، ذلك أنّها لا تروقهم في نسختها الأصلية الأصيلة في الفطرة الإنسانية، لهذا سعوا ويسعدون من هوادة أو مهادنة إلى تقليص الدساتير المؤسسة للدول، وتوظيفها لتحقيق تقيض قصدها، فعوض أن تكون مقيّدة لإرادة الحاكم بقيد يضعه المحكوم، تكون مقيّدة لإرادة المحكومة بقيد يمرره الحاكم بالأساليب المعهودة في الدول المتخلفة، فترى دستورا هذا شأنه محصورا في عدد مخصوص من البشر، وبهذا يسهل تفريق أنصار الدسترة الحقيقية، ليخلو الجو للمستبدين والمشوشين،34 ولكن النزهاء والشرفاء يدفعون هذه الفكرة من منطلق المحتوى الإنساني للحرية، وبذلك يحولون دون جعل الحرية تدور مع أغراض الغالبين الوقتيين وجودا وعدما، لهذا وجب العمل على ترشيد تلك الأغراض وجعلها خادمة لأصل الحرية والتكليف.
من منطلق ما سبق تقريره يتبيّن أن الحرية الإنسانية مقيّدة بتوخي إفادة الإنسانية في حاضرها ومستقبلها، لهذا يتبادر إلى الذهن السؤال الآتي: ما هي محددات الحرية بأفق إنساني؟
التفتيش عن محددات الحرية بأفق إنساني يفرض عرض فكرة الحرية المنبثقة عن الشريعة بوصفها حرية إنسانية تحددها الشريعة في أصل وضعها وتفاصيل كثير من تشريعاتها.
ثالثا: الحرية في الشريعة والأفق الإنساني:
عمل النورسي على تحقيق مناط الاختلاف في مسألة الحرية المنبثقة من الشريعة، فذكر في ثنايا الرد عن استفسار في موضوع الحرية، فما هذه الحرية التي تتجاذبها التأويلات وتتراءى فيها الرؤى العجيبة الغريبة؟!
فقال: لقد فسّروا لنا "الحرية" تفسيراً خاطئاً سيئاً، وكأن الإنسان مهما فعل - في كنف الحرية - من سفاهات ورذائل وفضائح لا يؤاخَذ عليها مادام لم يضرّ بها الناس... هكذا أفهمونا الحرية، أهي كذلك؟!
فذكر الأستاذ في سياق الجواب ما يشفي الغليل، فقال: إنّ الذين فسّروها "الحرية" هكذا، ما أعلنوا إلا عن سفاهاتهم ورذائلهم على رؤوس الأشهاد، فهم يهدرون متذرعين بحجج واهية كالصبيان، لأن الحرية الحسناء35 ليست هذه، بل هي مسمى آخر.
لهذا قال محذّرا: إنْ لم نقبل المشروطية (دسترة الحياة السياسية ونظام الدولة) المشروعة والحرية والشرعية ولم يطبقا على الوجه المطلوب فسوف نضيعهما وستحل إدارة مستبدة محلهما.36
1/3 مفهوم الحرية المنبثقة عن الشريعة:
الحرية المنبثقة عن الشريعة هي الحرية الإنسانية الساطعة كالشمس وهي معشوقة كل روح، وهي صنو جوهر الإنسانية، وما هي إلا التي تربّعت على قصر سعادة المدنية وتزيّنت بحلل المعرفة وحُليّ الفضيلة والتربية الإسلامية.37
وتفسيرها تفسيراً سيئاً قد يعرضها للانفلات من أيدينا، كما قد يخنقها السقي بالاستعباد الفاسد في إناء آخر، ذلك لأن الحرية إنما تزدهر بمراعاة الأحكام الشرعية وآدابها والتخلق بالأخلاق الفاضلة.
والبرهان الباهر على هذا الادعاء هو ما كان يرفل به عهد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين من الحرية والعدالة والمساواة على الرغم من الوحشية السائدة والتحكم المقيت.38
إن الانقلاب -الذي حدث في حاضر الإنسانية- لو أعطى الحرية التي ولدها إلى أحضان الشورى الشرعية لتربيتها فستُبعث أمجاد الماضي لهذه الأمة قوية حاكمة. بينما لو صادفت تلك الحرية الأغراض الشخصية، فستنقلب إلى استبداد مطلق. فتموت تلك المولودة في مهدها.39
إن الحمية الإسلامية التي عانت سابقاً ولاحقا كثيراً من الضوائق والبؤس، وهي ليست أهلا لها، قد فارت فوراناً عظيماً بحيث اكتملت الحرية في ذلك الرحم. فحالما يحين وقت الولادة وتظهر إلى الوجود ستعلن هيمنتها، فلا يتمكن أن يتصدى لها ويزلزلها أي شيء، حيث أنها ستتأسس على أسس رصينة -كعرش بلقيس-40
فإذا ما عاشت الآن هذه الحرية الشرعية العادلة ولم تفسد، فستكسر أغلال فكر الإنسان، وتحطم الموانع الموضوعة أمام استعداده للرقي، فتوسع ميدان حركته سعة الدنيا كلها. حتى إن قروياً يستطيع أن ينظر إلى إدارة الدولة التي هي في أوج العلا كالثريا، ويربط نوى الأماني والاستعدادات هناك. وحيث إنّ كلّ فعل وطور يصدر يلقى صداه هناك، لذا ستتعالى همته كالثريا وتتكامل أخلاقه بالدرجة نفسها، وتتوسع أفكاره بقدر سعة البلاد الإسلامية، وسيسبق بإذن الله الأفذاذ من أمثال أفلاطون وابن سينا وبسمارك وديكارت والتفتازاني.41
الحاصل: إن الحرية الخارجة عن دائرة الشرع، إنما هي استبداد أو أسرٌ بيد النفس الأمارة بالسوء، أو بـهيمية أو وحشية. فليعلم جيداً هؤلاء الزنادقة والمهملون للدين أنّهم لا يستطيعون أن يحبّبوا أنفسهم لأي أجنبي كان يملك وجداناً بالإلحاد والسـفاهة، بل لا يمكنهم أن يتشبهوا بـهم. لأنّ السفيه والذي لا يسير على هدى لا يكون محبوباً، فالثياب الـلائقـة بامرأة إذا ما لبسها الرجل يكون موضع هزأ وسخرية.
وللحفاظ على البلاد والعباد تجب المحافظة على النظام العام للبلاد الذي أساسه الحرية الشرعية.42
إن العناية بالحرية الشرعية سيسد الثغرات ويجعلها -كما قال النورسي- مسايل (جداول وقنوات) إليه كالحوض، وبذلك تعطي الأمة القوة الرائعة للدولة لصرفها في الخارج، فتحصل ثمنها رحمةً، وعدالة ومدنية.43
إن الشريعة الغراء باقية إلى الأبد؛ لأنها آتية من الكلام الأزلي وأنّ النجاة والخلاص من تحكم النفس الأمارة بالسـوء بنا هي بالاعتماد على الإسلام والاستناد إليه والتمسك بحبل الله المتين. وإنّ جني فوائد الحرية الحقة والاستفادة منها استفادة كاملة منوط بالاستمداد من الإيمان؛ ذلك لأن من أراد العبودية الخالصة لرب العالمين لا ينبغي له أن يذلّ نفسـه فيكون عبداً للعبيد. وحيث إنّ كلّ إنسان راعٍ في مُلكه وعالَمه فهو مكلّف بالجهاد الأكبر في عالمه الأصغر ومأمور بالتخلق بأخلاق النـبي صلى الله عليه وسلم وإحياء سنته الشريفة.44
يتجلى وبما لا يدع مجالا للشك أن الحرية الشرعية تحرير لها فتمنع تعميم مفهوم الحرية على التصـرفات السفيهة، أي تحرير الحرية بما يعود عليها بالإبطال، فتحرر الحرية المتداولة بالقيم المنبثقة من الشريعة والآداب المتضمنة فيها، ثم القيام بتطبيق الحدود الشرعية التي لا يفهم العوام منها سوى القصاص وقطع اليد.45
وسيأخذ الإسلام بيمينه من الحجة سيفاً صارماً جزاراً مهنداً... وبشماله من الحرية لجام فرس عربي مشرق اللون فالقاً بفأسه وقوسه رؤوس الاستبداد الذي به اندرست بساتيننا أو تكاد.46
إن الحرية المحررة من التوظيف السيّء أو الاختطاف البائس، هي الحرية الحقيقية وهي ذاتها الحرية المنبثقة من الشرعية، وتمثّل بالنسبة للإنسان مولّد العبودية للّٰه سبحانه، إنها تلك الحرية الإنسانية الساطعة كالشمس معشوقة كل روح، وصنو جوهر الإنسانية، وما هي إلا التي تربّعت على قصر سعادة المدنية وتزيّنت بحلل المعرفة وحُليّ الفضيلة والتربية الإسلامية.47
الحرية الحقيقية هي المحررة من قيد يجعلها أنتن من النتانة نفسها، حرية يكون المتلبّس بها مطلق العنان في حركاته المشروعة مصوناً من التعرض لما من شأنه إفقاد حريته، فيكون فيها الإنسان محفوظ الحقوق مدفوعا للقيام بالواجب الذي هو عنوان إنسانيته، فلا يفكر في أنْ يقبل تحكم بعض في بعض، وبهذا يتجلى فيه نهي الآية الكريمة: ﴿وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّٰهِ﴾آل عمران:64 ولا يتأمّر عليه غير قانون العدالة والتأدب، لئلا يُفسِد حرية إخوانه.48
إن الحرية الشرعية قيمة ذاتية فردية ذات بعد اجتماعي ظاهر، بحيث قد يفضي إهمال أبعادها إلى تضييعها في الفكر والتدبير والتطبيق، لهذا كانت الحرية الحقيقية المحررة من التوظيفات البشرية صنو الإنسانية وخاصية إيمانية.
2/3 الحرية خاصية الإيمان:
سئل النورسي: كيف تكون الحرية خاصية الإيمان؟ ولاشكّ أنّه تساؤل عن الحرية المحررة من الاستعباد البشري، فكان جوابه: نعم. إن خادماً صادقاً مخلصاً للسلطان لا يتذلل لتحكّم راعٍ وسيطرته، كما لا يتنازل أن يفرض سيطرته على مسكين ضعيف. فبمقدار قوة الإيمان إذن تتلألأ الحرية وتسطع. فدونكم خير القرون، العصر السعيد، عصر النبوة والصحابة الكرام.49
على أنّ كمال الإيمان سبب في كمال الإحساس بالحرية المُحَرَرَة من الاستغلال المُحَرِرَة من الاستعباد، ومقتضى ذلك أن لا يتفرعن الإنسان على أخيه الإنسان، وأنْ لا يستهزئ الإنسان بحرية غيره،50 لأن الحرية الشرعية هي حرية محررة نابعة من الإيمان وتأمر بأساسين:
1/2/3 أن لا يذلّل المسلم ولا يتذلل... من كان عبدا لله لا يكون عبدا للعباد.
2/3/2 أن لا يجعل بعضكم بعضا أربابا من دون الله، إذ لا يعرف الله حق معرفته من يتوهم نوعا من الربوبية لكل شيء، في كل حسب نسبته فيسلّطه على نفسه، إنها عطية الرحمان الرحيم وتجل من تجليات الخالق الرحمن الرحيم، وهي خاصة من خصائص الإيمان.51
والحرية كخاصية إيمانية معناها السير الحثيث وفق نظام كوني، إذ يتجلى من السير في عالمي الآفاق والأنفس التناغم الكبير بين مكونات الكون لسيرها بحرية وفق النظام المحدد، والحرية الإيمانية التي تقتضي أن نجد مثيلا لتلك التصرفات على الأنفس، فيتصرف البشر وفق التناغم مع مكونات الكون وذلك هو منتهى الحرية، وفي هذا المعنى يقول النورسي: "إنّه من مقتضى الحكمة أنّ جريان الشمس وجنودها التي هي سياراتها في فضاء العالم في جريان مشاهد، لأنّ القدرة الإلهية قد جعلت كل شيء حياً ومتحركاً ولم تجعل شيئاً محكوماً عليه بالسكون المطلق، ولم تسمح الرحمة الإلهية أن يتقيد أي شيء كان بالعطالة المطلقة التي هي أخت الموت وابنة عم العدم. لذا فالشمس أيضا طليقة بشرط إطاعتها للقانون الإلهي، فلها الحرية في الجريان، ولكن بشرط ألا تتدخل في حرية غيرها. إن الشمس سلطان الفضاء وهي المتمثلة للأمر الإلهي، والمنفذة للمشيئة الإلهية في كل حركاتها."52
وبناء على ما لفكرة الحرية من خاصية إيمانية وبعد إنساني، سلك النورسي مسلك الاعتدال، مسترشداً بالنهج الإسلامي السالم من التعصب الذميم الذي يعيق كل تجدد، والمبرأ عن اللهاث وراء الغرب وتقليده تقليداً أعمى. فناصر مفهوم "الحرية" و "الشورى" ضمن ما هو واضح في الإسلام. ودافع عن "المشروطية" المحددة بحدود الشرع، فسعى في تأييدها بالحرية الشرعية والشورى ضمن نطاق أحكام القرآن، أملا أن تدفعا تلك المصيبة.53 فكتب مقالات عديدة في الصحف المحلية آنذاك، وألقى كثيراً من الخطب.54
وكان شعاره "قيّدوا الحرية بآداب الشرع لأنّ عوام الناس والجاهلين يصبحون سفهاء وعصاة وقطاع طرق، فلا يطيعون بعد أن ظلوا"،55 وكان يقول أيضا: "ولتدم الحرية النيّرة المسترشدة بتربية حقيقة الشريعة".56
تعد مراعاة التكاليف الشرعية ميسرة لتمكين الحرية الشرعية التي هي حقيقة اجتماعية قد انتصبت على ذرى المستقبل شامخة شموخ الجبال العظام، هذه الحرية المستندة إلى الشريعة تحذركم من الانصياع إلى النفس الأمارة بالسوء ومن التجاوز على الآخرين. وإنها لتهتف بكم وبأمثالكم من الغافلين المتفرقين في أودية الماضي السحيقة: اهجموا على الجهل والفقر بالعلم والصنعة.57
فإذا ما نمت الاستعدادات المغروزة في الإنسانية بغيث الحرية الأصلية الأصيلة، فإنها تتحول إلى شجرة طوبى من الأفكار النيرة وتمتد أغصانها إلى كل جهة. وسيجعل الشرق مشرقاً للغرب.58
لقد كانت الحرية الشرعية مرشدة البشرية إلى سبل التسابق والمنافسة الحقّة نحو المعالي والمقاصد السامية، والتي تمزق أنواع الاستبداد وتشتتها، والتي تهيّج المشاعر الرفيعة لدى الإنسان، تلك المشاعر المجهّزة بأنماط من الأحاسيس كالمنافسة والغبطة والتيقظ التام والميل إلى التجدد والنزوع إلى التحضر. فالحرية الشرعية تعني التحلي بأسمى ما يليق بالإنسانية من درجات الكمال والتشوق والتطلع إليها.
إنها تقتضي "الشهامة الإيمانية" المجهّزة بالشفقة والرأفة، فلا يرضى المؤمن الذلّ لنفسه أمام الظالمين، ولا يحدث نفسه باللحاق بالمظلومين. وبعبارة أخرى: عدم مداهنة المستبدّين وعدم التحكم بالمساكين أو التكبّر عليهم، وهذا أساس مهم من أسس الحرية الشرعية59 المحررة بهذه الصفة من الاختطافات البشري.
قال الأستاذ النورسي "إن الدرس الذي تعلمته من الشورى الشرعية هو: أنّ سيّئة امرئ ٍ واحدٍ في هذا الزمان، لا تبقى على حالها سيئة واحدة، وإنما قد تكبر وتسري حتى تصبح مائة سيئة. كما أن حسنة واحدة أيضا لا تبقى على حالها حسنة واحدة بل قد تتضاعف إلى الآلاف. وحكمة هذا وسره هو: أن الحرية الشرعية والشورى المشروعة قد أظهرتا سيادة أمتنا الحقيقية. إذ أن حجر الأساس في بناء أمتنا وقوام روحها إنما هو الإسلام".60
وبهذا تظهر أهمية الإيمان للحرية، "فجني فوائد الحرية الحقة والاستفادة منها استفادة كاملة منوط بالاستمداد من الإيمان؛ ذلك لأن من أراد العبودية الخالصة لرب العالمين لا ينبغي له أنْ يذلّ نفسه فيكون عبداً للعبيد. وحيث إنّ كلّ إنسان راعٍ في مُلكه وعالَمه فهو مكلّف بالجهاد الأكبر في عالمه الأصغر ومأمور بالتخلق بأخلاق النـبي صلى الله عليه وسلم وإحياء سنته الشريفة."61
3/2/3 ملاحظات واستنتاجات:
1/3/2/3 الحرية تثمّن بالتربية الإسلامية:
تتحول الحرية بفعل تركها للتربية الإسلامية إلى استبداد قاهر تكون الغلبة فيه لأهل السطوة (السياسية، والمالية، و...) "لأنها إن لم تنضبط بالشريعة فإن ما أطلقتموه من استبداد ضعيف جزئي اضطر إليه شخص، يصبح استبدادا عظيما يوزع على الناس كافة. ويغدو كل شخص مستبداً بذاته، فيتولد عندئذٍ استبداد مطلق، وينقلب الاستبداد الواحد إلى الألوف، بمعنى أن الحرية ستموت ويولد استبداد مطلق."62 لهذا كان العامل الإيماني محررا للحرية، وكانت الحرية غير المنضبطة بالشريعة خطرا على الحرية نفسها، إذ ستلد نقيضها حال تفريطها في الانضباط بالأحكام الشرعية.
قال النورسي: إن لم تربّ الحرية بالتربية الإسلامية فستموت، ويولد مكانها الاستبداد المطلق.63
2/3/2/3 الحرية الشرعية مواجهة للاستبداد:
يسوّق كثير من الباحثين الأوربيون مقولة أن الشريعة هي التي تمدّ الاستبداد بالقوة وتعينه. بسبب جهلنا وتعصبنا المتفشـيين فينا، وقد كذّب علماؤنا ظنهم فقد رحّبوا بدسترة الحياة السياسية في ضوء الشريعة، ولهذا طالبوا بفهم القوانين الأساسية في ضوء المشروعية وتلقيها على أساسها، فقالوا: "قيّدوا الحرية بآداب الشرع لأن عوام الناس والجاهليـن يصبحون سفهاء وعصاه وقطاع طرق، فلا يطيعون بعد أن ظلوا أحراراً سائبين بلا قيد وشرط... والحرية هي العلاج الوحيد لإنقاذ ثلاثمائة مليوناً من المسلمين من الأسر. فحتى لو تضرر هنا -بفرض محال- عشـرون مليوناً من الناس في أثناء إرساء الحرية، فليكن ذلك فداءً، إذ نأخذ ثلاثمائة بدفع عشرين."64
3/3/2/3 الحرية الشرعية سبب في الاتحاد:
تحقق الحرية الشرعية امتزاج أفراد المجتمع امتزاج جزيئات الماء بحيث يكون فقد الجزء فقدا لهوية الكل، ذلك أنّها تؤسس لجعل خدمة الإنسان لنفسه عين خدمة المجتمع والأمة، كما ترفع درجات الإنسان في الآخرة بقدر ما يبذله لصالح المجتمع، يشهد لهذه المعاني كثير من نصوص الكتاب والسنة، فتكون التوجيهات والأوامر الإلهية باعثة على ترابط مكوّنات المجتمعات، فتمتزج العناصر والقوميات بالإسلام الذي يفعل فعل التيار الكهربائي فيهم. والتي منها سيأتي بإذن الله مزاج العدالة المنصفة المتـولدة من حرارة نور المعارف الإسلامية، لهذا يكرر النورسي قوله المشهور: لتدم الحرية النيّرة المسترشدة بتربية حقيقة الشريعة، وقال مخاطبا الحرية: أيتها الحرية الشرعية: إن هذا الاتحاد، اتحاد القلوب والمحبة الموجهة للأمة كافة، وهي معدن السعادة والحرية، قد أنعمها المولى الكريم علينا مجاناً، بينما الأمم الأخرى قد ظفروا بها بعد دفع الملايين من جواهر النفوس الغالية.65
4/3/2/3 الهوية عامل مهم في غائية الحرية:
ربط الحرية بالشريعة (الحرية الشرعية) دليل بنفسه على الخلفية النظرية والعقدية لفكرة الحرية في رسائل النور، مما يؤكد أن الشريعة هي التي أخرجت الحرية من دائرة العبثية إلى الغائية المحددة في التكاليف الشرعية، بمعنى أنّ الشريعة هي التي حررت الحرية من أن تكون مبعث سفاهة أو سفالة أو صفاقة أو رداءة، وخير دليل على ذلك أنّ "الحرية والعدالة والمساواة التي كان يرفل بها خير القرون والخلفاء الأربعة، ولاسيما في ذلك الوقت، دليل على أن الشريعة الغراء جامعة لجميع روابط المساواة والعدالة والحرية الحقة. فآثار سيدنا عمر وسيدنا علي رضي الله عنهما وصلاح الدين الأيوبي دليل وأي دليل على هذا الادعاء."66
لا يتوقف تأثير الهوية عند هذا الحد، بل يجاوزه إلى فاعلية الهوية في أصل بقاء الشعور بالحرية وعامل مهم في تنميتها في الحاضر والمستقبل.
5/3/2/3 الهوية عامل مهم في غائية الحرية:
نقل عن الأستاذ النورسي جوابا على من يظن أن اتخاذ اتحاد إسلامي بإتباع السنة النبوية هدفاً له يحدد من الحرية وينافي الأخذ بمتطلبات المدنية.
فقال رحمه الله: المؤمن حرّ في ذاته. فالذي هو عبد للّٰه رب العالمين لا ينبغي له أن يتذلل للناس، بمعنى: كلما رسخ الإيمان قويت الحرية.67
لاحظ جيدا قوله "كلما رسخ الإيمان قويت الحرية"، فهذا دليل بنفسه على أن الإنسان يسعى سعيا مستمرا نحو الإبقاء على نفسه حرا، فهو في صراع دائم مع النفس والشياطين و... لهذا كانت الشريعة وما زالت وستبقى ما بقيت الحياة مصدر تحرير الحرة من العبثية والبهيمية والتمويه المتلبّس بالفكر والفلسفة.
رابعا: مميزات الحرية الشرعية:
تمتاز الحرية المنبثقة من رحم الشريعة بتجاوبها الكلي مع مكوّنات الإنسان وملكاته وحاجاته في الوقت نفسه، فهي فردية باعثة على تحرير المجموع، وفي قيمة تدفع لملء الكون بالقيم والخير، ولو حاولنا سرد جملة أبعادها، لما وسعنا المقال، سنكتفي بالإشارة العابرة لما يخدم بيان تحرير الشريعة للحرية.
1/4 قيمة فردية ورسالة اجتماعية
لعل من أهم مميزات الحرية الشرعية أنها قيمة ذاتية فردية شخصية، بحيث يجد المؤمن حرارتها في نفسه، نظرا لما لها من وقع على تحرير حريته من كلّ ما من شأنه منع ترقي الإنسان نحو الأفق الإنساني، لهذا يجد الإنسان المحرر الحرية بالشريعة نفسه مضطرا إلى استصحابها في كل الوقت وفي جميع الأحوال، نظرا لما يطرأ عليه من رعونات ومرغبات وملذات وغيرها من الوسائل المساهمة في أسره.
إن استصحاب الحرية كقيمة فردية يعد بمثابة قوة دفع داخلي تدفع المؤمن إلى الحضور الدائم في ضيافة مائدة التكاليف الشرعية، ولا يمكنه الحضور دوما إلا إذا أحس المؤمن أنه حرّ في ذاته. فالذي هو عبد للّٰه رب العالمين لا ينبغي له أن يتذلل للناس، بمعنى: كلما رسخ الإيمان قويت الحرية،68 أي أنّ الحرية تتحرر باستمرار بالشريعة من أسر المنفعة الشخصية وتربط بين الإيمان وخدمة المجموع ربطا وجوديا، فبقدر فعالية الإيمان في النفس تكون الجماعية والاجتماعية متجلية في شعاب الحياة واهتماما بالنجاة في الآخرة، لهذا فإنّ الحرية المؤسسة على الشريعة تمزج بين أتباعها امتزاج جزيئات الماء، بحيث تصبح تلك العناصر كالعنصر الواحد غير القابل للتجزيء وذلك بفعل الإسلام الذي يفعل فعل التيار الكهربائي فيهم، ليس هذا فحسب بل وسيأتي تولد الحرية الشرعية العدالة المنصفة المتـولدة من حرارة نور المعارف الإسلامية، التي هي معدن السعادة.69
2/4 إطار تكاملي:
تجمع الحرية المنبثقة من رحم الشريعة بين متطلبات القيمة الذاتية للحرية ووظيفتها الاجتماعية في شكل تكاملي، يجعل من البعد الوظيفي في نفس الفرد ببعديها الشخصي والاجتماعي والمجتمع والدولة والأمة والإنسانية أهدافا أساسية من التكاليف الشرعية بجميع أصنافها، لهذا كان "جني فوائد الحرية الحقة والاستفادة منها استفادة كاملة منوط بالاستمداد من الإيمان"70 الذي تتجلى صحة الانتساب إليه في كلّ مجالات الحياة الفردية والجماعية المعنوية والمادية؛ وهي علامة العبودية الخالصة لرب العالمين، وهي أساس قبول التذلل لغير الله والامتناع من إذلال الغير طلبا لمرضاة الله، تلك هي الشهادة الواقعية على التخلق بأخلاق النـبي صلى الله عليه وسلم وإحياء سنته الشريفة.
3/4 الحرية الشرعية برنامج تنموي حركي:
لا يمكن للمسلم المحافظة على حريته بالسعي المستمر الدائم -الذي يستغرق الأنفاس- إلى تحريرها بالتوجيهات الإلهية فهو في مكابدة شاقة ممتعة لأجل الحفاظ على حريته محررة من كلّ معاني العبث، لهذا فهو في صراع دائم من أجل الحفاظ على حريته، وما تكاليف الشريعة إلا توجيهات من أجل الحفاظ على الحرية الحقة، والدليل على ذلك أن الغفلة عن تكاليف الشريعة موقع في أسر المطاع الذي بسببه عصي الخالق سبحانه وتعالى، لهذا كانت " 'الحرية الشرعية' مرشدة للبشرية إلى سبل التسابق والمنافسة الحقّة نحو المعالي والمقاصد السامية التي لا يبلغها الإنسان بغير السعي المستمر نحو تحرير حريته والحفاظ عليها، هذه هي الحرية التي بمقدورها تمزيق كلّ أنواع الاستبداد وتشتتها، وبذلك تهيّج المشاعر الرفيعة لدى الإنسان، تلك المشاعر المجهّزة بأنماط من الأحاسيس كالمنافسة والغبطة والتيقظ التام والميل إلى التجدد والنزوع إلى التحضر. فهذه القوة: 'الحرية الشرعية' تعني التحلي بأسمى ما يليق بالإنسانية من درجات الكمال والتشوق والتطلع إليها." وبهذا تمنح الحرية قوة دفع داخلية تجعل المسلم في تسابق دائم يسبغ أفعاله بالحركية الدائمة بفضل الإيمان.
قال النورسي: "الشهامة الإيمانية المجهّزة بالشفقة والرأفة. أي: أنْ لا يرضى الذلّ لنفسه أمام الظالمين، ولا يلحقه بالمظلومين. وبعبارة أخرى: عدم مداهنة المستبدّين وعدم التحكم بالمساكين أو التكبّر عليهم، وهذا أساس مهم من أسس الحرية الشرعية."71
4/4 الحرية الشرعية تنموية
تقتضي الحركية العمل على تنمية القدرات النفسية والمعنوية من أجل المحافظة على الاستمرارية في التحرر بتجهيز النفس بكل وسائل المحافظة على الحرية وتنميتها، وكأنّك في حذر كبير من أجل المحافظة على حريتك، فالإنسان في رحلة مستمرة كلمة السر فيها الحذر من تضييع حريتك، اسع إلى تحريرها بحسب أنفاسك لا بقدر أوقاتك فحسب، ذلك أن الحرية الشرعية التي هي حقيقة اجتماعية قد انتصبت على ذرى المستقبل شامخة شموخ الجبال، هذه الحرية المستندة إلى الشريعة تحذركم من الانصياع إلى النفس الأمارة بالسوء ومن التجاوز على الآخرين. وأنها لتهتف بكم وبأمثالكم من الغافلين المتفرقين في أودية الماضي السحيقة: اهجموا على الجهل والفقر بالعلم والصنعة.72 هذه هي الحرية المحررة من كلّ ما تشبّه بها بقصد الإجهاز عليها، هذه التي تمثّل العنوان الأكبر للإنسانية ومبعث سعادتها في الدنيا والآخرة.
الخاتمة
بيّن مما سلف بيانه أنّ الحرية في السياقات الراهنة في خطر عظيم يتهددها، في ظل تسويق شبيهاتها بعنوانها، خاصة في ظل ظروف دولية تحسن التسويق الجواهر المزيّفة بعنوان الجواهر الأصلية، لهذا فالأحرار مدعوون إلى تحرير الحرية من العبثية، لأنّ الحرية الشرعية مركز الهوية الإسلامية وصنو الكرامة الإنسانية، فضلا عن ذلك فإنّ للهوية الإسلامية أهمية عظيمة في العمل على التحرير المستمر للحرية وإيجاد دوافع استثمارها بمفهومها البشري في الرحلة الانتقالية نحو الحرية المحررة، وقد تحقق تلك الحرية النسبية المنبثقة عن الجهود البشرية مجموعة من الإيجابيات، لعلّ أهمها، المرافعة عن الفكرة والفكرة المقابلة، والمدافعة عن الوطن والعلماء الأحرار، واستغلال الفرصة للتبليغ، وبالرغم من تلك الإيجابيات فإنها لم تسلم من مجموعة من العيوب، جعلتها متميّزة بالتبعية للغالب مما يجعلها نسبية، فترى أنها تشجع الرذيلة وتضيّق على الفضيلة، وتكرّس الاستبداد السياسي باسم الحريات، وقد تجسّدت في هذه التصرفات تناقض مواقف دعاتها، بتركيزهم على الجانب السلبي من الحرية.
و لتجاوز الخلل في الحرية في نسختها البشرية المعدّلة بسبب الرغبة في الغلبة والاستئثار بخيرات العالم، تقدّم رسائل النور للأستاذ النورسي مشروع أنسنة (جعلها إنسانية) الحرية بربطها بالأفق الإنساني نظرا وتدبيرا وخدمة، فتكون بذلك سدا منيعا دون الاستبداد بكل أشكاله "الحضاري، والسياسي، والفكري، والثقافي، والعرقي،..." موافقة للاستعدادات والقابليات، وبذلك ستحقق اتحاد القلوب، وتبعث الروح في حياتنا لموافقتها الوجدان، وبهذا توجد في روادها السعي الدائم إلى تحرير الآخرين مرضاة للّٰه تعالى، وتكسبهم القدرة على الإنكار ومناهضة الجهل والعناد والانتقام، وتبعث فيم تشجيع الشرفاء والمساهمة ببعث العناصر النفسية في القدرة على التحمّل، وبذلك ترشّد الأغراض الشخصية، وهل من عنوان لهذا المسعى غير تحرير الحرية؟
ولكن ما السبيل إلى أنسنة الحرية البشرية، يرى النورسي أنها لا تكون كذلك إلا إذا ارتبطت بالشريعة، إلا إذا أصبحت الحرية من خاصية الإيمان، لأن الحرية إنما تثمّن بالتربية الإسلامية، وبذلك تحقق مواجهة الاستبداد بالاتحاد، لهذا كانت الهوية الإسلامية عاملا مهما في غائية الحرية وباعثا أساسيا على جعل المحافظة على الحرية بتحريرها الدائم من موانعها برنامجا يستغرق الأنفاس.
تتميّز الحرية المنبثقة من الشريعة الإسلامية بوضع وسائل تجددها فيها، فيكون مشروع تحريرها منبثقا منها لا من خارجها، لما تختص به من قيمة ذاتية تبعث في الفرد اليقظة الإيمانية المستمرة، وهي الوقت نفسه رسالة اجتماعية في إطار متكامل بين رغبة الفرد وضرورات المجتمع، فقد جعل الشارع كسب الرتب العالية عند الله بقدر ما يحقق المسلم من أبعاد وظيفية في عبادته التي هي عنوان حريته، لهذا اتسمت هذه الحرية بالحركية لأنّها تدفع إلى التحرر المستمر بها وفيها، لهذا كانت مبعث السعي الدائم لتنمية القدرات الشخصية والاجتماعية، كل ذلك بسبب ما كسبته الحرية من قوة دفع داخلية جراء تأسيسها على الهوية الإسلامية التي تجعل المسلم مسكونا بالتحرر حتى في الحرية نفسها.
* * *
الهوامش:
1 جامعة الجزائر1 بن يوسف بن خده، كلية العلوم الإسلامية.
2 راجع حوار الحضارات ومؤهلات الإسلام في التأسيس للتواصل الإنساني، عمار جيدل، دار الحامد عمان، الطبعة الأولى 2003.
3 غ (الغالب)، د (الدولي)، و (الوقتي)، و (الراهن)، عمار جيدل، المرجع نفسه.
4 النورسي، بديع الزمان سعيد، صيقل الإسلام أو آثار سعيد القديم467، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، ط. 2002م، الثالثة، القاهرة، دار سوزلر للنشر.
5 النورسي، بديع الزمان سعيد، سيرة ذاتية 75، ترجمة وإعداد إحسان قاسم الصالحي، ط.2002م، الثالثة، القاهرة، دار سوزلر للنشر. صيقل الإسلام 394.
6 النورسي، بديع الزمان سعيد، اللمعات399، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، ط2002م، الثانية، القاهرة، دار سوزلر للنشر.
7 النورسي، بديع الزمان سعيد، الشعاعات332، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، ط2002م، الثانية، القاهرة، دار سوزلر للنشر.
8انظر سيرة ذاتية ص 405.
9 صيقل الإسلام 461.
10 صيقل الإسلام 369.
11 سيرة ذاتية 82.
12 صيقل الإسلام 456.
13 صيقل الإسلام 459، 462.
14 سيرة ذاتية 85.
15 سيرة ذاتية 98.
16 صيقل الإسلام 535.
17 صيقل الإسلام 466.
18 صيقل الإسلام 466.
19 صيقل الإسلام 466.
20 صيقل الإسلام 466.
21] سيرة ذاتية 340، 388.
22 سيرة ذاتية 403،446.
23 صيقل الإسلام 397.
24 مشتقة من العبارة الفرنسية Jeunes Turces أي تركيا الفتاة: يطلق هذا الاسم على الجماعات والأفراد المعارضين للحكم في الدولة العثمانية منذ عهد السلطان عبد العزيز ممن يطالبون بالحرية. وتعدّ جمعية الاتحاد والترقي أقوى هذه الجماعات تأثيراً، إذ استطاعت - بالتعاون مع القوى الخارجية - إزاحة السلطان عبد الحميد من الحكم.( صيقل الإسلام 390).
25 صيقل الإسلام 393.
26 فقد أعلن السلطان عبد الحميد الثاني "المشروطية" في 23/ 7/ 1908م، وهي تعنى تأسيس النظام البرلماني في الدولة العثمانية التي أصبحت بموجبها الوزارة مسؤولة تجاه البرلمان وليس تجاه السلطان، كما أن صلاحية تشريع القوانين غدت من اختصاص البرلمان، وأطلقت على اثرها حرية العمل السياسي وحرية الصحافة وغيرها..
27 صيقل الإسلام 389.
28 صيقل الإسلام 147.
29 صيقل الإسلام 398.
30 النورسي، بديع الزمان سعيد، إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز169، تحقيق إحسان قاسم الصالحي، ط. 1999م، الثالثة، إسطنبول، شركة سوزلر للنشر.
31 النورسي، بديع الزمان سعيد، الملاحق في فقه دعوة النور 233. ترجمة إحسان قاسم الصالحي، ط. 1999م، الثالثة، إسطنبول، شركة سوزلر للنشر.
32 أخرجه البخارى (3/412) ومسلم (4/128) والنسائى (1/312 ـ 313) والترمذى(1/201).
33 صيقل الإسلام 398.
34 صيقل الإسلام 406.
35 صيقل الإسلام 392.
36 سيرة ذاتية 111.
37 صيقل الإسلام 394.
38 صيقل الإسلام 467.
39 صيقل الإسلام 469.
40 صيقل الإسلام 469.
41 صيقل الإسلام 470.
42 سيرة ذاتية 99.
43 صيقل الإسلام 414.
44 سيرة ذاتية 102.
45 سيرة ذاتية 105.
46 صيقل الإسلام 397.
47 صيقل الإسلام 394.
48 صيقل الإسلام 394.
49 صيقل الإسلام 395.
50 صيقل الإسلام 393-بتصرف-.
51 صيقل الإسلام 514.
52 صيقل الإسلام 92.
53 صيقل الإسلام 382.
54 صيقل الإسلام 377.
55 صيقل الإسلام 443.
56 صيقل الإسلام 462.
57 صيقل الإسلام 463.
58 صيقل الإسلام 470.
59 صيقل الإسلام 500.
60 صيقل الإسلام 510.
61 صيقل الإسلام 531.
62 سيرة ذاتية 78.
63 سيرة ذاتية 79.
64 سيرة ذاتية 83.
65 سيرة ذاتية 74-75.
66 سيرة ذاتية 86.
67 سيرة ذاتية 98.
68 سيرة ذاتية 98.
69 سيرة ذاتية 74-75.
70 صيقل الإسلام 531.
71 صيقل الإسلام 500.
72 راجع صيقل الإسلام 463.