قراءة في كتاب


الإصدارات



قراءة في كتاب:


عنوان الكتاب: مفاتح النور.


تأليف: الأستاذ الدكتور فريد الأنصاري (رحمه الله).


عدد الصفحات: 384.


سنة النشر: ‌2004.


دار النشر: نسل، إستانبول، تركيا.


نشر الكتاب بالتعاون بين معهد الدراسات المصطلحية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراس/فاس، المغرب، ومركز النور للدراسات والبحوث بإستانبول، تركيا.


الكتاب دراسة لرسائل النور في صورة مصطلحية، القصد منه، وفق ما صرح به المصنف، إخراج معجم للمصطلحات المفتاحية الواردة في رسائل النور.


اعتنى المصنف ببيان أهمية الدراسات المصطلحية، فأكّد هذه المعاني في التمهيد، بقوله:”إن المصطلح -من حيث هو مفهوم واقع في الوجود ابتداءً- يمثّل الحقيقة الوجودية للعلم، أيّ علم! فهو إذن؛ الجوهر من سائر المعارف الكونية. وما القضايا العلمية الحاصلة بعد - البناء عليه- إلاّ أعراض قائمة به. تماما كقيام الألوان بالأجسام، لولا هذه ما حصل إدراك تلك”.


ثم يستطرد مؤكدا، فقال: “والمصطلح إنّما هو في نهاية المطاف تسمية عَلَمِيَّةٌ على مسماها من المفاهيم العلمية. فهو إذن؛ اسم عَلَمٌ على بنات العلم” (ص 13).


لاحظ الأستاذ فريد حين قراءته لرسائل النور، أنّها تكتنز قاموسا مصطلحيا خاصا، يتعلّق بعالم جديد كل الجدّة، اشتمل على ثروة مصطلحية نادرة، وكنز مفهومي ثمين، يشعر الدارس أنّ وراءه عبقرية ذات حس مصطلحي دقيق (راجع ص 18).


تجلت عبقرية الأستاذ في لغته الاصطلاحية الخاصة، فجمعت مصطلحاته بين دقة العلم ولطافة الذوق، يبني عليها البرهان، ويرص بها الحجاج، فإذا مَحَصْتَها وجدتها كالضوء، أو كالهواء، أو كالماء، إذا أنت فركتها سالت، أو تبخرت، أو طارت بعيدا في الفضاء، وهذا مكمن صعوبة إخضاعها لمناهج الدراسة المصطلحية (راجع ص20).


عرض الكتاب في مقدمة وتمهيد ضمّنه ذكر التحولات الكبرى التي عرفتها (1922– 1940)، أردفها ببيان أهم الأحداث في حياة الأستاذ بديع الزمان النورسي، انتقل بعدها إلى فصول الكتاب في الستة، أفرد لكل فصل مصطلحا، فعرضت المصطلحات وفق الترتيب الآتي: التوحيد، والإنسان، والكون، والقرآن، والانتساب الإيماني، والأخلاق.


تضمّن الفصل الأول بيان مراتب التوحيد ومفاهيمه الجزئية والكلية، تجلت فيه قدرة الأستاذ على الإحاطة بدقائق المفسرين، وحجج المتكلمين، وتأملات وبراهين الفلاسفة، وأذواق ومواجيد الصوفية، في صيغة استثمارية رائعة، ثمّنت إيجابياتها المتوافقة مع روح القرآن الكريم، وابتعدت عن الوقوع في أسر التأملات التجريدية للفلاسفة أو شطحات الصوفية أو تقعير المتكلمين، أو إسرائيليات المفسرين، فسلك بذلك مسلك معراج القرآن الكريم، الجامع بين الدقة والبساطة، وبين العمق والصفاء.


أظهر الأستاذ النورسي عبقرية في التحوّط الاصطلاحي، سعيا منه إلى منع تسرّب المفاهيم غير المأمونة الدلالة والمآل إلى رحاب رسائل النور، فكان الأستاذ بديع الزمان كما قال الأستاذ فريد الأنصاري: “يصفي فكره من خلال العمل على تصفية مفاهيمه” (ص86)، وقد استغرق الفصل الأول من ص 41 إلى ص 86.


أما الفصل الثاني المخصص لمصطلح الإنسان، فقد بيّن فيه أنّ المعبر الأساس لفهم الذات، هو الهوية الكونية للإنسان، التي بفهمها يفهم وظائفها الوجودية، انطلاقا من أكبر الكليات، حتى أصغر الجزئيات، وأكّد أن مصدر هذه الرؤية المتكاملة هو القرآن الكريم، ذلك أنّ كونية الإنسان مستمدة من كونية القرآن الكريم، لهذا لا يتأتى النظر الكوني إلى الماهيات إلاّ بالقرآن الكريم، وطريقه الرئيس التجربة الوجدانية المتدبّرة في القرآن الكريم، وهو المسلك الذي نذر الأستاذ النورسي الذي تجلى في تجربة الأستاذ فريد في أواخر أيامه رحمه الله، واستغرق الفصل من ص 89 إلى ص 149.


تضمن الفصل الثالث عرض مصطلح الكون، وبعد جولات مستفيضة في رحاب ما يخدم الموضوع، خلص إلى أنّ القرآن الكريم تفسير للكون والحياة، تجلت له هذه المعاني في جمعه بين قراءة القرآن المتلو، وقراءة القرآن المنظور، فنسج بينهما وفق نسق عجيب، يسّر له الخلوص إلى القول بأنّ القرآن الكريم أعظم تفسير للكون، فأدرك بتبني هذا المسلك العلاقة بين كلام الله جلّ وعلا وبين ملكوته، فكان الكون بالنسبة للرؤية النورسية مهيّأ لعبادة الله تعالى والتَعَبُّد فيه، وشغل هذا الفصل من ص 151 إلى ص 207.


عرض في الفصل الرابع مصطلح القرآن، وقد أكدّ فيه أنّ القرآن الكريم هو جوهر دعوة الأستاذ بديع الزمان النورسي، وفي ظل ظروف قاسية ماديا ومعنويا، وحّد القبلة ورجع إلى القرآن يستمد منه برنامج تربية الأجيال وتكوين الإنسان، وتهيئته للقيام بوظيفة العبادة لله الواحد القهار في كلّ شعاب الحياة، وجميع مجالاتها، وبذلك يظهر أنّ الأستاذ بديع الزمان جعل مصطلح القرآن الكريم المفتاح الأساس لفهم كليات رسائل النور، والعمدة في تفسير الكون والحياة، ومبعث المبادئ الباعثة على الفعالية في حياة الإنسان المسلم. واستغرق الفصل من ص 211 إلى ص 276.


خصص الفصل ما قبل الأخير لمصطلح الانتساب الإيماني، وبيّن فيه أنّ العبدية هي جوهر الانتساب الإيماني، لذلك كان الانتساب انخراطا وجدانيا في سلك العبودية لله تعالى لإيمانا وعملا، بما يحقق معنى الإضافة إلى الله في صفة “عبد الله” (راجع ص 282)، ومدخلها الفقر والعجز وإظهار الحاجة إلى السيد الكريم، وهي رأس وسائل استمداد القوة الخارقة من قوّة خالقه، كما أنّ الانتساب الإيماني مدخل مهم للإحساس بالأخوة الوجودية مع كل الكائنات فيشاركها في العبودية لله تعالى، والانتساب إلى أسماء الله الحسنى، وانتهى الأستاذ بعد هذه الجولات التدبرية إلى القول بأنّ: “العبدية الكونية عند المسلم إذن هي وجوده الحقيقي الذي يعبد الله به، قبل اعتبار وجوده الشخصي الفاني”(ص 304). استغرق الفصل من ص 279 إلى ص 306.


خصص الفصل السادس والأخير لمصطلح الأخلاق، عدّ الأستاذ مفهوم الأخلاق أهم مفتاح مفاتيح فهم نسق رسائل النور، وهو المدخل الرئيس لمقاربة المفهوم الكلي للدين نفسه، لهذا ركّز الأستاذ على تجلية الاكتناز الدلالي مصطلح الأخلاق، والذي يعد في المنظومة النورية، “نظام القرآن الذي يطبع صورة الروح الإنسانية بماهيتها، ويسلك بها مدارج التربية والمجاهدة؛ لاكتساب معناها الكوني.” (ص 318)، انتقل بعدها إلى تجلية ضمائم الأخلاق، فانتهى إلى أن الأخلاق الاجتماعية هي نظام العلاقات الاجتماعية القائم على الصدق، أما الأخلاق الإلهية فهي السجايا، والخصال الحميدة، القائمة على التعبّد، استنادا إلى أسمائه الحسنى وصفاته العلا، عرض بعدها الأخلاق الإنسانية، وخلص إلى أنّها خصال الفطرة الإنسانية للوصول إلى الحق، ساق بعدها الأخلاق الحسنة الدنيوية، والتي تمثّل في المنظومة النورية، نظام العلاقات الاجتماعية القائم على اعتبارات نفعية لادينية، أردفها بعرض الأخلاق الرذيلة أو أخلاق الرذيلة، وقصد بها التصرفات الصادرة عن الوجدان ذي الإحساس الأناني، المتأتية من قاعدة: “إن شبعت، فلا عليّ أن يموت غيري من الجوع، وقاعدة: اكتسب أنتَ، لآكل أنا، واتعب لأستريح أنا” (المثنوي العربي النوري 446).


ومن ضمائمه أيضا الأخلاق العالية، وقصد بها خصال الخير القائمة بالنفس، على صدق خالص، وشرف رفيع، يأبى بطبعه الشر والسفاسف، وقريب منها الأخلاق الفاضلة، التي تمثّل نظام السلوك الإيماني، المبني على الحقائق الإلهية، والدساتير الإسلامية، والأسرار القرآنية، ثم انتقل إلى بيان الأخلاق المحمدية، وتمثّل السجال والخصال النبوية، الموضوعة للاقتداء والتأسي، ويندرج ضمنها أيضا الأخلاق النبوية العالية، الراجعة إلى أعلى مراتب التكريم الرباني، والاصطفاء الإلهي، ومن ضمائمها الأخلاق النبوية السامية، أخلاق الأنبياء عموما من حيث مهمتهم الرسالية، ووظائفهم الاجتماعية.


وحذّر في الوقت نفسه من الأخلاق الوحشية التي مصدرها الجاهلية التي كانت عند العرب، ونبّه في السياق نفسه إلى أس الأخلاق وهي أمهات الفضائل الإسلامية، منها الإخلاص، والمروءة، والفضيلة، والمحبة، والتضحية، و...


والتعريف بكل ما سبقت الإشارة إليه، يرمي إلى التربية الأخلاقية بتكوين الإنسان على مكارم الأخلاق القرآنية، وجامع كلّ تلك الخلال على أكمل صورة وأبهاها هو سيدنا رسول الله النبي الخاتم عليه وعلى آله وصحبه أكمل الصلاة والتسليم، فهو الأنموذج الأكمل في القيم النابعة من المقدسات، لبناء المجتمع الإنساني، لهذا كانت الأخلاق مفتاح الإصلاح، واستغرق الفصل من ص 309 إلى ص 369.


كتاب كما هو بيّن حري بالقراءة المتمعّنة، يحبب فيه الأستاذ فريد (رحمه الله) برسائل النور، ويحيلنا على ضرورة استئناف درس مصطلحات رسائل النور، ننتظر من المهتمين المختصين بالدراسات المصطلحية القيام بهذه المهمّة.


* * *


 

أرشيف الاصدارات

4 - أسس التربية في رسائل النور
. قراءة في كتاب
3 - أسس التربية في رسائل النور
. قراءة في كتاب
2 - التعليم في رسائل النور
. قراءة في كتاب
1 - المنهجية في رسائل النور
. قراءة في كتاب

النور للدراسات الحضارية والفكرية
 المركز الرئيسي:  

Kalendarhane Mah. Delikanli Sk. No: 6
Vefa 34134 Fatih - Istanbul / TURKIYE
 Phone: +90 212 527 81 81 - Fax: +90 212 527 80 80