كلمة العدد الرابع


كلمة العدد الرابع



أ.د. عمار جيدل


بسم الله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى.


تطل عليكم مجلتكم “النور للدراسات الفكرية والحضارية” في عددها الرابع، وكلّها أمل أن تكون في مستوى تطلعات المهتمين بالدراسات الحضارية، وأن يكون جهدها عملا علميا نوعيا، تثري به الاهتمامات الأكاديمية الممنهجة في إطار رؤية حضارية رسالية، تقصد البيان الشمولي، الذي تحكمه الرغبة في التكامل مع العمل العلمي النوعي الرسالي من أي وعاء صدر.


ظهر العدد الرابع بفضل الله من رحم العناية التي أولاها المهتمون بالمجلة من الأكاديميين المهتمين بالكتابة باللسان العربي، فكان العدد غنيا بالمقالات النوعية التي غمرنا بها الباحثون الكرام، وقد وصلتنا بقصد النشر دراسات كثيرة، نشرت المجلة منها ما وافق عليه القائمون عليها، واعتذرت عن نشر أخرى بناء على الرؤية العامة للمجلة، والمجلة إذ تعتذر من الباحثين الذين لم تنشر مقالاتهم، تنتظر من الباحثين دراسات أكثر رصانة وضبطا، أمل القائمين على المجلة كبير في استمرار الجميع بالتواصل العلمي المؤسس للرؤية الرسالية الحضارية.


تضمن العدد الرابع، وفق نسق الأعداد السابقة، قسما خاصا بالدراسات، استهل بكلمة من نوادر البحوث ألقيت في المؤتمرات الدولية حول رسائل النور، فاخترنا في هذا السياق نشر الكلمة التي ألقاها الأستاذ رجب طيّب أردوغان بمناسبة افتتاح المؤتمر العالمي الدولي، فقد ألقى في ذلك اللقاء العلمي كلمة بصفته رئيس بلدية إستانبول (1995) كلمة عنوانها “سعيد النورسي خزانة تنتظر الاكتشاف”، وقد أبان في كلمته عن الرغبة في التنبيه إلى استئناف الجهد العلمي المميّز لعلماء الأمة، بيّن الأستاذ أنّ رسائل النور موضوع بحث ثرّ وغني بالدروس المفيدة في الحاضر والمستقبل، وقبل ذلك فهم الماضي، واكتشاف المبادئ والقيم الفعّالة في الإصلاح وفق ذاتية الأمة.


واشتمل قسم الدراسات على دراسة أ.د. محمد خليل جيجك القلم الرسالي التركي الأكاديمي، وقد شارك في العدد بدراسته الموسومة بـ “ملامح تجدد خطاب النورسي في مواجهة تحديات العصر”، اشتملت الدراسة على وقفات علمية رصينه عند ملامح تجدد الخطاب، تجلت تلك الملامح في عقلنة الدعوة والأساليب، وأنسنة الأداء والإفادة: لتحبيب الأحكام والعبادات الإسلامية إلى القلوب ببيان ما تحتوي عليه من الفوائد والحكم، واستفزاز العواطف النفسية، في أسلوب حضاري في البيان، وتطلّب هذا المسعى الرد والإجابة على الخطاب النقدي، وكان الأستاذ مؤثرا للبيان الاستيعابي، والبلاغ العملي والتطبيقي، كلّ ذلك مع سعي كبير لأجل تنظيف العقلية الإسلامية من أوضار التاريخ والخزعبلات والانحرافات، وخَلُصَت الدراسة إلى وضع المسلم في العصر الحديث أمام أنموذج لصورة متكاملة لمسالك التبليغ في العصر الحاضر.


استضاف العدد باحثا إيرانيا من جامعة شيراز، وهو د. إسحاق رحماني، وقد شاركنا ببحثه “دراسة عن أسلوب الحوار في القرآن الكريم”، مؤسسا بحثه على مصادر الوحي من الكتاب والسنة، وخَلُص الباحث إلى القول بأنّ الحوار القرآني مع أصحاب الملل المختلفة يدفع كل مسلم صادق في إيمانه إلى أن يسلك سبيل القرآن في الدعوة بكل الوسائل الخطابية والجدلية والبرهانية، وبيّن الباحث أنّ الإسلام دين الحوار ولكنه الحوار المتكافئ القائم على إرادة الفهم، وإرادة العلم، وإرادة التعايش بعيداً عن مختلف الإكراهات السياسية والاجتماعية والنفسية والفكرية، كما أنّ حوارات القرآن الكريم كلها دروس وعبر لمن ألقى السمع وهو شهيد، أدرجنا في القسم بحث أ.د. تسفيتان ثيوفانوف من جامعة صوفيا ببلغاريا، وكانت دراسته بعنوان: “مبادئ الإنسانية وتحديات العصر في نظرية سعيد النورسي”، خلص فيه إلى أنّ رسائل النور تضمنت أفكارا تتعلق بالإنسان والإنسانية، منها تميّز الإنسان بخاصِّيتين، أولاهما الأنانية المحصورة في الحياة الدنيا، وثانيتهما العبودية الممتدة إلى الحياة الأبدية، فتمثّل الأولى جهة التخريب والعدم والشر والسلبية والانفعال، وتمثّل الثانية جهة الإيجاد والوجود والخير والإيجابية والفعل؛ وتتلخّص وظيفة الإنسان الحقة في العبودية لله واجتناب الكبائر، والعبادة تَصْرف وجه الإنسان من الفناء إلى البقاء، لهذا انتهى الباحث إلى تبني قول النورسي: “إن الإنسان يسمو بنور الإيمان إلى أعلى عِلِّيِّين فيكتسب بذلك قيمة تجعله لائقا بالجنة، بينما يتردى بظلمة الكفر إلى أسفل السافلين فيكون في وضع يؤهله لنار جهنم، ذلك لأن الإيمان يربط الإنسان بصانعه الجليل.”


أما الملف فيمثل استئنافا لموضوع العدد السابق، فجعلت التربية في رسائل النور موضوعا له، وأدرجنا دراسات متنوعة فيه، فكان البحث الأول “تربية النفوس عند بديع الزمان النورسي” للأستاذ الدكتور محمد عبد النبي من جامعة الجزائر (بن يوسف بن خدة)، ثم تلته دراسة “المقاصد العملية للتربية السلوكية عند بديع الزمان النورسي” للأستاذ الدكتور عبد الكريم عكيوي من جامعة ابن الزهر بأكادير في المغرب، أما الدراسة الثالثة فكان عنوانها “منهج التربية عند النورسي” للدكتور محمد قنديل، وفي السياق نفسه كتب الأستاذ أديب إبراهيم الدبّاغ من العراق بحثه الموسوم بـ “من ملامح التربية السلوكية عند النورسي”، وختم الملف بما كتبه أ.د. خالد الصمدي من المغرب، ببحثه المعنون بـ “الحكمة وفصل الخطاب في منهج التربية عند النورسي”.


رأت المجلة في قسم الإصدارات في هذا العدد إدراج أبرز الدراسات الاصطلاحية التي قدّمت خدمة لبعض مصطلحات رسائل النور، ولعلّ مما يرفع أسهم هذا المصنف، هو إنجازه من قبل أبرز العلماء الذي تخصصوا في الدراسات المصطلحية، فكانت الدراسات المصطلحية بالنسبة للمصنف “أ.د. فريد الأنصاري” (رحمه الله) تخصصا ومشروعا أساسيا للدخول إلى رحاب العلم، فكان الكتاب “مفاتح النور” مدخلا منهجيا وعلميا ممتازا لأجل تيسير الولوج إلى رحاب رسائل النور، ركّز المصنّف على بعض العيّنات من المصطلحات الدالة على الحسّ الاصطلاحي والمفهومي والمفاهيمي عند الأستاذ النورسي، اشتغل المصنّف بعد التمهيد التاريخي على مصطلحات التوحيد، والإنسان، والكون، والقرآن، والانتساب الإيماني، والأخلاق، ويعد المصنف دراسات تطبيقية علمية رصينة لمناهج الدراسات المصطلحية على نص رسائل النور، ينتظر أن تستكمل الأشواط اللاحقة من خلال الأنموذج التطبيقي المشار إليه.


استضافة المجلة في الحوار الأستاذ عبد الله يكن أحد أبرز طلبة الأستاذ النورسي، وأملت استضافتَه الحاجةُ إلى التعرّف على التاريخ الحركي من خلال الشخصيات التي استعملها الله في إحداث الحركة بالفكر، ولعلّ من أهم النماذج التي تجسّدت فيها الحركية الفكرية الواعية مشروع الأستاذ بديع الزمان، ويزيد من قيمة الشهادة أن يكون الشاهد مِنْ مَنْ عايش فترة السعي إلى اجتثاث الإيمان من القلوب، فكان الحوار معه حوارا مع مكابدة السعي الدءوب إلى حماية مكاسب التديّن والتمكين له إثباتا “بإقامة حججه والمحاجة عنه” وتثبيتا “بحمايته من الاندثار” في ظل الرغبة الجامحة في استئصاله.


يعد الحوار مع الأستاذ عبد الله يكن حوارا مع شاهد على مختلف المراحل التي عرفتها رسائل النور نصا ومزاولة، ومن هذا الباب فإنّ الحوار وثيقة تاريخية بامتياز بحاجة إلى تحليل لأجل الاستفادة منها، للتعرف على النورسي الإنسان “اجتماعيا، وتربويا، وسياسيا...”، والنورسي الأستاذ “طريقته في التربية والتعليم، وطريقته في النصيحة، وطريقته التعامل مع من عاداه...”، والنورسي الباحث، والنورسي المُنَظر المُصْلِح، وكل ما سبقت الإشارة إليه مساهمة نوعية في كتابة تاريخ فكرة إصلاحية وأهم رجالها، ومناحي الاستفادة منها.


توقفنا مليا في هذا العدد عند بعض النشاطات العلمية الأكاديمية، فعرضنا تفاصيل ما دار من نشاطات علمية في الأيام الأخيرة، وخاصة الندوة الثالثة للباحثين الأكاديميين الشباب، الدورة التي نظّمتها مؤسسة الثقافة والعلوم، والتي استضافت فيها جملة من المؤطرين الجامعيين من الشرق والغرب، كما استضافت لأجل الغرض نفسه طلبة باحثين من الغرب والشرق، ميزتهم العامة الكتابة عن رسائل النور، ورغبتهم في إنجاز بحوث علمية رصينة.


 

أرشيف Takdim

4 - أسس التربية في رسائل النور
. كلمة العدد الرابع
3 - أسس التربية في رسائل النور
. كلمة العدد الثالث
2 - التعليم في رسائل النور
. كلمة العدد الثاني
1 - المنهجية في رسائل النور
. كلمة العدد الأول

النور للدراسات الحضارية والفكرية
 المركز الرئيسي:  

Kalendarhane Mah. Delikanli Sk. No: 6
Vefa 34134 Fatih - Istanbul / TURKIYE
 Phone: +90 212 527 81 81 - Fax: +90 212 527 80 80