درس الإلهيات عند النورسي معالم المنهج ومؤشرات التجديد

درس الإلهيات عند بديع الزمان النورسي

معالم المنهج ومؤشرات التجديد

 

ABSTRACT

Khalid Mahjub: Bediuzzaman al-Nursi's Theological Teachings: Signposts on the Way of Renewal

Khalid Mahjub

This study included a renewal indicators, also included in the general features of the approach taken by Nursi in his presentation to the subject of Theology (ilahiat), Nursi was distinct in his speech.

As was distinct in the formulation of the evidence, and the defense of the faith (alimane), Without forgetting his power in the objects of suspicion, to remove it from the hearts and minds of Muslims. In short, I've had studied theology at Nursistrong wall, Fell in front of him all the attempts made by the enemies of religion on the Muslim community in order to remove the faith of hearts. It also was a lesson for Muslims vaccinated against ideological suspicions raised by atheists and communists. The most beautiful thing is that all the efforts made by Nursi, was inspired by of the iceberg Quran. For all that was studied Theology at Nursi distinct novelty and seriousness.

* * *

ملخص البحث

أ. خالد محجوب 1

تضمنت الدراسة معالم منهج عرض مباحث الإلهيات عند النورسي ومؤشرات الإبداع فيها، ولعل رأس ما نستبين منه عمدها، التأكيد على صيغته المستصحبة لمعطيات واقع العالم الإسلامي بجملة مكوناته، فكان الدرس موفقا في لغته وصيغ الأدلة ومضامينها، فضلا عن مراعاة المتداول في ميدان المعرفة البحت والمعرفة الاجتماعية والإنسانية، كما يلاحظ استحضاره للشبه المثارة بقصد استئصالها من قلوب وعقول المتلقي، فكان درس الإلهيات عنده حائط صد محاولات الطمس والمسخ التي سلّطت على المجتمع الإسلامي، وتطعيما للمتلقي ضد الشبه المتوقعة، فكانت استجابته للتحديات قوية مؤثرة تستلهم من فيض القرآن الكريم، لهذا كان درس الإلهيات عند النورسي متميّزا بالجدّة والجدية.

* * *

لقد كانت لي مطالعات علمية شيقة لما كتبه العلامة بديع الزمان النورسي في رسائل النور، وتُوِّجَت هذه المطالعات بفضل اللّٰه بدراستين علميتين2 عن بعض مضامين رسائل بديع الزمان النورسي.

واستكمالا لمسيرة التفاعل المعرفي بين الباحثين ورسائل النور، اخترت الباب الموصل إلى مبحث الإلهيات عند النورسي، وعنونته بـ "درس الإلهيات عند بديع الزمان النورسي معالم المنهج ومؤشرات التجديد"، ووضعت له الإشكال الآتي: إذا كان الاسم الذي اشتهر به سعيد النورسي هو: "بديع الزمان" حيث لم يشتهر في زمانه مثله، وإذا كان الرجل قد عاش في زمن تعرض فيه أصل الإيمان وبدهياته للتهديد وإرادة الإفناء، فما هي معالم المنهج وما هي مؤشرات الإبداع والتجديد في الدفاع عن هذه المنحة الربانية التي أراد شياطين الإنس سحقها تحت أقدام الإلحاد ووطأة الشبهات، وما هي معالم الجدَّة والخصوصية المستفادة من عرضه لأهم مباحث الإيمان على الإطلاق وهو "مبحث الإلهيات" في البيئة التي سبقت الإشارة إليها؟

الهدف من هذه الدراسة هو الإجابة عن السؤال المركزي السابق، مع بيان ثقل الأمانة والمسؤولية التي تحملها الرجل في وقت نظر غيره إليها بعين الاستحالة، وبالتالي إعطاء مسوغات موضوعية لإمكانية عدّ الرجل من المجددين المشمولين بحديث الرسول صلى الله عليه وسلـم: "إِنَّ اللّٰه يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا".3

وهذا الحديث بالذات قد جعل تلامذة النورسي يتفاءلون خيرا بقصة الجبة التي كان يرتديها أحد شيوخ الطريقة النقشبندية المجددون وهو المولى خالد الشهرزوري،4 ومختصرها أنه حدث ذات يوم أن أعطت السيدة "آسيا"-وهى من نسل العاشق الصغير أحد طلاب الشيخ خالد- جُبّته التي كانت تحتفظ بها منذ سنوات طويلة، أعطتها إلى "فيضي" أحد تلامذة النورسي. وإذا بأستاذنا يأمر طالبا آخر يدعى "أمين" بغسلها، ويبدأ هو بالشكر والحمد للّٰه تعالى و "فيضي" يحار من الأمر إذ يرد إلى خاطره أن هذه السيدة قد أعطته هذه الجبة لعشرين يوما، فلماذا يمتلكها الأستاذ. وبعد مدة يلتقي السيدة آسيا فتقول له: "لقد قلت لك ما قلت حول الجبة كي يقبلها الأستاذ -فدته أرواحنا- فهي له، لعلمي أنه لا يقبل الهدايا إذا أرسلتها إليه مباشرة. نعم إنّ قبول أستاذنا تلك الجبة علامة على انتقال مهمة التجديد إليه بعد مولانا خالد. فقد ورد في الحديث الشريف (إن اللّٰه يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة دينها) فإن ولادة مولانا خالد سنة 1193 وولادة أستاذنا 1293".5

ولتحقيق أهداف هذه الدراسة جاءت الخطة على الشكل الآتي:

المبحث الأول: البيئة المعرفية التي عاش بديع الزمان النورسي في كنفها

المبحث الثاني: مفهوم التجديد الديني عند العلامة بديع الزمان.

المبحث الثالث: معالم المنهج في درس الإلهيات عند العلامة بديع الزمان.

المبحث الأول: البيئة المعرفية التي عاش النورسي في كنفها:

عاش العلامة بديع الزمان في فترة عرفت سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية، وما تلا هذا السقوط من موجات إلحاد عاتية، وإرادة الهيمنة الغربية على مخلفات "الرجل المريض"، وهي الهيمنة التي طالت الأرض لامتصاص خيراتها، كما طالت الإيمان لإسقاطه من القلوب وملئها بالشبهات والضلالات. يقول المستشرق الفرنسي ل شاتليه: "ولا ينبغي لنا أن نتوقع من جمهور العالم الإسلامي أن يتخذ له أوضاعا وخصائص أخرى، إذا هو تنازل عن أوضاعه وخصائصه الاجتماعية إذ الضعف التدريجي بالفكرة الإسلامية، وما يتبع هذا الضعف من الانتقاص والاضمحلال الملازم له، سوف يقضي بعد انتشاره في كل الجهات - إلى انحلال الروح الدينية لا إلى نشأتها بشكل أخر".6 ويقول النورسي واصفا هذا الواقع المؤلم والوضع المتأزم: "إن الذي يواكب خيالاً زمن تأليف رسائل النور ونشرها يجد أن الأمة، أمة الإسلام تمر في أحلك فترات حياتها، حيث تجتاح سيول الظلمات، ظلمات الفتن العاتية أرجاء العالم الإسلامي كافة، وتغزو الشبهات والأفكار الباطلة العقول والقلوب من كل صوب، فأظلمت النفوس واختنقت الأرواح حتى انقطع الرجاء..."7

لقد أجمع كل من عرف النورسي على أنه عندما أغار الإلحاد وكأنه أمواج ليال مظلمة على العالم الإسلامي ولاسيما على تركيا في تلك الأيام الخطرة التعسـة، وثب الأستاذ النورسي إلى ساحات الجهاد وثبة الأسد من عرينه، يتأجج وكأنه بركان متفجر، وفدى هذه الدعوة المقدسة بوجوده وكيانه. فغدت كل كلمة من كلماته وكل فكر من أفكاره منـذ ذلك اليوم وكأنها شواظ نار تتقد في القلوب وجمرة تستعر في الأحاسيس والأفكار.8

وإنه مما زاد من صعوبة الواقع الذي عاش فيه النورسي، اتخاذ بعض الجهات المغرضة لقضية القومية والعصبية مطية لإشاعة العداء بين المتدينين والقوميين بحجة أن التوجُّهَين بمثابة سفينتين منفصلتين لا يمكن للواحد من الناس أن يستقلهما معا في الوقت نفسه، وبالتالي فهو مجبر على اختيار إحداهما، وقد رفض النورسي هذه الازدواجية ورد على هذه الدعوات المغرضة بقوله: "أيها الأخ التركي! احذر وانتبه! أنت بالذات، فإن قوميتك امتزجت بالإسلام امتزاجاً لا يمكن فصلها عن الإسلام، ومتى ما حاولت عزلها عن الإسلام فقد هلكت إذن وانتهى أمرك. ألا ترى أن جميع مفاخرك في الماضي قد سُجّل في سجل الإسلام، وأن تلك المفاخر لا يمكن أن تمحى من الوجود قطعاً فلا تمحها أنت من قلبك بالاستماع إلى الشبهات التي تثيرها شياطين الإنس".9

والحقيقة أن هذا الواقع قد شكل تحديا لجملة المفكرين الإصلاحيين الذين عاشوا في هذه الفترة، وعلة رأسهم الأستاذ النورسي، فقال مبينا أعراض هذا المرض العضال: "نعم إن المنظمات الإلحادية السرية كانت تستهدف إزالة الشعائر الإسلامية ورفعها الواحدة تلو الأخرى وطمس روح الإسلام في الأمة التركية التي رفعت راية الإسلام طوال ستة قرون بل منذ عهد العباسيين. ولتحقيق هدفهم هذا بدأوا بتنفيذ خطة "تنشئة جيل يقوم بنفسه بعد ثلاثين سنة بإزالة القرآن ونزعه من القلوب. "وفعلاً بدأوا بتنفيذ خطتهم هذه ونجحوا في قطع روابط هذه الأمة بالإسلام وسعوا لها بشتى الوسائل".10

وبالجملة تميّزت البيئة المعرفية التي عايشها النورسي بالخصائص الآتية:

1- طغيان الإلحاد وأصحابه أمام الإيمان وأهله وفي هذا المعنى قال النورسي: "إن أهل الضلال والإلحاد، يبدون تمرداً غريباً، وحماقة عجيبة إلى درجة تجعل الإنسان نادماً على إنسانيته، وذلك في سبيل الحفاظ على مسلكهم المعوق لصحوة الإيمان".11

2- فشو الشبهات الفلسفية التي كادت أن تعكر صفو الإيمان على أصحابه: وقد وصف النورسي هذه الظاهرة بقوله: "إن أهل الإيمان -في الوقت الحاضر- محتاجون أشد الحاجة إلى حقيقة جليلة نزيهة بحيث لا يمكن أن تكون وسيلة للوصول إلى شيء، ولا تابعة لأي شيء كان، ولا سلماً للوصول إلى مآرب أخرى، ولا يتمكن أي غرض أو أي قصد كان من أن يلوثها، ولا تتمكن الفلسفة أو الشبهات أن تنال منها. فالمؤمنون محتاجون إلى مثل هذه الحقيقة النـزيهة لترشدهم إلى حقائق الإيمان، حفاظاً على إيمان المؤمنين في هذا العصر الذي اشتدت فيه صولة الضلالة التي تراكمت شبهاتها منذ ألف سنة".12

3- انتشار ظاهرة الافتراءات والشتائم التي طالت شخص النبي صلى الله عليه وسلـم ورسالته، وهو الواقع الذي وصفه النورسي قائلا: "في هذا الزمان بدأ هجوم هدام ومدمر على الإسلام وعلى القرآن من جميع الجهات وبدأت الافتراءات تكال للقرآن وللنبي محمد صلى الله عليه وسلـم ومحاولة النيل من تلك الذات السامية الرفيعة، في حين تسمح بالكتب التي تنفث سموم الإلحاد والانسلاخ من الدين والأخلاق، وتكال المدح والثناء لأشقياء من أعداء الإسلام".13

4- امتداد الإلحاد الشيوعي خارج حدود موطنه الأصلي وتهديده لحقائق الإيمان في البلدان التي وصل إليها ومن بينها تركيا "وكذا الشباب والشيوخ لاشك أنهم بأمس الحاجة إلى دروس يقينية وراسخة في إثبات وجوده تعالى وإثبات وحدانيته سبحانه. حيث يقرءون ما تكتبه الصحف من هجوم الروس على الإيمان بهجمات الإلحاد الرهيبة، وإنكار الخالق العظيم."14

5- انتشار جو من الذعر و الإرهاب في أرجاء البلاد، حتى أصبح الناس يخفون القرآن الكريم عن أنظار موظفي الدولة، كما نشطت الصحافة في نشر الابتذال في الأخلاق والاستهزاء بالدين، فانتشرت كتب الإلحاد وحلت محل كلمات "اللّٰه، الرب، الخالق، الإسلام" كلمات الطبيعة، "التطور، القومية التركية..."15

6- وجود صراع فكري مذهبي تدور رحاه بين أهل السنة والشيعة الإمامية وهو صراع وهمي حسب النورسي اتخذته الزندقة الحاكمة مطية لتأجيج الخلاف بين الفصيلين المتنازعين ودفعهما إلى إفناء بعضهما، وهو ما يظهر جليا من كلام النورسي الذي قال: "فيا أهل الحق الذين هم أهل السنة والجماعة! ويا أيها الشيعة الذين اتخذتم محبة أهل البيت مسلكاً لكم! ارفعوا فوراً هذا النزاع فيما بينكم، هذا النزاع الذي لا معنى له ولا حقيقة فيه، وهو باطل ومضر في الوقت نفسه. وإن لم تزيلوا هذا النزاع فإنّ الزندقة الحاكمة الآن حكماً قوياً تستغل أحدكما ضد الآخر وتستعمله أداة لإفناء الآخر، ومن بعد إفنائه تحطّم تلك الأداة أيضا. فيلزمكم نبذ المسائل الجزئية التي تثير النزاع، لأنكم أهل التوحيد بينكم مئات الروابط المقدسة الداعية إلى الأخوة والاتحاد".16

وبمثل هذه النظرة الثاقبة فهم النورسي طبيعة الصراع المذهبي الدائر بين المسلمين سنة وشيعة، كما اكتشف حقيقة الجهات التي تقوم بتغذيته واتخاذه أداة لإفناء المسلمين بعضهم بعضا، ولهذا تجده يتعجب من غفلة هؤلاء المسلمين الذين تجاهلوا مئات الروابط القوية الداعية إلى التآلف والاجتماع والتمسك بتلك الخيوط الواهية المولدة للشقاق والشحناء بينهم؛ فيتساءل: "فلئن كان هناك إلى هذا القدر من الروابط التي تستدعي الوحدة والتوحيد والوفاق والاتفاق والمحبة والأخوة، ولها من القوة المعنوية ما يربط أجزاء الكون الهائلة، فما أظلم من يعرض عنها جميعاً ويفضل عليها أسبابا واهية أوهن من بيت العنكبوت، تلك التي تولد الشقاق والنفاق والحقد والعداء. فيوغر صدره عداءً وغلاً حقيقياً مع أخيه المؤمن! أليس هذا إهانة بتلك الروابط التي توحد؟ واستخفافاً بتلك الأسباب التي توجب المحبة؟ واعتسافاً لتلك العلاقات التي تفرض الأخوة؟ فإن لم يكن قلبك ميتاً ولم تنطفئ بعد جذوة عقلك فستدرك هذا جيداً".17

المبحث الثاني: مفهوم التجديد الديني عند العلامة بديع الزمان

يتعيّن في المستهل التذكير بأن الإصلاح أو التجديد الديني في الإسلام إنما يكون في طريقة عرض الدين وبيانه لا في جوهر الدين ذاته، لأنه ليس فكرا بشريا يعتريه الصواب والخطأ، كما أن اللّٰه عز وجل تولى حفظه من التغيير والتبديل، ومن جملة الدين عقيدة الإسلام المنبثقـة من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة التي لا مجال للفكر البشرى في إنشائها وإبداعها، ولذلك بقي دور الفكر منحصرا في اختيار الأسلوب الأمثل في بيانها وعرضها.

ولقد فهم علماء الإسلام عبر تاريخ الأمة أن بيان وعرض الإسلام -وبالأخص عقيدته- يتماشى مع المدارك العقلية للناس، كما يتماشى مع التحديات الفكرية التي تفرض نفسها في واقع دون آخر، ولذلك فمن غير العدل أن يعتقد بعض الناس أن التغييرات التي حدثت في أساليب ومناهج عرض العقيدة -خاصة تلك التي اعتمدت على الحجج العقلية والأدلة والقواعد المنطقية-، تعد تناقضا مع منهج القرآن في عرض العقيدة، وقد أخطأوا في هذا الحكم لخلطهم وعدم تمييزهم بين الثوابت والمتغيرات في هذه القضية، ولأنهم لم يأخذوا بعين الاعتبار قضية صلوحية العقيدة لكل زمان ومكان، إذ لابد لمن يسلم بحقيقة هذه الصلوحية أن يقر بضرورة تعدد أساليب العرض، بتعدد الجغرافيات الفكرية والأسئلة المطروحة، ولهذا فلا ينبغي أن نعجب إذا وجدنا اختلافا في مناهج الاستدلال على العقيدة بين من عاشوا في المدينة المنورة، ومن عاشوا في العراق مثلا، أو بين علماء القرن الأول وعلماء القرون التي تلت ذلك، وفضلا عن ذلك لا يمكن أن نساوي بين بيئة يهدَّد فيها الإيمان أصلا -كالبيئة التي وُجد فيه النورسي- وبيئة تنشد كمال الإيمان وتسعى لتحقيق أعلى مراتبه، ولهذا فلا غرابة أن وجدنا النورسي "وقد اقتنع يقيناً أنّ أسلوب علم الكلام القديم قاصر عن ردّ الشبهات والشكوك الواردة حول الدين، فينبغي تحصيل العلوم الحديثة أيضا. وقد حقق تشخيصه الداء هذا وهو الشاب اليافع تـهيئة الأجواء للخدمة القرآنية العظيمة والعمل الإسلامي الجليل في المستقبل، إذ وفقه سبحانه وتعالى بعد حوالي ثلاثين سنة إلى تأليف رسائل النور التي تجدد في علم الكلام. فطفق يطالع كتب العلوم الحديثة حتى استحصل على أسسها من تاريخ وجغرافية ورياضيات وجيولوجيا وفيزياء وكيمياء وفلك وفلسفة وأمثالها من العلوم. وذلك خلال مدة قصيرة جداً. وسبر أغوار هذه العلوم بنفسه دون معونة أحد ودون اللجوء إلى مدرس يدرّسها إياه".18

ثم إن هؤلاء الذين رفضوا التجديد في أساليب العرض قد غاب عن أذهانهم أنّ القرآن نفسه وضع أمام أفكارنا نماذج من الحجج العقلية والقواعد المنطقية التي يمكن استعمالها في الكشف عن حيل المبطلين وشبهاتهم، ودحض حججهم كلما اقتضى الأمر ذلك، ومن ذلك ما يمكن تسميته برهان التمانع المتضمَّن في قوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾،الأنبياء:22 أو برهان بطلان الدور والرجحان بدون مرجح المتضمَّن في قوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُون﴾الطور:35 فهذه الآيات ومثيلاتها تعد بحق فتحا لباب الاجتهاد في أساليب عرض العقيدة، كما تعد أيضا ترويضا لعقول المسلمين وأفكارهم على النقاش والحجاج في سبيل الكشف عن الحق كلما دعت الحاجة إلى ذلك. ألم يقل المولى عز وجل: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾النحل:125 قال الإمام الرازي: "وَلَمَّا ذَكَرَ اللّٰهُ تَعَالَى هَذِهِ الطُّرُقَ الثَّلَاثَةَ وَعَطَفَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَجَبَ أَنْ تَكُونَ طُرُقًا مُتَغَايِرَةً مُتَبَايِنَةً"19 وهو ما يعني أنّ التجديد في عرض وبيان العقيدة يكون باستخدام جميع أنواع السبل المستحدثة الحسنة التي لا تتعارض وكليات الدين، وهو الأمر الذي أولاه الأستاذ أهمية خاصة إذ كان يقول: "إن رسائل النور درس قرآني يوافق فهم هذا العصر".20 وبالتالي فأين الخلل إذا كان الإقناع يتطلب عرض العقيدة الإسلامية والإلهيات بصورة خاصة بواسطة ما توصل إليه الطب من اكتشافات أو ما توصل إليه علم الفلك واكتشافات الفضاء أو علم الفيزياء والميكانيكا...!

تُرى ما هي معالم المنهج ومؤشرات التجديد في درس الإلهيات لدى العلامة بديع الزمان النورسي، وهل ما تميز به من خصوصية في عرض درس الإلهيات يتوافق مع هذا الطرح النظري حول التجديد أو على الأقل لا يخالفه؟

نجد في البداية أنّ العلامة بديع الزمان يؤكّد على ضرورة وجود مصلح يجدد الدين في بيئته وزمانه، فيقول مقررا هذا الأمر: "إنه ينبغي لهذا العصر من مجدد له شأنُه ليقوم بتجديد الدين والإيمان، وتجديد الحياة الاجتماعية والشريعة، وتجديد الحقوق العامة والسياسة الإسلامية".21 لا يمكن أن يكون هذا المجدد شخصا عاديا بل ينبغي أن يكون ذا شأن ومكانة علمية واجتماعية وأخلاقية، وأن يتميّز بقدرة وكفاءة ودراية في تحديد الأولويات وجوانب الدين المعنية بالتجديد حسب الأهم فالأهم، ولهذا فلا عجب إذا وجدناه أن يولي الأهمية القصوى لإنقاذ الإيمان، والمحافظة على الحقائق الإيمانية وعلى رأسها حقيقة التوحيد.

يشهد للمعاني السالف ذكرها، قول الأستاذ النورسي: "ولكن أهم تلك الوظائف، هو التجديد في مجال المحافظة على الحقائق الإيمانية فهي أجلُّ وأعظم تلك الوظائف الثلاث. لذا تبقى دوائر "الشريعة" و "الحياة الاجتماعية والسياسية" في الدرجة الثانية والثالثة والرابعة بالنسبة لدائرة الإيمان، هذا وإنّ الأهمية البالغة التي وردت في الحديث الشريف حول تجديد الدين، إنما هي باعتبار التجديد في الحقائق الإيمانية".22

ثم هو يرى بأن رسائل النور التي كتبها خدمة لهذا الهدف النبيل الأسمى، قد استطاعت أن تؤدي وظيفتها بفضل اللّٰه عز وجل، ثم بفضل الخيرين من أبناء المجتمع، وعلى رأسهم طلاب رسائل النور، فتمكنت هذه الرسائل بمنهجها الفريد -الذي سنبين بعض معالمه في المبحث الثالث- تمكنت من إنقاذ إيمان مئات الألوف من الناس. "فللّه الحمد بما لا يتناهى من الحمد؛ أن دفع الشخص المعنوي لطلاب رسائل النور وحقيقتها -في هذا العصر- لأداء وظيفة التجديد من حيث المحافظة على الحقائق الإيمانية. وهي منذ عشرين سنة تؤدي تلك الوظيفة المقدسة بنشرياتها المؤثرة والفاتحة للقلوب صادةً صولات الزندقة القوية الرهيبة وغارات الضلالة منقذة إيمان مئات الألوف من أهل الإيمان، والشاهد على ذلك أكثر من أربعين ألفا من الشهود".23

وهكذا يتجلى أنّ قضية تجديد الإيمان يُعد لدى النورسي ضرورة لا بد منها في ذلك الجو المشحون بالإلحاد والزندقة والعوامل الشيطانية المهددة للإيمان، وتبقى الوسائل المستعملة لتحقيق هذا الهدف مرهونة بالمتاح والمستطاع، ومتناسبة في الوقت ذاته مع طبيعة المشكلات المعرفية الموجودة في البيئة التركية، والتي تكاد أن تكون السمة العامة للعالم الإسلامي.

المبحث الثالث: معالم المنهج في درس الإلهيات عند العلامة بديع الزمان.

جرت عادة العلماء من متكلمي أهل السنة على تقسيم درس العقيدة إلى ثلاثة أقسام هي الإلهيات والنبوات والسمعيات، وخصصوا المبحث الأول منها للحديث عن أدلة وجود اللّٰه ثم ما يليق به من التنزيهات وما يجب له من صفات الكمال ونعوت الجلال وتعدد الأسماء الحسنى إلخ24 فهل جرى العلامة بديع الزمان على هذا المنوال في عرضه لمبحث الإلهيات؟

حديثنا عن التجديد في عرض الإلهيات كسمة بارزة في منهج العلامة بديع الزمان لا يعني بحال أن البداية في هذا العرض كانت صفرية وبدون استناد معرفي على السابق، وإنّما القصد منه بيان تميّز الرجل وتجديده، انطلاقا مما قرره السابقون مع وجود فوارق في طريقة العرض والمصطلحات الموظفة، وهو ما منح درسه للإلهيات نكهة خاصة، تجعل المتعود على القراءة له إذا قرأ له فقرة في الموضوع مستلة من رسائله حكم أنها له وإن لم يشر ناقلها إلى ذلك، ولم يتوقف جهده عند تقرير العقائد بل جمع إليها الفحص والتمحيص لجهود المحدثين، فقد كان ناقدا بارعا لبعض المناهج الكلامية التي أوغلت في إبهام وإغلاق مسائل الإلهيات، وفيما يأتي بعض معالم هذا الجهد العلمي المتميز، وقد اعتنى فيه بجملة من المناحي، كونت في جملتها الخصوصية النورسية في عرض درس العقائد:

1- حاجة البشرية إلى التوحيد بمبدأ الربح والخسارة:

يعرض النورسي الحاجة إلى التوحيد من منظور مبدأ الربح والخسارة، مخاطبا المدنية المعاصرة بلسانها، ومستأنسا بقوله عز وجل: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.سبأ:24

ولعل الأمر الذي يبعث على العجب هو كيف أهملت البشرية هذا المبدأ فيما يتعلق بسعادتها الأبدية، وحصرته فقط فيما ادعته من سعادة دنيوية ظاهرة. "فما أحوج روح البشر العاجزة الـضعيفة الفقيرة إلى حقائق العبادة والتوكل، وإلى التوحيد والاستسلام! وما أعظم ما ينال منها من ربح وسعادة ونعمة! فمن لم يفقد بصره كلياً يرى ذلك ويدركه. إذ من المعلوم أن الطريق غير الـضار يُرجَّح على الطريق الـضار حتى لو كان النفع فيه احتمالاً واحداً من عشرة احتمالات. علماً أن مسألتنا هذه، طريق العبادة (أو التوحيد)، فمع كونه عديم الـضرر، واحتمال نفعه تسعة من عشرة، فإنه يعطينا كنزاً للسعادة الأبدية، بينما طريق الفسق والسفاهة -باعتراف الفاسق نفسه- فمع كونه عديم النفع فإنه سبب الشقاء والهلاك الأبديين، مع يقين للخسران وانعدام الخير بنسبة تسعة من عشرة... وهذا الأمر ثابت بشهادة ما لا يحصى من 'أهل الاختصاص والإثبات' بدرجة التواتر والإجماع. وهو يقين جازم في ضوء أخبار أهل الذوق والكشف".25

القسمة القرآنية لمسألة التوحيد لا تخرج في احتمالاتها عن ثنائية الربح والخسارة، ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.سبأ:24 وهو عين ما تنبني عليه البراغماتية النفعية التي تنشد النفع والفائدة وتهرب من الضرر والخسارة، والحال أن هذه البراغماتية لو كانت صادقة فيما تدعي لآثرت التوحيد والعبادة على الشرك والسفاهة لأن طريق التوحيد يجمع مزيتين الأولى كونه عديم الضرر، واحتمال نفعه وارد ولو بنسبة تسعة من عشرة والثانية ضمانه للسعادة الأبدية، وهو ما لا يوفره طريق الشرك والسفاهة، بشهادة من كانوا عليه، ولهذا فالسؤال الذي ينبغي طرحه: أي عاقل يرفض هذا الطريق بهاتين المزيتين ويؤثر عليه طريق الخسارة والضرر؟ الأكيد بمنطق الربح والخسارة أن هذا الإنسان غير عاقل. ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾.الملك:10

2- القرآن مصل مضاد لكل الشبهات:

القرآن الكريم كتاب اللّٰه المعجز الذي لا تنقضي عجائبه وآياته، والذي يعد موردا لا ينضب مهما اغترف منه الواردون، وحاجة المؤمنين إلى القرآن كحاجتهم إلى الماء، لا غنى لهم عنه ولو شربوا من غيره ما شربوا، وإذا ما اعترتهم الشبهات أو تعرض إيمانهم لأوبئة الفكر وجراثيمه كان القرآن بمثابة المصل المضاد الذي يمنح قلب المؤمن مناعة تقيه من ضرر تلك الشبهات. "لأن القرآن الكريم ينبه الإنسان إلى أعظم انقلاب يحدث ضمن المخلوقات ودائرة الممكنات في تأريخ العالم... وهو الآخرة. ويرشده إلى أعظم مسألة تخصه وهو الحامل للأمانة الكبرى وخلافة الأرض... تلك هي مسألة التوحيد الذي تدور عليه سعادته وشقاوته الأبديتان. وفي الوقت نفسه يزيل القرآن سيل الشبهات الواردة دون انقطاع، ويحطم أشد أنواع الجحود والإنكار المقيت".26

فإذا ما أرادت أمة الإسلام أن تحافظ على كيانها ووجودها ووحدتها وسلامتها من الأمراض الفكرية والنفسية التي تسببها الشبهات، فعليها بالقرآن الذي تكلم به علام الغيوب الذي خلق الإنسان وعلم ما توسوس به نفسه، وعلم ما يضره فنهاه عنه، كما علم ما ينفعه فدعاه إليه " إن هذه الآيات الكريمة تُلزم جميع أقسام أهل الضلالة وتسكتهم، وتسدّ جميع منابت الشبهات وتزيلها، وذلك بلفظ: أم .. أم، بخمس عشرة طبقة من الاستفهام الإنكاري التعجبي، فلا تدع ثغرة شيطانية ينزوي فيها أهل الضلالة إلاّ وتسدها، ولا تدع ستاراً يتسترون تحته إلاّ وتمزقه، ولا تدع كذباً من أكاذيبهم إلاّ وتفنّده. فكل فقرة من فقراتها تبطل خلاصة مفهوم كفرٍ تحمله طائفة من الطوائف الكافرة؛ إما بتعبير قصير وجيز، أو بالسكوت عنه وإحالته إلى بداهة العقل لظهور بطلانه، أو بإشارة مجملة إذ قد رُدّ ذلك المفهوم الكفري وأفحم في موضع آخر بالتفصيل".27

3- عرض مسائل الإيمان بعيدا عن الجدل العقيم والعبثي:

يميل النورسي في عرضه لمسائل الإيمان والتوحيد، وخاصة ما تعلق بالمتشابهات، إلى تبني المنهج القائم على مبدأ السلامة والميل عن الجدل العقيم والعبثي، وإذا ما تطلب الأمر شيئا من الجدال فليكن محصورا بحالة الضرورة كمناقشة الخصوم والرد على الشبهات، وبأن يكون بعيدا عن عوام الناس، وقد أجاب بعض طلبته حينما أورد عليه سؤالا متعلقا بالقدر الإلهي، بعد أن اعترته بعض الشبهات فقال: "لقد سألتموني في تلك الليلة سؤالاً لم أجب عنه، لأن البحث في المسائل الإيمانية والخوض فيها على صورة مناقشات غير جائز... لا يجوز بحث المسائل الإيمانية الدقيقة -كالمذكورة- بشكل مناقشات جدلية من دون ميزان، ولا أمام جماعة من الناس، إذ تتحول الأدوية عندئذٍ إلى سموم، لأنها دون ميزان، فتضر المتكلمين والمستمعين معاً. وإنما يجوز ذلك عند فراغ البال وسكون القلب وتوفّر الإنصاف عند الباحثين، وتداولاً فكرياً ليس إلا".28 وتجده يشبه أدلة المتكلمين المتأثرين بالفلسفة كمن يأتي بالماء عبر سلسلة جبلية شاقة في حين كان بإمكانه الحصول عليه بضربة على الأرض فتتفجر أمامه الينابيع وهو حال القرآن الكريم المتصف أسلوبه بالسهولة التي تجعل منه موردا سهلا للواردين العطاشى، وهو الذي قال في حقه: "إن القرآن مادام مرشداً فمن شأن بلاغة الإرشاد مماشاة نظر العوام، ومراعاة حسّ العامةِ ومؤانسة فكر الجمهور، لئلا يتوحش نظرُهم بلا طائل ولا يتشوش فكرُهم بلا فائدة، ولا يتشرّد حسُّهم بلا مصلحة، فأبلغُ الخطاب معهم والإرشاد أن يكون ظاهراً بسيطاً سهلاً لا يعجزهم، وجيزاً لا يُملّهم، مجملاً فيما لا يلزم تفصيله لهم، ويضرب بالأمثال لتقريب ما دقَّ من الأمور إلى فهمهم. فلأن القرآن مرشد لكل طبقات البشر تستلزم بلاغةُ الإرشاد ألاّ يذكر ما يوقع الأكثرية في المغلطة والمكابرة مع البديهيات في نظرهم الظاهري، وأن لا يغيّر بلا لزوم ما هو متعارف محسوس عندهم، وأن يهمل أو يجمل ما لا يلزم لهم في وظيفتهم الأصلية."29

4- الاستعانة بالعلوم الحديثة في عرض مسائل الإيمان:

استثمر الأستاذ بديع الزمان النورسي خبرته في ميدان العلوم النظرية والعلوم العملية في تقريب مسائل الإيمان إلى الأذهان، لذلك كثيرا ما نجده مسترشدا بعلم الصيدلة أو الفلك أو الطب أو غيرها في شرح مباحث العقيدة وعلى رأسها مبحث الإلهيات، ذلك أنّ النورسي اقتنع يقيناً في مقتبل العمر أنّ أسلوب علم الكلام القديم قاصر عن ردّ الشبهات والشكوك الواردة حول الدين، فينبغي استحصال العلوم الحديثة أيضا.30

إن الغاية الوحيدة للكتب السماوية والدعوة الفريدة للأنبياء كافة هي: إعلان ألوهية خالق الكائنات ووحدانيته وإثبات هذه الدعوة العظمى بالدلائل العلمية والمنطقية والفلسفية. فهل يعني هذا أن للأستاذ النورسي علاقة بالمنطق والفلسفة والعلوم الكونية؟

أجل، إن الأستاذ النورسي منطقي ماهر وفيلسوف قدير ما دام المنطق والفلسفة يتصالحان مع القرآن الكريم، وينتهجان صراط خدمة الحق والحقيقة، لأجل إثبات أحقية دعوته العالمية المقدسة. فيأخذ العلم بيمينه ليثبت به مرة أخرى أنّ القرآن الكريم هو كلام اللّٰه الأزلي بالأدلة الساطعة والبراهين القاطعة. وكلما تقترب الفلسفة من معنى الحكمة يصبح كل كتاب حكمة عظيمة ومؤلفُه حكيماً بارعاً في طريق إثبات وجود الباري الكريم بالصفات المقدسة التي تليق به.31

ففي مقام الاستدلال على وجود اللّٰه ووحدانيته وتفرده بالخلق والصنع، انطلاقا من دلالة الصنع المتين على الصانع الحكيم، نجد النورسي يوظف مبادئ علم الصيدلة لتقريب المسألة وتقريرها في الأذهان فيقول: "فمثلاً: لو كانت هناك صيدلية ضخمة، في كل قنينة من قنانيها أدوية ومستحضرات حيوية، وضِعت فيها بموازين حساسة، وبمقادير دقيقة؛ فكما أنها ترينا أن وراءها صيدليا حكيماً، وكيميائياً ماهراً، كذلك صيدلية الكرة الأرضية التي تضم أكثر من أربعمائة ألف نوع من الأحياء نباتاً وحيواناً، وكل واحد منها في الحقيقة بمثابة زجاجة مستحضرات كيمياوية دقيقة، وقنينة مخاليط حيوية عجيبة. فهذه الصيدلية الكبرى تُري حتى للعميان صيدليّها الحكيم ذا الجلال، وتعرّف خالقها الكريم سبحانه بدرجة كمالها وانتظامها وعظمتها، قياساً على تلك الصيدلية التي في السوق، وفق مقاييس علم الطب الذي تقرؤونه".32

وفي مقام آخر يجعل من وظيفة الطب دليلا على اسم من الأسماء الحسنى فيقول: " والطب - مثلاً - علم ومهارة ومهنة في الوقت نفسه، فمنتهاه وحقيقته يستند أيضا إلى اسم من الأسماء الحسنى وهو 'الشافي' ".33

كما يتخذ من علم الفلك وسيلة لنصرة التوحيد، بإقناع المخالف وترسيخ أركانه في نفس الموالف، فبعد أن ينطلق من الشاهد ليقرب المفاهيم بمثال يستوعبه كل ذي عقل ولو كان بسيطا، وهو المثال الذي يصور فيه مجموعة من الثيران والأبقار دخلت حقلا مزروعا بانتظام فكيف ستخرج منه إذا كانت لوحدها من غير راع ولا سائس، لا شك أنها ستتركه خرابا ويبابا، ثم ينطلق إلى الأجرام السماوية التي تتحرك في انتظام بالغ الدقة دون تصادم ولا بغي لبعضها على بعض؛ فيقول: " إذ من المعلوم أنه لو ثار عشرون جاموساً في حقل لاختلط الحابل بالنابل، ولتسبب الدمار والهرج والمرج، فكيف بأجرام سماوية أضخم من أرضنا بألف مرة، تنطلق في سرعةٍ هي أسرع من القذيفة بسبعين مرة، كما هو ثابت في علم الفلك! فافهم من هذا أن الهدوء الذي يعم الأجرام ويخيم على السماء إنما يبيّن مدى سعة قدرة القدير ذي الكمال ومدى هيمنة تسخير الصانع الجليل لها، ومدى انقياد النجوم وخضوعها لأوامره تعالى".34 وفي السياق ذاته يسوق مثالا آخر، فيقول: "هب أنّ ملايين المصابيح الكهربائية تتجول في مدينة عجيبة دون نفاد للوقود ولا انطفاء؛ ألا تُري -بإعجاب وتقديرــ أن هناك مهندساً حاذقاً، وكهربائياً بارعاً لمصنع الكهرباء، ولتلك المصابيح؟.. فمصابيح النجوم المتدلية من سقف قصر الأرض وهي اكبر من الكرة الأرضية نفسها بألوف المرات حسب علم الفلك وتسير أسرع من انطلاق القذيفة، من دون أن تخل بنظامها، أو تتصادم مع بعضها مطلقاً ومن دون انطفاء، ولا نفاد وقود وفق ما تقرؤونه في علم الفلك.. هذه المصابيح تشير بأصابع من نور إلى قدرة خالقها غير المحدودة... فهذا الكون العظيم وما فيه من مصابيح مضيئة، وقناديل متدلية يبين بوضوح -وفق مقاييس علم الكهرباء الذي قرأتموه أو ستقرؤونه- سلطان هذا المعرض العظيم والمهرجان الكبير، ويعرّف منوّره ومدبّره البديع وصانعه الجليل، بشهادة هذه النجوم المتلألئة، ويحببه إلى الجميع بالتحميد والتسبيح والتقديس بل يسوقهم إلى عبادته سبحانه"،35 ويقول في مقام آخر: "إنّ جريان الأجرام في "السماوات " بمنتهى النظام لبلوغ غايات جليلة، ونتائج سامية -بتقرير علم الفلك نفسه- إنّما يدل على وجود الهٍ قدير ذي جلال ويشهد على وحدانيته وربوبيته الكاملة".36

وهكذا فقد وظف النورسي ببراعة منقطعة النظير العلوم الطبيعية وعلوم الفلك والفيزياء...في نصرة الإيمان والدفاع عن التوحيد، وبيان أن هذه العلوم عبارة عن أصابع من نور تشير إلى آثار الربوبية والألوهية المبثوثة في هذا الكون الفسيح، ولكن لمن كان له قلب حي وعقل يتفكر في ملكوت اللّٰه، لذلك لا ينبغي أن نعجب إذا لم تنفع هذه العلوم المكابرين الذين جحدوا الحق وأغمضوا أعينهم أمام الوهج الذي تصدره أنواره، وتشبثوا بأوهام الصدفة والإلحاد، فخاطبهم النورسي بقوله: "فيا مَنْ يرى نفسه أنه قد تعلَّم شيئاً من الفلك! قل لي بربك أيمكن لمصادفة أن يكون لها شأن في أمور عظيمة كهذه؟"37

وخلاصة هذا المقام فيها دعوة إلى التأمل في الكون المنظور ليجد المتأمل أن في كل شيء له آية تدل على أنه واحد "تأمل في وجه الكائنات تجد أن صحيفة الموجودات ما هي إلاّ بمثابة رسائل متداخلة بعضها في البعض الآخر، مبعوثة من قبل الأحد الصمد. وان كل رسالة منها قد خُتِمَتْ بما لا يُعدُّ من أختام التوحيد. تُرى مَنْ يجرأ على تكذيب شهادات هذه الأختام غير المتناهية؟ أية قوة يمكنها أن تكتم أصوات هذه الشهادات الصادقة؟ وأنت إذا ما أنصتَّ بأذن القلب لأيٍ منها تسمعها تردد: اَشْهَدُ اَنْ لآ اِلهَ إلاَّ اللّٰه."38

5- الاستناد إلى مبدأ الاستيعاب وعدم الإقصاء باسم الدين

وظف النورسي في عرضه لمبحث الإلهيات منهج الاستيعاب وعدم الإقصاء، والبعد عن كيل الاتهامات للمخالف في المذهب، وكان مستنده في ذلك دعوات القرآن للمسلمين إلى الاجتماع وعدم التفرق " إن عملاً جاداً لا ينجز مع أولئك الذين يرضون بأوهام براقة نابعة من سفسطة النفس ووسوسة الشيطان ويصمّون آذانهم عن البلاغ المبين والبراهين الساطعة بالتواتر والإجماع... ألا إن الحجر الأساس لهذا الانقلاب العظيم يجب أن يكون متيناً صلداً... والحال أن مثل هذه القوة التي ليست بيد المجلس ولا تأتي عن طريقه تسبب الانشقاق، وشق عصا الطاعة يناقض أمر القرآن الكريم الذي يقول: ﴿واعتَصموا بِحَبلِ اللّٰه جَمِيعاً وَلَا تَفرَّقُوا﴾.آل عمران:103

إن هذا العصر عصر الجماعة، إذ الشخصية المعنوية -التي هي روح الجماعة- أثبت وأمتن من شخصية الفرد".39

وقال في معرض دفاعه عن جمعية الاتحاد المحمدي: "لقد طرق سمعي أن جمعية باسم "الاتحاد المحمدي" قد تأسست، فتوجست خيفة شديدة، من صدور حركات خاطئة من بعضهم تحت هذا الاسم المبارك... ولكن الاتحاد المحمدي الذي أعرفه وانضممت إليه هو الدائرة المرتبطة بسلسلة نورانية ممتدة من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال. فالذين ينضوون تحت رايتها يتجاوز عددهم ثلاثمائة مليوناً في هذا العصر،40 وإنّ جهة الوحدة والارتباط في هذا الاتحاد هو توحيد اللّٰه. قسمه وعهده هو الإيمان. والمنتسبون إليه جميع المؤمنين منذ الخليقة. وسجل أسماء أعضائه هو اللوح المحفوظ. وناشر أفكاره جميع الكتب الإسلامية والصحف اليومية التي تستهدف إعلاء كلمة اللّٰه. ومحالّ اجتماعاته ونواديه هي الجوامع والمساجد والتكايا والمدارس الدينية. ومركزه: الحرمان الشريفان. فجمعية مثل هذه... رئيسها هو فخر العالمين سيدنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلـم. ومسلكها ومنهجها؛ مجاهدة كل شخص نفسه أي التخلق بأخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلـم وإحياء السنة النبوية ومحبة الآخرين وإسداء النصح لهم ما لم ينشأ منه ضرر... وهكذا فأنا أحد أفراد هذا الاتحاد ومن الساعين لرفع رايته وإظهار اسمه وإلا فلست من الأحزاب والجمعيات التي تسبب الفرقة بين الناس".41

ثم ذكر أنّ أسلافه في هذا التوجه إلى التوحيد وعدم التفرق وتشتيت الأمة هم أمثال الشيخ جمال الدين الأفغاني، ومفتي الديار المصرية الشيخ محمد عبده. ومن العلماء الأعلام على سواعي، والعالم تحسين. والشاعر نامق كمال الذي دعا إلى الاتحاد الإسلامي والسلطان سليم الذي قال:

"إن مغبة الاختلاف والتفرقة يقلقاني حتى في قبري فسلاحنا في دفع صولة الأعداء إنما هو الاتحاد إن لم تتحد الأمة فإنّي أتحرق أسىً".42

ثم بيّن أهدافه ومقاصده من الدعوة إلى "الاتحاد المحمدي" الذي ربط مفهومه بسعة الإسلام فقال: "ولقد دعوت ظاهراً إلى هذا الاتحاد المحمدي من أجل مقصدين عظيمين:

المقصد الأول: إنقاذ ذلك الاسم من التحديد والتخصيص، ولأعلن شموله المؤمنين عامة كي لا يقع الخلاف والفرقة ولا ترِد الشبهات والأوهام.

المقصد الثاني: ليكون سداً أمام افتراق الفرق والأحزاب".43

ولعل من أهم ثمرات هذا المسلك تلمس الأعذار للمختلف في المذهب وهو ما نراه جليا في كلام النورسي عن الإمام الزمخشري المعتزلي الذي كان يفتخر باعتزاله ويدعو الناس إلى اعتناقه بوصفه المذهب القائم على العدل والتنزيه فقال عنه: "إن اعتراضات الزمخشري على أهل السنة نابعة من محبة الحق الذي يدعو إليه مسلكه، الذي يظنه حقاً كقوله: إن التنزيه الحقيقي للّٰه سبحانه هو بأن يكون الأحياء -في نظره- هم خالقين لأفعالهم، لذا فلمحبته الناشئة من تنزيه الحق سبحانه يرد قاعدة أهل السنة في خلق الأفعال".44

وإن كنا لا نفهم لماذا لم يوظف الأسلوب نفسه في الحكم على بقية المعتزلة حيث "طردهم" من دائرة الاستيعاب بقوله: "إن أشخاصا من الفرق الضالة والمبتدعة يكونون من المقبولين بنظر الأمة، غير أن أمثالهم تردّهم الأمة وترفضهم دون أن يكون هناك فرق ظاهري بينهما!!

كنت في حيرة من هذا الأمر، فالزمخشري المعتزلي الشديد التعصب لمذهبه لا يكفره أهل التحقيق من أهل السنة ولا يدرجونه في صفوف الضالين على الرغم من اعتراضاته القاسية عليهم، بل يجدون له مبرراً ومجالاً للنجاة، إلا أن أبا علي الجبائي وهو أيضا من أئمة المعتزلة يطرده أهل السنة المحققون ويعدون آراءه مردودة مع أنه أخف تعصباً من السابق بكثير، كان هذا يأخذ قسطاً كبيراً من تفكيرى، ثم فهمت بلطف إلهي: إن اعتراضات الزمخشري على أهل السنة نابعة من محبة الحق الذي يدعو إليه مسلكه، الذي يظنه حقاً كقوله: إن التنزيه الحقيقي للّٰه سبحانه هو بأن يكون الأحياء -في نظره- هم خالقين لأفعالهم، لذا فلمحبته الناشئة من تنزيه الحق سبحانه يرد قاعدة أهل السنة في خلق الأفعال. أما سائر أئمة الاعتزال المرفوضين فإنهم ما أنكروا سبيل أهل السنة لفرط محبتهم الحق، وإنما لقصور عقولهم عن دساتير أهل السنة السامية، وعجز عقولهم الضيقة عن استيعاب قوانين أهل السنة الواسعة. لذا فإن أقوالهم مردودة وهم مطرودون".45 ونحن هنا لسنا نناقش ما وصفه النورسي باللطف الإلهي الذي أعانه على فهم ما حيره من مواقف أهل السنة من المعتزلة، ولكننا نعتقد أنه من الإنصاف عدم الحكم على الناس من خلال النيات والمقاصد لأنها من الغيب الذي تفرد اللّٰه بعلمه لذلك لا يجوز محاكمة من نختلف معه بالاستناد إلى هذا الأمر، بل إن العدل والإنصاف يفرض علينا أن لا نعدد الموازين التي نزن بها أقوال الناس وآرائهم خاصة إذا كانوا من نفس المدرسة أو المذهب، وهو ما لم نجده عند النورسي في "طرده" ورفضه لبقية المعتزلة وهم الذين وصفهم الإمام التفتازاني بقوله: "وأما المعتزلة فقد بالغوا في التوحيد، فنفوا القدم الزماني أيضا عما سوى ذات اللّٰه تعالى، ولم يقولوا بالصفات الزائدة القديمة، إلا أن القائلين منهم بالحال أثبتوا للّٰه تعالى أحوالا أربعة هي: العالمية والقادرية والحيية والموجودية، وزعموا أنها ثابتة في الأزل مع الذات"46 وقال أيضا: "فإن قيل: المعتزلة لا يقولون بالقدرة القديمة. قلنا: لا، بل إنما ينازعون في كونها صفة زائدة على الذات".47

6- التأويل علاج وليس غذاء:

حينما يكتب النورسي عن التأويل الذي وضعه الخلف كمنهج في التعامل مع ما يسمى بمتشابه الصفات، ومتشابه النصوص بصفة عامة، فإنه ينظر إليه كعلاج لما استجد من شبهات تطال العقيدة، بما في ذلك أمراض التشبيه والتجسيم التي غزت عقائد المسلمين، ومع ذلك فإن النورسي يرى ببقاء هذا التأويل في إطاره الطبيعي القائم على الاحتمال وعدم القطع، وبالتالي فلا مشكلة في أن ينهل أهل كل زمان وعصر من متشابهات النصوص ما يناسب زمانهم وأوضاعهم، "إن معنى التأويل لحديث شريف أو لآية كريمة هو: أنه معنى واحد محتمل من عدة معاني محتملة وممكنة."48 وفي ظل هذا التحليل يمكننا أن نفهم -وإن لم نوافق- التأويلات التي قدمها النورسي للنصوص النبوية المخبرة عن أحوال آخر الزمان، والتي كتب حولها رسالة وبين دافعه في ذلك وقال: "وكان أصل هذه الرسالة قد كتب قبل حوالي أربعين سنة حول تأويلات أحاديث متشابهة كانت قد انتشرت بين الناس منذ القديم، ومع أن عدداً من علماء الحديث ضعّفوا قسماً من هذه الأحاديث، إلا أنني قمت بكتابة هذه الرسالة إنقاذاً لأهل الإيمان من الشبهات لأن المعاني الظاهرة لهذه الأحاديث كانت تتسبب في اعتراضات كثيرة عليها، إلا أن قسماً من تأويلاتها الخارقة ظهرت أمام الأعين".49

وبهذا الاعتبار يمكن أن نستوعب القاعدة التي قررها كثير من العلماء ومن بينهم النورسي في كون التأويل علاجا وليس غذاء، أو كونه حلا استثنائيا وليس دائما يُلجأ إليه في حالة الضرورة، فإذا زالت الضرورة عادت الأمور إلى نصابها وطبيعتها من إمرار النصوص المتشابهة كما وردت وتفويض علمها إلى قائلها وهو ما أشار إليه ابن عساكر في قوله: "مثل المتأول بالدليل الواضح كمثل الرجل السابح الذي لا يحتاج السباحة ما دام في البر، ولكن إن ألم به حادث في البحر استعملها للنجاة، ولا يلحقه في ذلك تقصير بل هو الواجب في حقه. وكذلك الموحد إذا تكدر صفاء عقده بكدورة التكييف والتمثيل فلا بد من تصفيته بمصفاة التأويل لتسلم عقيدته من التشبيه والتعطيل".50

7- عرض الصفات الخبرية بمبدأ التنزلات الإلهية إلى عقول البشر:

تؤكّد هذه التنزلات على ضرورة الرجوع إلى أسـاليب العـرب في التخاطب، من أجل الفهم الصحيح لنصوص الوحي الواردة في مسائل العقيدة خاصة تلك المتعلقة بمبحث الصفات الإلهية، ومما يدعو إلى هذه الضرورة أننا صرنا نسمع فيما يعرض من عقـائد التوحيد أن كل نظم قرآني يجب الإيمان به على ظاهره ولـو أدى ذلك إلى التناقض بينه وبين قواطع الأدلة ومحكمات النصوص من القرآن والسنة، والمشكلة أنّ من يعتقد هذا الرأي يستند إلى قضية منع المجاز في القرآن، وعدم الاعتراف بأنّ نصوص ما يعرف عند بعض العلماء بالصفات الخبرية تعد من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا اللّٰه، وهو -عد الصفات من المتشابه- المعتقد الذي سار عليه السلف الصالح حينما تعاملوا مع هذه النصوص بمبدأ التفويض والإيمان الإجمالي، وشعارهم في ذلك "آمنا به وإن لم تدرك عقولنا معناه وكيفيته في حق اللّٰه، لأنه من عند ربنا" والحقيقة أنه بسبب إهمال هذين المسلكين في التعامل مع متشابه الصفات ظهرت دعوة صريحة إلى التشبيه والتجسيم51 مناقضة لعقيدة الإسلام القائمة على التنزيه والتقديس فى باب الإلهيات، وقد أورثت هذه الدعوة بلبلة فكرية وصراعات حادة وتهما بالتجهم والتعطيل لأهل السنة والجماعة والسواد الأعظم، متجاهلين أو جاهلين أن القرآن نزل بلغة العرب، وتخضع معانيه لاستعمال أساليب اللغة العربية من استعارة ومجـاز.

وفي هذا الصدد يقول النورسي: "إن الخاصية المميزة للتنزيل، الإعجاز، والإعجاز يتولد من ذروة البلاغة، والبلاغة مؤسسة على مزايا وخصائص، لاسيما الاستعارة والمجاز. فمن لم ينظر بمنظارهما لا يفوز بمزاياها.. فكم في التنزيل من "تنـزلات إلهية إلى عقول البشر" تسيّل ينابيع العلوم في أساليب العرب تأنيساً للأذهان. والتي تعبّر عن مراعاة الأفهام واحترام الحسيات ومماشاة الأذهان. ولما كان الأمر هكذا... فلا بد لأهل التفسير ألا يبخسوا حق القرآن بتأويله بما لم تشهد به البلاغة. ولقد تحقق أجلى من أية حقيقة كانت، إن معاني القرآن الكريم حق، كما أن صور إفادته للمعاني، بليغة ورفيعة. فمن لا يُرجع الجزئيات إلى ذلك المعدن ولا يلحقها بذلك النبع يكن من المبخسين حقه".52

ويشرح النورسي فكرته عن "التنـزلات الإلهية إلى عقول البشر" بإعطاء مثال عن مسألة من مسائل الصفات الإلهية، كثر الخوض فيها والاختلاف حولها بين المنتسبين لعقيدة التوحيد وهي مسألة الاستواء على العرش فيقول:

"مثلاً: إن الجمهور إنما يتصورون حقيقة التصرف الإلهي في الكائنات بصورة تصرف السلطان الذي استوى على سرير السلطنة، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾،طه:5 وإذا كانت حسيات الجمهور في هذا المركز، فالذي يقتضيه منهج البلاغة ويستلزمه طريق الإرشاد، رعاية أفهامهم واحترام حسياتهم ومماشاة عقولهم ومراعاة أفكارهم. فهذه المنازل التي تراعى فيها عقول البشر وتحترم تسمى بـ "التنزلات الإلهية" فهذا التنزل لتأنيس أذهانهم. فلهذا وضع صور المتشابهات التي تراعي الجمهور المقيدين بأحاسيسهم ومتخيلاتهم منظاراً على نظرهم لرؤية الحقائق المجردة. ولهذا فقد أكثر الناس في كلامهم من الاستعارات لتصور المعاني العميقة أو لتصوير المعاني المتفرقة، في صورة سهلة بسيطة، بمعنى أن هذه المتشابهات من أكثر أقسام الاستعارات غموضاً، إذ أنها صور مثالية لأخفى الحقائق الغامضة، بمعنى أن الإشكال إنما هو من دقة المعنى وعمقه لا من إغلاق اللفظ وتعقيده".53

يقول الجرجاني: "ومن قدح في المجاز وهَمَّ أن يصفه بغير الصدق فقد خبط خبطا عظيما، وتهدف لما لا يخفى..كيف وبطالب الدين حاجة ماسة إليه من جهات يطول عدها. وللشيطان من جانب الجهل به مداخل خفية، يأتيهم منها فيسرق منهم دينهم وهم لا يشعرون؟ ويلقيهم في الضلالة من حيث يظنون أنهم مهتدون".54

8- دلالة الصنع على الصانع في ثوب جديد

ينهج النورسي طريق أهل السنة في إثبات الصفات العقلية بالتدرج انطلاقا من الصنع55 الذي لا يعدوا أن يكون ممكنا يحتاج إلى واجب الوجود في وجوده وبقائه وإمداده بأسباب حياة البدن والروح، ثم ما يستحقه هذا الموجد المتنعم من شكر وعبادة يؤديها الإنسان على الوجه الذي شرعه المعبود. وصورة هذا الدليل أنه لو انتفى شيء من هذه الصفات أو مطلب من مطالبها لما وجد شيء من الحوادث لاستحالة وجود المتوقف بدون المتوقف عليه، إذ وجود العالَم متوقف على اتصاف الفاعل بهذه الصفات، فلو انتفت القدرة لزم العجز، والعاجز لا يوجد شيئا من الحوادث، ولو انتفت الإرادة لانتفى التخصيص فلا يوجد شيء من الحوادث، ولو انتفى العلم لانتفت الحوادث لاستحالة القصد للشيء المجهول، ولو انتفت الحياة لانتفت هذه الصفات فلا يوجد شيء من الحوادث. ونفي الحوادث محال ودليله المشاهدة، فإذا بطل نفي الحوادث بطل انتفاء شيء من هذه الصفات ووجب أن الإله متصف بهذه الصفات وهو المطلوب. وقد صاغ النورسي هذا الدليل بشيء من الجدة في العرض إذ يقول:

"إن المضروب يدل بالضرورة على فاعل، وهو الضارب، والمصنوع المُتْقَنُ يستوجب الصانِعَ المتقِنَ، ووجود الولد يقتضي الوالد، والتحت يستلزم الفوق... وهكذا... وقد أطلق العلماء على أمثال هذه الصفات مصطلح "الأمور الإضافية" أي النسبية، أي لا يحصل الواحد دون الآخر.

فجميع ما في هذه الأمور من "إمكان" سواء في جزئيات الكون أو كلياته، تدل على "الوجوب". وما يُشَاهدُ في الجميع من انفعالات تدل على فعل واحد، وما يشاهد في جميعها من مخلوقية تدل على الخالقية، وما يشاهد فيها من كثرة وتركيب يستلزم الوحدة.

فالوجوب، والفعل، والخالقية، والوحدة، تستلزم بالبداهة والضرورة مَنْ هو الموصوف بــ "الواجب، الفاعل، الخالق، الواحد" الذي هو ليس ممكناً ولا منفعلاً ولا مخلوقاً ولا كثيراً ولا مركّباً. 56

9- تقسيم التوحيد إلى عامي وحقيقي:

يقدم العلامة النورسي مسلكا جديدا في عرض التوحيد، وذلك بتقسيمه إلى نوعين أحدهما توحيد سطحي

تقليدي، والآخر عميق يقيني ويقدم هذين النوعين في شكل مقاربة يفهمها كل الناس على اختلاف مستوياتهم المعرفية والذهنية فيقول: "التوحيد توحيدان، لنوضح ذلك بمثال: إذا وردت إلى سوقٍ أو إلى مدينة بضائع مختلفة وأموال متنوعة لشخص عظيم، فهذه الأموال تُعرف مُلكيتها بشكلين اثنين: الأول: شكل إجمالي عامي [أي لدى العامة من الناس] وهو: "إن مثل هذه الأموال الطائلة ليس بمقدور أحدٍ غيره أن يمتلكها" ولكن ضمن نظرة الشخص العامي هذه يمكن أن يحدث اغتصاب، فيدّعي الكثيرون امتلاك قِطَعها.

الثاني: أن تُقرأ الكتابة الموجودة على كل رزمة من رزم البضاعة، وتُعرف الطغراءُ الموجودة على كل طَول، ويُعلم الختمُ الموجود على كل مَعْلمَ. أي كلّ شيء في هذه الحالة يدل ضمناً على ذلك المالك.

فكما أن البضاعة يُعرف مالكُها بشكلين، كذلك التوحيد فإنه على نوعين:

الأول: التوحيد الظاهري العامي: وهو "أنّ اللّٰه واحد لا شريك له ولا مثيل، وهذا الكون كلّه ملكه".

الثاني: التوحيد الحقيقي: وهو الإيمان بيقين أقرب ما يكون إلى الشهود، بوحدانيته سبحانه، وبصدور كلّ شيء من يد قدرته، وبأنه لا شريكَ له في ألوهيته، ولا معينَ له في ربوبيته، ولا ندَّ له في مُلكه، إيماناً يَهب لصاحبه الاطمئنان الدائم وسكينة القلب، لرؤيته آية قدرته وختمَ ربوبيته ونقشَ قلمه، على كل شيء. فينفتح شباكٌ نافذٌ من كل شيء إلى نوره سبحانه".57

10- عرض الأبعاد التربوية للتوحيد:

ليس التوحيد مجرد كلمة نقولها وفكرة نعتقدها بقلوبنا فقط، وإنما هو دستور شامل لكل جوانب الحياة البشرية بما فيها ضرورة الاجتماع حتى مع وجود الاختلاف، وللنورسي كلام جميل في الدعوة إلى الوحدة الإيمانية والمحبة في اللّٰه حيث يقول: "فيا أهل الحق الذين هم أهل السنة والجماعة! ويا أيها الشيعة الذين اتخذتم محبة أهل البيت مسلكاً لكم! ارفعوا فوراً هذا النزاع فيما بينكم، هذا النزاع الذي لا معنى له ولا حقيقة فيه، وهو باطل ومضر في الوقت نفسه. وإن لم تزيلوا هذا النزاع فإن الزندقة الحاكمة الآن حكماً قوياً تستغل أحدكما ضد الآخر وتستعمله أداة لإفناء الآخر، ومن بعد إفنائه تحطّم تلك الأداة أيضا. فيلزمكم نبذ المسائل الجزئية التي تثير النزاع، لأنكم أهل التوحيد بينكم مئات الروابط المقدسة الداعية إلى الأخوة والاتحاد".58

الخاتمة:

إذا كان الرسل عليهم الصلاة والسلام وهم القدوة في التجديد وبعث دعوة الإسلام والتوحيد قد نادى كل واحد منهم أن "ما كنت بدعا من الرسل" فالأولى أن يكون ورثتهم من العلماء الربانيين حاملين للشعار نفسه، ولهذا فحين نتحدث عن التجديد الذي جاء به المصلحون عبر تاريخ الأمة، فإنه لا يجوز لنا أن نعزله عن هذه الحقيقة "ما كنت بدعا من الرسل" ولكن السؤال الذي ينبغي طرحه: هل التجديد في طرق العرض والتقديم يعد بدعة سيئة يذم صاحبها؟ لا شك أن الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى محاضرة أو كتاب، لأن هذه الإجابة يتجاذبها طرفان معروفان في الساحة الإسلامية، ولكن الذي عليه الجمهور وتؤيده الأدلة، وتشهد له الأصول والمحكمات أن نشر الإسلام وإيصال دعوة التوحيد إلى الناس، غاية ينبغي على المسلمين تحقيقها بأي طريقة لا تتعارض أو تتناقض مع أصول الشريعة وكلياتها، وبالتالي فالاختلاف الذي لمسناه في طريقة عرض الإلهيات من عالم إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى، لا يعبر عن منقصة أو قصور في الدين بقدر ما يعبر عن كمال هذا الدين وصلوحيته لكل زمان ومكان، كما يعبر من ناحية ثانية على الحضور الذهني والوجداني لهؤلاء المصلحين، وأنهم كانوا أبناء لحظتهم وزمانهم حينما أجابوا على أسئلة راهنهم بلغة يفهمها السائل، ولا يهم إن كانت مختلفة عن لغة من سبقهم ما دامت تحقق نفس المقاصد وتنشد نفس النتائج. وقد صدق رسول اللّٰه صلى الله عليه وسلـم حين وصف القرآن بأنه كتاب لا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد، وفي ظل المعاني السابقة يمكن تلخيص عناصر العرض النورسي لدرس الإلهيات في النقاط الآتية:

1- عاش العلامة بديع الزمان النورسي في ظل ظروف سياسية ودينية خاصة، تميزت بسقوط الخلافة العثمانية، وانتشار الإلحاد الديني والفكر الشيوعي بين فئام عريض من الشعب التركي.

2- وجود هجمة شرسة على الإيمان وأهله من قبل الكماليين أتباع أتاتورك، وما صحب هذه الهجمة من إسقاط لشعائر الإسلام وأحكامه، فضلا عن وجود صراع مذهبي بين المتدينين زاد من اتساع الخرق على الراقع.

3- التركيز على قضية "إنقاذ الإيمان" من شبح الإلحاد الذي خيم على تركيا، وأراد أن يجتلي شعبها المسلم عن فطرة الإسلام والتوحيد.

4- التجديد والتميز الذي اختص به النورسي في عرض درس الإلهيات لم يخرج عن أطر القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلـم، وإن كان بلغة العصر المتوافقة مع أسئلة الراهن وإشكالات الواقع.

5- التكوين المعرفي الواسع الذي تلقاه النورسي في مرحلة الشباب "سعيد القديم" أعانه على استثمار علوم المنطق والفلسفة والطب والصيدلة... في تقريب حقائق الإيمان من الأذهان والدفاع عنها ضد الشبهات.

6- من صور التجديد في العرض إصرار الأستاذ النورسي على إلزام البشرية بحاجتها إلى التوحيد انطلاقا من المبدأ البراغماتي النفعي الذي تؤمن به، وهو مبدأ الربح والخسارة، وهو ما يعد صياغة متجددة للآية القرآنية: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.سبأ:24

7- تشبيه القرآن الكريم بالمصل المضاد الخالي من المضاعفات السلبية والذي ينبغي أن يحقن به أفراد الأمة الإسلامية ليحصلوا على المناعة الضرورية الواقية من أوبئة الاعتقاد كالشبهات والأفكار الإلحادية.

8- تمييز جهود المتكلمين المتقدمين، بالاستفادة من الصالح، وطرح ما لا فائدة منه، كالمسائل والقضايا الجدلية التي ماتت بموت أصحابها.

9- التركيز على مبدأ استيعاب المخالف في المذهب، والابتعاد عن الروح العدائية الاقصائية التي لم تزد الأمة الإسلامية إلا شتاتا وضعفا.

10- التركيز على الأبعاد الوظيفية (المعرفية والتربوية) للتوحيد، لأن التوحيد في آخر المطاف اعتقاد في الجنان، يظهر على فلتات اللسان، وينعكس على حركات الأركان.

وصلى اللّٰه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته واهتدى بهديه ودافع عن دينه إلى يوم الدين.

* * *

الهوامش:

1 أستاذ بجامعة الجزائر -بن يوسف بن خده-.
2 الأولى بعنوان: "علاقة العلم بالإيمان ودورهما في إعطاء معنى للوجود" قدمت للمؤتمر العالمي التاسع حول العلامة بديع الزمان النورسي الذي نظمته مؤسسة إسطنبول للثقافة والعلوم أيام 3،4،5 أكتوبر 2010م. الثانية: بعنوان: "الأبعاد التربوية في درس العقيدة عند بديع الزمان النورسي"، مجلة النور للدراسات الحضارية العدد الثالث الصادر في شهر يناير 2011م.
3 أخرجه أبو داود في سننه.
4 هو أبو البهاء ضياء الدين المشهور بمولانا خالد الشهرزوري (1190 - 1242هـ) مجدد عصره، من أئمة الطريقة النقشبندية، فاق علماء عصره في العلم والتقوى، ربّى كثيراً من الأولياء. تلقى الدرس من عبد اللّٰه الدهلوي. توفى في الشام. وجبته هذه ورثتها السيدة "آسيا" واحتفظت بها حتى أهدتها إلى أحد طلاب النور في "اسپارطة" ليسلّمها هدية إلى الأستاذ النورسي الذي احتفظ بها حتى وفاته.
5 سيرة ذاتية ص4
6 الغارة على العالم الإسلامي، أ. ل شاتليه ترجمة مساعد الياقي ومحب الدين الخطيب (المطبعة السلفية ومكتبتها - القاهرة ط 1350 هـ) ص13
7 الكلمات ص898
8 سيرة ذاتية ص26
9 المكتوبات ص417
10 سيرة ذاتية ص4
11 سيرة ذاتية ص199
12 المصدر السابق ص371
13 الشعاعات ص604
14 الشعاعات ص628
15 سيرة ذاتية ص217
16 اللمعات ص38
17 المكتوبات ص 341
18 سيرة ذاتية ص6
19 مفاتيح الغيب فخر الدين الرازي [دار إحياء التراث العربي - بيروت الطبعة: الثالثة - 1420 هـ ج20 ص286
20 سيرة ذاتية ص4
21 الملاحق ملحق قسطموني ص 196
22 ملحق قسطموني ص 196
23 الملاحق ملحق قسطموني ص 196، 197
24 ينظر مثلا: شرح المقاصد سعد الدين التفتازاني ج5 ص 11 وما بعدها
25 الكلمات ص 14
26 الكلمات ص533
27 المصدر السابق ص445
28 المكتوبات ص50، 54
29 الكلمات 226
30 سيرة ذاتية - ص: 62
31 المصدر السابق ص30
32 الكلمات، الكلمة الثالثة عشرة - ص: 175
33 الكلمات الكلمة العشرون - ص: 290
34 الكلمات الكلمة الثانية والثلاثون - ص: 719
35 الكلمات الكلمة الثالثة عشرة - ص: 177
36 الكلمات الكلمة الثالثة والثلاثون - ص: 787
37 الكلمات الكلمة الثالثة والثلاثون - ص: 809
38 الكلمات الكلمة الثالثة والثلاثون - ص: 823
39 المثنوي العربي ص203
40 عدد المسلمين في عصره
41 صيقل الإسلام ص 245
42 المرجع السابق ص246
43 المرجع السابق ص247
44 المكتوبات ص587
45 المرجع السابق الموضع نفسه
46 شرح المقاصد التفتازاني ج2 ص9
47 المرجع السابق ج2 ص356
48 الشعاعات ذيل ص 458
49 الشعاعات ص511
50 تبيين كذب المفتري ابن عساكر ص 363
51 أثناء عرضي لدرس الإلهيات في مادة العقيدة الإسلامية على مشرب أهل السنة والجماعة ركزت للطلبة على أن المنهج الأقوم في عرض الصفات الإلهية خاصة الخبرية منها يقوم على أساسين هما التفويض والتأويل فتفاجأت بطالب يرفع يده ويسأل: يا أستاذ ما المانع من إثبات عضو وجارحة للّٰه عز وجل تليق بجلاله، ما دام اللّٰه قد أخبر في القرآن بأن له يدا ووجها وعينا! فقلت له اختصارا: وماذا تفعل بقوله عز وجل: ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾ والقاعدة العامة في هذا الباب أن كل ما خطر ببالك من تصورات التجسيم والتمثيل فاللّٰه بخلاف ذلك.
52 صيقل الإسلام ص85
53 صيقل الإسلام ص153
54 أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني، تعليق محمود محمد شاكر ( الناشر دار المدني بجدة دون تاريخ ص391
55 ينظر مثلا الكلمات الكلمة العاشرة ص 118 الكلمة الثانية والعشرون ص 342 وما بعدها، اللمعات اللمعة الثلاثون ص 566
56 الكلمات ص 816
57 الكلمات ص325-328
58 اللمعات اللمعة الرابعة ص 38


 

أرشيف الدراسات

11 - وقفات مع بعض عناصر القوة المعنوية
. جمالية المضمون العلمي في رسائل النور أصولها وملامحها
. درس الإلهيات عند النورسي معالم المنهج ومؤشرات التجديد
. نقد الْحَضَارَةِ الغربية وتقويمها فِكْرِ الإِمَامِ سَعِيدِ النُّورْسِي
10 - عنوان الملف: الأخلاق والوراثة
. البناء النصيّ للقرآن الكريم بين الوفاء للحقيقة واتّساع المعنى
. النورسي رجل الحوار والإقناع
. توحيد القلوب في رسائل النور
9 - المقاصد في رسائل النور
. العقل المؤيد بالإيمان عند الإمام النورسي أو اتصال الآيات والقيم
. مسألة الشر والسيئات وعلاقتها بالعدالة الإلهية في الخلق...
. الثنائي البلبل والوردة تعبيرا عن الحب القائم بين الخالق والمخلوقات...
. النورسي والتصوف أو من توحيد الولي، إلى توحيد الصفي
. النورسي من برزخ التصوف إلى معراج القرآن
. الرؤية الكونية للأخلاق عند النورسي وأثرها في بناء الإنسان
8 - أسرار العبرة والتعبير في رسائل النور
. اعتبار المآل واستشراف المستقبل عند بديع الزمان النورسي
. مشكلة الثقافة والحضارة في العالم الإسلامي من منظور مالك بن نبي
. مظاهر الجمالية في المحن والابتلاءات من خلال سيرة النورسي
7 - النورسي والتصوف
. منهجية النورسي في الاستدلال على الحياة الآخرة
. وقفات مع رسالة الإجتهاد للأستاذ النورسي
. المنظومة الأخلاقية عند النورسي
. النظرة الشمولية إلى العدالة عند النورسي
6 - دعوة رسائل النور
. أصلح نظام لتسيير العالم الإنساني اليوم هو الإسلام
. منهج البحث الدلالي في دراسات أوزيستو القرآنية والصوفية
. أصول التفكر في رسائل النور
. رؤية الامام النورسي للربا
5 - الرؤية الحضارية في رسائل النور
. الرؤية النُورسية لبعض القضايا الحضارية الشائكة
. من معالم التجديد عند النورسي
. العدالة الإلهية وإشكالية الشر في فكر الأستاذ النورسي
4 - أسس التربية في رسائل النور
. سعيد النورسي خزانة تنتظر الاكتشاف
. ملامح تجدد خطاب النورسي في مواجهة تحديات العصر
. دراسة عن أسلوب الحوار في القرآن الكريم
. مبادئ الإنسانية وتحديات العصر في نظرية سعيد النورسي
3 - أسس التربية في رسائل النور
. النورسي ودعوته
. سياسة العالم الإسلامي في القرن العشرين في نظر النورسي
. تربية الطفل وأساليبها في التشريع الإسلامي
2 - التعليم في رسائل النور
. حركة التجديد والإصلاح في أواسط القرن العشرين
. القضايا الأساسية للعالم الإسلامي وطرق حلها في نظر بديع الزمان
. مناجاة فكرية بين الإمام الغزالي والشيخ النورسي
1 - المنهجية في رسائل النور
. ثورة الإيمان
. مفاهيم المشروع النهضوي الإسلاميّ المعاصر -نقد وتوجيه-
. فصل المقال فيما بين فلسفة البشر وحكمة القرآن من الانفصال

النور للدراسات الحضارية والفكرية
 المركز الرئيسي:  

Kalendarhane Mah. Delikanli Sk. No: 6
Vefa 34134 Fatih - Istanbul / TURKIYE
 Phone: +90 212 527 81 81 - Fax: +90 212 527 80 80