نقد الْحَضَارَةِ الغربية وتقويمها فِكْرِ الإِمَامِ سَعِيدِ النُّورْسِي

نقد الْحَضَارَةِ الغربية وتقويمها

فِكْرِ الإِمَامِ بديع الزمان سَعِيدِ النُّورْسِي

 

ABSTRACT

Adjustment, Amendment, and Correction of Western Civilization in Nursi's Thought

Prof. Dr. BinIsa Ahmad Buyuzan

Said Nursi describes civilization from a functional perspective and concent-rates on the ways it serves people. In this respect, it can be seen that he under-stands the term civilization wholly. With this comprehensive understanding, he has carefully approached all features of European Civilization, and by observing its effects on a broader scope, has found the reasons behind its flawed parts. According to Nursi, the foremost flaws of European Civilization are its estran-gement from, and denial of God. Nursi's explanation of civilization also includes the truth and analysis of an ideal civilization. While comparing Islamic and Western Civilizations, he puts forth the flaws in Western Civilization, and discusses the principles of its counterpart.

Nursi thinks about the principles of Western Civilization and researches whether they could provide the cause of true happiness in people. However, he sees that Western Civilization is incapable of making people truly happy, as this civilization has corrupt principles, and drives people to sin and godlessness. For this reason, he rejects many parts of Western Civilization, and opposes all of its flaws with fervor. On the other hand, Nursi believes this civilization has some positive parts and does not reject them. He rejects principles, goals, and negative values of European Civilization. By touching on the main principles of Islamic Civilization, Nursi states that true happiness can only be obtained through faith in God. Accordingly, Islamic Civilization enjoys and benefits greatly from faith, for it grants eternal happiness in two worlds to those who embrace it.

* * *

 ملخص البحث

أ.د. بنعيسى أحمد بويوزان1

قام الأستاذ النورسي رحمه اللّٰه بتعريف مفهوم الحضارة تعريفا جامعا شاملا، مما جعله يستوعب المفهوم ويعالجه بحكمة وعمق شديدين، كل هذا جعله يدرك خبايا الحضارة الأوربية ويرصد مظاهرها رصدا شاملا وعميقا للغاية، ويضع أصابعه على مكامن الداء فيها، فيكتشف أنها حضارة رفعت شعار الإلحاد، وقد كان حديثه مبنيا على منهج دقيق ابتداء من تعريف الحضارة الأوربية، إلى أن طرح البديل الحضاري الحقيقي لها. فحين جال بفكره ونظره في مقومات الحضارة الغربية، وبحث عن السعادة الإنسانية الحقيقية فيها، لم يجد فيها إلا الزيف والسفاهة والإلحاد، فكان طبيعيا أن يرفضها ويقف ضدها بكل ما أوتي من قوة - لكن التزامه العميق بالمنهج العلمي الدقيق، وبالعدل في التعامل مع كل شيء، جعله ينبه على أن ما يرفضه من الحضارة الأوروبية واضح ومحدد كل الوضوح، درءا لمظنة سوء الفهم، ونجد أن الأسس التي تنبني عليها الحضارة الغربية وكذا نقط استنادها وهدفها ودستورها في الحياة ورابطتها السلبية هي الأسباب التي جعلت الأستاذ النورسي يرفضها. فهي تعاكس تماما نظرة الإسلام لمفهوم الزكاة والإرث وحجاب المرأة. لذلك دعا إلى حضارة مؤمنة تضمن السعادة الحقيقية للبشرية، حضارة تشربت لذة الإيمان وتغذت منه، فتستمتع بحياتها الدنيوية، كما ستتمتع بحياتها الأخروية.

* * *

توطئة

جرت عادة الإمام بديع الزمان سعيد النورسي رحمه اللّٰه، أنه لا يخوض في قضية من القضايا -في كل ما كتبه- مهما كانت طبيعتها، إلا بعد أن يحدد مفهومها في نظره وتفكيره بدقة ووضوح؛ ذلك أن وعيه، رحمه اللّٰه، بأهمية تحديد المفاهيم والمصطلحات في عرض القضايا المختلفة ومعالجتها بعمق قبل إبداء الرأي فيها، جعله يولي دقة التعريف وضبط المفهوم، اهتماما بالغا.

يظهر توظيف هذا المسلك بعرض القضية محل الدراسة" الحضارة الغربية والمدنية الأوربيةّ" بتفصيل يخدم الفكرة التي رام بيانها، فتجلت من خلال استقراء رسائله -رحمه اللّٰه- عنايته الفكرية الكبيرة واسعة بموضوع التحليل، خاصة وأنه كان متابعا بعمق شديد موضع العالم الإسلامي يومئذ في خريطة العالم على كل الأصعدة، سياسيا وعسكريا وثقافيا، وحضاريا، على وجه العموم؛ فقد حملت الأوضاع الجديدة للعالم الإسلامي مفاهيم وقضايا مَفْصَلِيَّةً، كانت سببا مباشرا لتأزيم الوضع الإسلامي في كثير من المناحي، نتيجة سوء فهم كثير من المسلمين، وغير المسلمين من العرب، لمعالم الحضارة الجديدة، ولأبعادها المختلفة التي كانت تخفي بين طياتها ما تخفيه من كيد للعالم الإسلامي، وهو ما شغل بال الإمام النورسي رحمه اللّٰه ودفعه للتفكير بعمق في علاقة الحضارة الأوروبية بالعالم الإسلامي.

عالج -رحمه اللّٰه- الموضوع بحكمة وعمق شديدين، مبيّنا أبعاد العلاقة بين العالمين الغربي والإسلامي، مدافعا عن رأيه بقوة الحجة والبرهان، وخاصة بعدما أدرك خبايا الحضارة الأوربية، واستشرف مستقبلها.

يتجلى من تتبع ما كتبه عن الحضارة الأوربية في علاقتها بالعالم الإسلامي وبالحياة الإنسانية عموما، عنايته المنهجية الدقيقة ابتداء من تعريف الحضارة الأوربية، إلى عرض البديل الحضاري.

لأجل الخلوص إلى المراد سأعرض موضوع الدراسة من خلال العناصر الآتية:

أولا: مفهوم الحضارة عند النورسي.

ثانيا: أسباب رفض الإمام النورسي رحمه اللّٰه للحضارة الغربية.

1- الطبيعة الإلحادية للحضارة الغربية.

2 - الحضارة الغربية والقيم والأخلاقية.

أ - منزلة المال في الحضارة الغربية.

ب - الحضارة الغربية ونظام الإرث.

ج - الحضارة الغربية والمرأة.

ثالثا - أساليب دفع مفاسد الحضارة الغربية.

1 - تصفية المدنية الغربية بمصفاة الشريعة الإسلامية.

2 - الدعوة إلى حضارة مؤمنة.

3 - الحضارة المؤمنة والسعادة البشرية الحقيقية.

الخاتمة

أولا: مفهوم الحضارة عند النورسي رحمه الله

يعرِّف الإمام النورسي رحمه اللّٰه الحضارة تعريفا جامعا ومختصرا، يركّز فيه على الجوانب الوظيفية، التي يستجلب بها ما ينفع الأسرة الإنسانية من المناحي الإيجابية النافعة من التجربة البشرية عموما والتجربة الحضارية الغربية على الخصوص، منبها في الوقت نفسه إلى الحضارة الحقة، و الحقيقة بالعناية، يستفاد هذا المعنى من قوله: "إنّ قصدنا من المدنية هو محاسنها وجوانبها النافعة للبشرية"،2 وقال في موضع آخر: "تسعى المدنية الحقيقية لترقية النوع الإنساني وتدفعه إلى التكامل، وتخرج ماهيته النوعية من القوة إلى الفعل، لذا فإن طلب المدنية والسعي لها انطلاقاً من هذه الزاوية يعدّ سعياً نحو الإنسانية"،3 فيتضح بأن مفهوم المدنية والحضارة لديه رحمه اللّٰه، إنما يقاس يما يقدّمه من منفعة للبشرية والإنسانية عامة، والسعي نحو إسعادها سعادة حقيقية من جميع الجوانب.

جعل النورسي ترقية الجوانب الإنسانية والتكامل بين مكوّناتها المادية والمعنوية ركنا أساسيا في تقويم الحضارة والمدنية، لهذا تقاس الحضارة بما تقدّمه للأسرة الإنسانية من جهة رفع إنسانية الأفراد والمجتمعات.

بناء على الضوابط السابقة انطلق في تقويم الحضارة والدنية الغربية، فحين جال بفكره ونظره في مقومات الحضارة الغربية، وبحث عن السعادة الإنسانية الحقيقية فيها، لم يجد فيها إلا الزيف والسفاهة والإلحاد، فكان عاديا أن يرفض جوانبها السلبية ويقف ضدها بكل ما أوتي من قوة -كما سيأتي مفصلا بعد قليل -إن شاء اللّٰه تعالى- لكن دِقَّتَهُ رحمه اللّٰه، والتزامه العميق بالمنهج العلمي الدقيق، وبالعدل في التعامل مع كل شيء، نجده رحمه اللّٰه ينبه على أن ما يرفضه من الحضارة الأوروبية واضح ومحدد كل الوضوح وكل التحديد، درءا لمظنة سوء الفهم، وتفاديا لمقالة لسوء فهم المراد، فقال رحمه اللّٰه: "ولئلا يُساء الفهمُ لابد أن ننبه: إنّ أوروبا اثنتان: إحداها: هي أوروبا النافعة للبشرية، بما استفاضت من النصرانية الحقة، وأدّت خدماتٍ لحياة الإنسان الاجتماعية، بما توصلت إليه من صناعاتٍ وعلومٍ تخدم العدل والإنصاف، فلا أخاطب -في هذه المحاورة- هذا القسم من أوروبا؛ إنما أخاطب أوروبا الثانية تلك التي تعفّنت بظلمات الفلسفة الطبيعية وفسدت بالمادية الجاسية، وحَسِبَتْ سيئات الحضارة حسناتٍ لها، وتوهّمت مساوئها فضائل، فساقت البشرية إلى السفاهة وأردتها الضلالة والتعاسة."4 وزاد الأمر وضوحا في موضع آخر، فقال، رحمه اللّٰه: "إن أوروبا اثنان: أحدهما: نافع للبشر باستفادته من الدين العيسوي والمدنية الإسلامية، أظهر بإحسان اللّٰه ما يستريح به البشر في هذه الحياة... وأوروبا الثاني: خالفت الأديان السماوية واستندت إلى الفلسفة الطبيعية المادية وغلبت سيئات المدنية حسناتها، وصارت سبباً لمشقة أكثر البشر وشقاوتهم، فاني أخاطب هذا القسم الثاني."5

بيّن مما سلف أنّ النورسي رحمه اللّٰه يعرف جيدا من يخاطب في كلامه، حين يقف موقف الرافض للحضارة الأوربية، فأوربا ليست كلها سوءات ولا جميعها سواء، بل إنها تجمع بين شقين في غاية التناقض والتباعد، شق حمل فعلا يوما مشعل الحضارة والمنفعة إلى الإنسانية، وقد ولَّى وغاب عن المسرح الأوربي الآن، فحل محله شق فاسد، أفسد البشرية والإنسانية بما حمله معه من إلحاد وتدمير للقيم الإنسانية النبيلة، وبالتالي فإنه رحمه اللّٰه رفض هذا النمط من الحضارة الأوروبية، بل ووقف في وجهه بكل ما أوتي من قوة وحجة، أملا في تحصين العالم الإسلامي من الجوانب الخبيثة من هذه الحضارة، وإبعاد شبح الفساد والإفساد عنه، حتى إنه قال رحمه اللّٰه، إمعانا منه في التنفير مما يُرَوَّجُ له على أنه حضارة أوربية إنسانية: "إن كانت المدنية الحاضرة هي التربة الخصبة لإنماء مثل هذه التصرفات التي تمس الكرامة الإنسانية وتعتدي عليها.. وهذه الافتراءات التي تؤدي إلى النفاق... وهذه الأفكار التي تغذي الحقد والانتقام... وهذه المغالطات الشيطانية والتحلل من الآداب الدينية... إذا كانت هذه هي المدنية، فليشهد الجميع بأنني أفضّل قمم الجبال الشاهقة في الشرق، وأفضّل حياة البداوة في تلك الجبال في بلدي حيث الحرية المطلقة، على موطن النفاق الذي تسمّونه أنتم قصر المدنية. إن حرية الفكر وحرية الكلام وحسن النية وسلامة القلب التي لم أشاهدها في هذه المدنية الدَّنِيَّة، مستولية على جبال شرقي الأناضول بكل معانيها".6

واضح مما سبق بيانه بأن الإمام النورسي رحمه اللّٰه يرفض ما يروج له على أنّه حضارة، ما دامت تسعى إلى النيل من الكرامة الإنسانية، وتتحلل من الدين، وتتمرد على كل الأخلاق والقيم الإنسانية التي تسعد حقا بني الإنسان في كل زمان وكل مكان.

التزام الإمام النورسي رحمه بالمنهج العلمي الدقيق إلى أبعد الحدود، دفعه إلى عرض موقفه بشكل دقيق من الحضارة الغربية، ويعلل بصراحة وقوة أيضا، أسباب رفضه لهذه المدنية، وهو ما يتضح من الفقرة التالية.

ثانيا: أسباب رفض الإمام النورسي رحمه الله للحضارة الغربية

حدّد النورسي أسباب موقفه الرافض للحضارة الغربية في عمدها، فقال: "إن أسس المدنية الحاضرة سلبية، وهي أسس خمسة، تدور عليها رحاها.

فنقطة استنادها: القوة بدل الحق، وشأن القوة الاعتداء والتجاوز والتعرض، ومن هذا تنشأ الخيانة.

هدفها وقصدها: منفعة خسيسة بدل الفضيلة، وشأن المنفعة: التزاحم والتخاصم، ومن هذا تنشأ الجناية.

دستورها في الحياة: الجدال والخصام بدل التعاون، وشأن الخصام: التنازع والتدافع، ومن هذا تنشأ السفالة.

رابطتها الأساس بين الناس: العنصرية التي تنمو على حساب غيرها، وتتقوى بابتلاع الآخرين وشأن القومية السلبية والعنصرية: التصادم المريع، وهو المشاهد، ومن هذا ينشأ الدمار والهلاك.

وخامستها: هي أن خدمتها الجذابة، تشجيع الأهواء والنوازع، وتذليل العقبات أمامهما، وإشباع الشهوات والرغبات؛ وشأن الأهواء والنوازع دائماً: مسخ الإنسان، وتغيير سيرته، فتتغير بدورها الإنسانية وتمسخ مسخاً معنوياً.

إن معظم هؤلاء المدنيين، لو قلبتَ باطنهم على ظاهرهم، لرأيت في صورتهم سيرة القرد والثعلب والثعبان والدب والخنزير."7 وبعدما حدد هذه الأسس الثابتة في حضارة الغرب، شرع في شرح تجليات هذه الأسس المتحكمة في الحياة الأوروبية كلها، من خلال مظاهر عديدة، تحدث عنها بإسهاب في مختلف مؤلفاته رحمه اللّٰه، والتي يمكن إدراجها في محاور كبرى، هي:

1- الطبيعة الإلحادية للحضارة الغربية:

ركز النورسي رحمه اللّٰه كثيرا على بيان الطبيعة الإلحادية للحضارة الغربية، فما عرضها من هذه الزاوية إلا وربط الحضارة الغربية بالكفر والإلحاد، والخروج عن الفطرة الإنسانية التي فطر اللّٰه جل وعلا الناس عليها، وعَدّ هذه الميزة سببا كافيا لرفض هذه الحضارة من أساسها، لأنها مضادة للفطرة الإنسانية، بل إنها تسعى إلى مسخها وتدميرها، على الرغم مما يروجه لها أَدْعِيَاؤُها من شعارات الحرية والكرامة والرُّقي وما إلى ذلك، مما دعاه إلى نقدها وبيان مواطن الخلل فيها، كما سيتبين من خلال الفقرات الآتية بإذن اللّٰه تعالى، يستفاد هذا المعنى من قوله رحمه اللّٰه: "إن المدنية الغربية الحاضرة لا تلقي السمعَ كلياً إلى الأديان السماوية؛ لذا أوقعت البشرية في فقرٍ مدقع، وضاعفت من حاجاتها ومتطلباتها، وهي تتمادى في تهييج نار الإسراف والحرص والطمع عندها بعد أن قوضت أساس الاقتصاد والقناعة، وفتحت أمامها سُبل الظلم وارتكاب المحّرمات؛ زد على ذلك فقد ألقت -بذلك- الإنسان المحتاج المسكين في أحضان الكسل والتعطيل المدمّر، بعد أن شجعته على وسائل السفاهة، وهكذا بددت الشوق لديه إلى السعي والعمل، فأضاع الإنسان عمره الثمين سدىً باتباعه هوى المدنية الحاضرة وبسيره وراء سفاهتها ولهوها، زد على ذلك فقد ولّدت المدنية الغربية الحاضرة في إنسان عصرنا المعوز العاطل أمراضاً وأسقاماً وعللاً، إذ أصبحت وسيلةً، إلى انتشار مئات من الأوبئة المعنوية في أرجاء المعمورة، بثتها في الأوساط بسوء الاستعمال والإسراف.

ففضلاً عن هذه العلل الثلاثة التي ولّدتها المدنية وهي الحاجة الماسة والميل إلى السفاهة، وكثرة الأمراض المذكّرة بالموت، فإنه بتفشي الإلحاد وتوغله فيها استيقظت البشرية من غفوتها، وإذا بالمدنية تهددّها باستمرار، بإظهار الموت تجاهها إعداماً أبدياً، فجرّعتها نوعاً من عذاب جهنم في الدنيا."8 فانتشار الإلحاد في الحضارة الغربية، حمل معه انتشار جملة من الأمراض الفكرية والثقافية، بل والعضوية أيضا في الجسم الأوربي، ففساد المنبع، يستدعي بالضرورة فساد ما ارتبط به من مجالات الحياة كلها، لأن الإنسان الأوروبي قد قطع الصلة أصلا بربه ومولاه عز وجل، فضاع بين الحيرة والتيه الذي حملتهما هذه الحضارة المزيفة، يؤكد هذه المعاني قول الأستاذ رحمه اللّٰه: "نعم! إن هذا الإلحاد ومجافاة الدين قد سبب فوضىً في المدنية الأوروبية، وقلبها رأساً على عقب، بحيث ولّد كثيراً من المنظمات الفوضوية وهيئات الإفساد والإضلال، فلو لم يُلجأ إلى حقيقة الشريعة الغراء، ولم يُتحصن بذلك الحبل المتين ولم يوضع سدٌّا تجاه هذه المنظمات الفوضوية كسد ذي القرنين، فستدمّر تلك المنظمات عالم مدنيتهم وتقضي عليها، كما يهددونها حالياً."9 فكانت النتيجة الحتمية لهذا الإلحاد الحضاري في أوربا، أن ما يُتَوَهَّمُ على أنه حضارة أو مدنية، ما هو في الواقع إلا توحش وانحدار بالإنسانية إلى أدنى مستوياتها، وعلى كل الأصعدة، يقرر الأستاذ هذه الحقيقة بقوله: "فشاهدت أن ما يزعم أهل المدنية: ترقيا ما هو إلاّ سقوط، واقتداراً ما هو إلا ابتذال، وانتباهاً ما هو إلاّ انغماس في نوم الغفلة، و 'نزاكة' ما هي إلاّ رياء نفاقي، و 'ذكاوة' ما هي إلاّ دسيسة شيطانية، وإنسانية ما هي إلاّ قلب الإنسانية حيوانيةً، لكن يلوح على هذا الشخص الساقط العاصي لوائح اللطافة والجاذبية لاختلاط لطائفه النورانية بنفسه الظلمانية؛ خلافاً للمتدين المطيع الذي عند الباب نفسهُ المتكدرة فقط، إلاّ أنه قد يتنازل لطائف الصالح أيضاً، لا للهوسات السفلية، بل لإرشاد الناس الخارجين من الحدود وإمدادهم بإرجاعهم إلى ما هم خلقوا لأجله، إن اللّٰه سبحانه، إذا أحب عبداً لا يحبب إليه محاسن الدنيا بل يُكرهها إليه بالمصائب.

أيواه! واأسفا!. قد أظهرت هذه المدنية السفيهة خوارق جلابة وملاهي جذابة، يتساقط إليها سكان قصور الإنسان ومخدراتها، كتساقط الفراش على النور المشرق المنقلب إلى النار المحرقة..."10

الحضارة الأوروبية في أدبيات الأستاذ دلست على الإنسانية جمعاء بشعاراتها البراقة، ولَبَّسَتْ عليها حقيقتها بلبوس المكر والخداع،11 فجردت الإنسان من إنسانيته المكرمة، وأحلّت محلها حيوانية في الأخلاق والمعاملات، فأصبح لاهثا وراء إشباع الغرائز والشهوات بلا حدود، ثم إن الإمام النورسي رحمه، بنزعته الإنسانية العميقة، قد أشفق حتى على ذلك الإنسان الأوربي نفسه، قبل أن يشفق على غيره من بني البشر، لأنه اكتوى بنار الخديعة الأوروبية، وسقط في فخ الخديعة والزيف، قال رحمه اللّٰه: "فيمكن القول بلا شك أن ما يكابده المظلومون من النصارى المنتسبين إلى سيدنا عيسى عليه السلام والذين يعيشون الآن في ظلمات تشبه ظلمات 'الفترة' وما يقاسونه من الويلات تكون بحقهم نوعاً من الشهادة، ولاسيما الكهول وأهل النوائب والفقراء والضعفاء المساكين الذين يقاسون النكبات والويلات تحت قهر المستبدين والطغاة الظالمين؛ وقد بلغتني من الحقيقة: إن تلك النكبات والويلات كفارة بحقهم من الذنوب المتأتية من سفاهات المدنية وكفرانها بالنعم، ومن ضلالات الفلسفة وكفرها، لذا فهي أربح لهم مئة مرة."12 وفي موضع آخر قال رحمه اللّٰه وقد أجاد، وهو يعلل أسباب المصائب والنكبات والحروب التي اجتاحت أوروبا: "إن ضلال البشرية وعنادها النمرودي وغرورها الفرعوني، تضخّم وانتفش حتى بلغ السماء ومسّ حكمة الخلق، وأنزل من السموات العلا ما يشبه الطوفان والطاعون والمصائب والبلايا.. تلك هي الحرب العالمية الحاضرة، إذ أنزل اللّٰه سبحانه لطمة قوية على النصارى بل على البشرية قاطبة، لأن أحد أسبابها التي يشترك فيها الناس كلهم هو الضلال الناشئ من الفكر المادي، والحرية الحيوانية، وتحكّم الهوى."13

2- الحضارة الغربية والقيم والأخلاقية:

نبّه الأستاذ لأهمية القيم الأخلاقية بالنسبة للحضارة وفق النمط الموضوعي الذي يتصوره، لما لهذا العنصر من أهمية خاصة في معالجة النورسي لمفاسد الحضارة الغربية، خاصة وأنه ربط بين هذه الحضارة والعالم الإسلامي، سعيا منه رحمه اللّٰه إلى تبصير المسلمين بمكامن الداء في هذه الحضارة الغربية، أملا في درء مفاسدها قبل أن يعم الطوفان الذي عم القارة الأوروبية نفسها، كما سبقت الإشارة إليه، وهنا نجده رحمه اللّٰه يقف عند جملة من القضايا الجوهرية في حياة الأمة الإسلامية، وخاصة تلك العوامل التي ضربتها الحضارة الغربية عرض الحائط، مما عمّق الفجوة بينها وبين العالم الإسلامي، وقد استوقفته بهذا الصدد جملة من القضايا، أورد في هذه العجالة نماذج منها، لأن المقام لا يتسع لإيرادها كلها.

أ- منزلة المال في الحضارة الغربية:

إن الإمام النورسي رحمه اللّٰه يرى بأن دواء الحضارة الأوربية المتوحشة التي عمّقت الفوارق الطبقية، وبلغت فيها حدا لا يطاق، وخاصة في قضية المال، وللحد من هيمنة المال على الحياة العامة، فيكون سببا في تحريض بعض المجتمع على البعض الآخر، ولأجل تلافي هذا الخطر الداهم نبّه إلى بعض الأسس المرتبطة بجوهر الإسلام، ومن بينها ركن الزكاة، فقال رحمه اللّٰه: "ترى لو صارت الزكاة التي هي مسألة واحدة من ألف من مسائل حقيقة الإسلام، دستور المدنية وأساس التعاون فيها، ألا تكون دواءً ناجعاً وترياقاً شافياً للتباين الفظيع في الحياة المعشية، الذي هو جُحْرُ الحيات والسم الزعاف والبلاء المدمّر؟ بلى! سيكون الدواء الناجع الساري المفعول أبداً".14 فهو رحمه اللّٰه بهذا، يلمح إلى أن الحضارة الأوروبية، مادامت قائمة على الاستئثار بالمادة، فإنها لن تفلح أبدا إلا إذا التفتت إلى الروح والقيم الأخلاقية النبيلة التي ترتبط ارتباطا عضويا بجوهر الإنسان نفسه، تماما كارتباطها العضوي بجوهر الإسلام؛ وعليه، فإن الظلم الاجتماعي في أوربا، والذي زاد الأثرياء ثراء وجشعا بكل الوسائل الخسيسة، قد ضاعف أيضا من فقر الفقراء إلى أبعد الحدود، وخاصة في ظل غياب وسائل التكافل الاجتماعي التي لابد لأي مجتمع ناجح من الاستناد إليها، وعلى رأسها الزكاة في النظام المالي الإسلامي؛ ولكن، ما دامت الحضارة الأوربية لا تلقي بالا للتوازن الاجتماعي، فمن الطبيعي أن يهيمن الظلم الاجتماعي على كل مرافق الحياة فيها، فقال رحمه اللّٰه: "نعم، إن المدنية الدَّنِيَّةَ الظالمة قد عوقبت، بكفرانها بالنعمة الإلهية وعدم إيفائها الشكر للّٰه، تجاه ما أنعم عليها سبحانه من الخوارق الحضارية، لصرفها تلك الخوارق إلى الدمار حتى سلبت سعادة الحياة كلياً وأردت الناس الذين يُعدّون في ذروة الحضارة والمدنية إلى أدنى من دركات الوحوش الضالة، وأذاقتهم عذاب جهنم قبل الذهاب إليها".15

ب- الحضارة الأوروبية ونظام الإرث:

نال موضوع نظام الإرث حظا وافرا من تفكير الإمام النورسي رحمه اللّٰه، فقد رأى ظلما ظاهرا في نظام الإرث الأوربي، والذي اعتمد على اجتهادات بشرية ظالمة مبنية على أسس مستوحاة من الخبرة المعرفية والاجتماعية البشرية القاصرة عن فهم حاجات الإنسان الفردية والمجتمعية، لهذا كان حلها قاصرا كقصورها في النظر، بحيث تهب من تشاء ما تشاء، فوقعت في اختلال بَيِّنٍ، استتبع ظلما في حق شرائح مختلفة من المجتمع الأوربي، وقد ضرب رحمه اللّٰه أمثلة عدة لهذا الظلم في نظام الإرث في أوربا، وحسبنا من ذلك ذكر مثال فقط، حيث قال رحمه اللّٰه: "إن المدنية (وهي بلا ميم) -أي الدَّنِيَّةَ- كما قد أصبحت سبباً لمثل هذا الظلم (المذكور في المسألة السابقة) في حق البنات بإعطائها أكثر مما تستحق، كذلك تقترف ظلماً أدهى وأنكى بحق الوالدات وذلك بحرمانهن من حقوقهن ؛ نعم! إن شفقة الوالدة وحنانها الذي هو ألطف جلوة من رحمته تعالى بل ألذها وأجدرها بالاحترام، أسمى وأكرم حقيقة من حقائق الوجود.

والوالدة هي بالذات أكرم صديقة عزيزة وأرحم مضحية، بل إنها تضحي بدنياها وحياتها وراحتها لولدها، بدافع من حنانها وعطفها، حتى إن الدجاجة التي هي في أبسط مراتب الأمومة وتحمل بصيصاً من تلك الشفقة، لا تتردد في الهجوم على الكلب والصولة على الأسد دفاعاً عن فراخها، رغم خوفها وجبنها ؛ فحرمان الوالدة التي تطوي جوانحها على مثل هذه الحقيقة العزيزة وإلى هذا الحد، من تركة ولدها، ظلم مريع وعمل إجرامي، وإهانة بحقها، وكفران نعمة إزاء الحقيقة الجديرة بالتوقير، بحيث يهتز له عرش الرحمن، وفوق ذلك فهو دسّ للسم في الترياق النافع لحياة البشر الاجتماعية، فإن لم يُدرك هذا وحوش البشرية الذين يدّعون خدمتها، فإن الناس الحقيقيين الكاملين يعلمون أن حكم القرآن الحكيم في قوله تعالى ﴿فَلأُمِّهِ السُّدُسُ﴾النساء:10 عين الحق ومحض العدل."16

ج - الحضارة الأوروبية وحجاب المرأة المسلمة:

أولى الإمام النورسي رحمه اللّٰه موضوع حجاب المرأة ما يستحق من الاهتمام، وقد أجاد أيما إجادة حين اعتبر اللهاث الأوروبي وراء إشباع الغرائز الحيوانية من بين أسباب انحطاط الحضارة الأوربية إلى مدارك الحيوانية، بدل الرقي بها إلى ما تروج له من الشعارات الجوفاء، فقد سعت هذه الحضارة إلى تجريد المرأة من كرامتها، بقدر ما سعت إلى تدنيس أنوثتها وطهارتها بكل وسائل الإغراء والإغواء، حتى تبرجت تبرج الجاهلية الأولى، فقال رحمه اللّٰه: "لقد أطلقت المدنية السفيهة النساء من أعشاشهن، وامتهنت كرامتهن، وجعلتهن متاعاً مبذولاً... هذه الصور التي هي جنائز مصغرة، وأموات متبسمة، لها دور خطير جداً في الروح الرعناء للإنسان المتحضر، بل إن تأثيرها مخيف مرعب ؛ إن الهياكل والتماثيل الممنوعة شرعاً والصور المحرمة، إما أنها ظلم متحجر، أو رياء متجسد، أو هوى متجمد، أو طلسم يجلب تلك الأرواح الخبيثة."17

وإزاء هذا الهوس المريض في امتهان كرامة المرأة بشعارات جوفاء براقة، يتوجه الإمام النورسي رحمه اللّٰه إلى المرأة المسلمة بكلمات رائعة سعيا منه رحمه اللّٰه إلى صيانة أعراض النساء المسلمات عامة، وبنات "النور خاصة"، بأدب القرآن الكريم، فقال رحمه اللّٰه: "فبناء على هذه الحقيقة التي أشرنا إليها، أخاطب بناتي من طالبات النور اللائي يرغبن في حياة العزوبة، ويفضلن البقاء باكرات، فأقول: يجب ألاّ يبعن أنفسهن رخيصات سافرات كاشفات، عندما لا يجدن الزوج المؤمن الصالح ذا الأخلاق الحسنة الملائم لهن تماماً، بل عليهن البقاء في حياة العزوبة إن لم يجدن ذلك الزوج الكفء، كما هو حال بعض طلاب النور الأبطال، حتى يتقدم لطلبها من يلائمها ممن تربى بتربية الإسلام، وله وجدان حي، ليكون رفيق حياة أبدية يليق بها، وذلك لئلا تفسد سعادتها الأخروية لأجل لذة دنيوية طارئة فتغرق في سيئات المدنية."18

من هنا يتبين بأن الإمام النورسي رحمه اللّٰه، كان ينظر إلى القضايا الجوهرية في الحضارة الغربية -وقد أحلنا على بعض نماذجها فقط- مقارنة مع الدين الإسلامي وضوابطه الشرعية، رؤية شاملة بكل المقاييس، لأنه رحمه اللّٰه كان يرى بأن كشف عُوَارَ هذه الحضارة، ينبغي أن يكون مبنيا على هذه النظرة الشاملة والعميقة، حتى يكون رفضها ونقدها مؤسَّساً على رؤية واضحة ودقيقة.

لكن الإمام النورسي رحمه اللّٰه، من خلال ما سبق من نقده العلمي اللامع للمدنية الغربية المزيفة، يرى بحسه الرهيف بأن هذه الحضارة على عللها ومآسيها، قد أصبحت واقعا مفروضا على العالم كله، بما فيه العالم الإسلامي المغلوب على أمره، بحيث لا يمكن إيصاد الأبواب دونها جملة واحدة، فهذا أمر مستحيل على أي حال، لهذا يرى النورسي رحمه اللّٰه أنّ الطريق الأوفق والأليق بالمسلمين في التعامل مع هذه الحضارة، دون الْمَسِّ بهويتهم الدينية والعقدية، وهنا نجد أن الإمام النورسي رحمه اللّٰه، في جملة رسائله،يعرض سبيلين اثنين متكاملين في التعامل معها، يتوجب سلوكهما للاستفادة من هذه المدنية، والأخذ بجوهرها النقي، وطرح مفاسدها وسيئاتها، وهو ما سنتوقف عنده في الفقرة اللاحقة.

ثالثا: دفع مفاسد الحضارة الغربية:

1- تصفية المدنية الغربية بمصفاة الشريعة الإسلامية:

أشار الأستاذ النورسي رحمه اللّٰه إلى تصفية المدنية الغربية بمصفاة الشريعة الغراء في كثير من رسائله رحمه اللّٰه، من ذلك مثلا، قوله رحمه اللّٰه: "إن نهر العلوم الحديثة والثقافة الجديدة الجاري والآتي إلينا من الخارج كما هو الظاهر، ينبغي أن يكون أحد مجاريه قسماً من أهل الشريعة كي يَتَصَفَّى من شوائب الحيل ورواسب الغش والخداع، لأن الأفكار التي نمت في مستنقع العطالة، وتنفست سموم الاستبداد، وانسحقت تحت وطأة الظلم، يُحدث فيها هذا الماء الآسن العفن خلاف المقصود، فلابد إذن من تصفيته بمصفاة الشريعة، وهذا الأمر تقع مسؤوليته على عاتق أهل المدرسة الشرعية"،19 فكأنه رحمه اللّٰه يشير إلى حتمية التواصل بين الحضارة الغربية والعالم الإسلامي، ولكن، إذا كان هذا التواصل حاصلا ولاشك، فإنه ينبغي على أهل الشريعة من علماء المسلمين، أن يقتفوا أثر الإمام النورسي رحمه اللّٰه لتصفية هذه المدنية، ويضعوا توجيهاته موضع التدبير، ذلك أنّ النافع من هذه الحضارة ثاو فيها، وهو ما يفرض تصفيته ولن يكون ذلك ممكنا إلا بالتسلح بالعلم الشرعي الراسخ، لتصفية هذه الحضارة من كدراتها وسفاهتها، والاقتصار على ما ينفع الأمة الإسلامية في دينها ودنياها، وهذا ما أكد عليه رحمه اللّٰه في موطن آخر بقوله: "إن الجامع الأزهر مدرسة عامة في قارة أفريقيا، فمن الضروري إنشاء جامعة في آسيا على غراره، بل أوسع منه بنسبة سعة آسيا على أفريقيا، وذلك لئلا تفسد العنصرية الأقوام في البلدان العربية والهند وإيران والقفقاس وتركستان وكردستان وذلك لأجل إنماء الروح الإسلامية التي هي القومية الحقيقية الصائبة السامية الشاملة، فتنال شرف الامتثال بالدستور القرآنى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخوة﴾الحجرات:10 وكذلك لتتصافح العلوم النابعة من الفلسفة مع الدين، وتتصالح الحضارة الأوروبية مع حقائق الإسلام مصالحة تامة؛ ولتتفق المدارس الحديثة وتتعاون مع المدارس الشرعية في الأناضول، لذا بذلتُ جهدي كله لتأسيس هذه الجامعة في مركز الولايات الشرقية التي هي وسط بين الهند والبلاد العربية وإيران والقفقاس وتركستان، وأسميتها "مدرسة الزهراء". فهي مدرسة حديثة ومدرسة شرعية في الوقت نفسه".20

واضح أن الإمام النورسي رحمه اللّٰه، كان صاحب مشروع متكامل يروم استرجاع المسلمين لدورهم الحضاري بالاستفادة من آخر من صح من معارف وتدبير في الحضارة الغربية، حتى يتمكن العالم الإسلامي من ولوج أبواب الحضارة عن قوة، وليس عن ضعف وتبعية، لأن في ذلك مسخا لأمد حضاري إسلامي عريق، يستحيل على علماء الأمة أن يفرطوا فيه مهما كانت الصعاب والتضحيات، لأنهم هم الذين ينيرون السراديب المظلمة في هذه الحضارة أمام السالكين، سواء كانوا من الأمة الإسلامية، أو من الهالكين في الغرب نفسه، بل هم أحوج الناس إلى الدواء من غيرهم، كما سبقت الإشارة إلى ذلك؛ يضيف الإمام رحمه اللّٰه قائلا: "فالأخوان الاثنان: أحدهما روح المؤمن وقلب الصالح، والآخر روح الكافر وقلب الفاسق... أما اليمين من تلكما الطريقين فهو طريق القرآن وطريق الإيمان وأما الشمال فطريق العصيان والكفران... وأما ذلك البستان في الطريق فهو الحياة الاجتماعية المؤقتة للمجتمع البشري والحضارة الإنسانية التي يوجد فيها الخير والشر والطيب والخبيث والطاهر والقذر معاً، فالعاقل هو مَن يعمل على قاعدة: 'خذ ما صفا... دع ما كدر' فيسير مع سلامة القلب واطمئنان الوجدان."21

وهذا يعني أن الإمام النورسي رحمه اللّٰه يدعو إلى ضرورة الالتفات إلى عنصر الإيمان في التعامل مع الحضارة الغربية، وهو الغائب الأكبر عن هذه الحضارة، وكفى بهذا الغياب الخطير عيبا مُمِيتاً، لأن بغياب الإيمان عن هذه المدنية، اندفعت نحو الأهواء الجامحة التي مسخت الوعي الإنساني فيها، فتاه حائرا بين البحث عن الذَّاتِ وعن اللَّذَّاتِ التي لا تعرف الشبع، فكانت النتيجة أن فتحت هذه الحضارة أبواب جهنم أمام النفوس المريضة التي تشتهي تحقيق المتعة واللذة ولو على أجساد الملايين من الأبرياء، وهذا في حد ذاته مسخ للإنسانية، وانحدار بها إلى مدارك الوحشية التي طالما تحدث عنها الإمام رحمه اللّٰه في النصوص التي استشهدنا بها سابقا؛ وأختم عنصر التصفية هذا، بنص مميز ينطق بالغيرة على الدين الإسلامي الحنيف، أملا في إيقاظ همم المسلمين، قال فيه: "وبناء على ما سبق، مَا ينبغي أن ننخدع، بل نجعل القاعدة الآتية دستور عمل لنا وهي: 'خذ ما صفا دع ما كدر' وفي ضوئها سنأخذ من الأجانب -مشكورين- كل ما يعين الرقي المدني من علوم وصناعات، أما العادات والأخلاق السيئة، فهي ذنوب المدنية ومساوئها التي لا يتبين قبحها كثيراً لكونها محاطة بمحاسن المدنية الكثيرة، فنحن لو أخذنا منهم المدنية -بسوء حظنا وسوء اختيارنا- بما يوافق الهوى والشهوات -كالأطفال- تاركين محاسنها التي تحتاج إلى بذل الجهد للحصول عليها، نكون موضع سخرية كالمخانيث أو كالمترجلات، إذ كيف إذا لبست المرأة ثياب الرجل ولبس الرجل ثياب المرأة؟ يكون كل منهما موضع سخرية واستهزاء، ألا لا ينبغي أن نتجمل بمساحيق التجميل، حاصل الكلام: سنمنع بسيف الشريعة مساوئ المدنية وذنوبها من الدخول إلى حدود حريتنا ومدنيتنا، حفاظاً على فتوة مدنيتنا وشبابها بزلال عين حياة الشريعة؛ ينبغي لنا الاقتداء باليابانيين في المدنية، لأنهم حافظوا على تقاليدهم القومية التي هي قوام بقائهم وأخذوا بمحاسن المدنية من أوروبا؛ وحيث إن عاداتنا القومية ناشئة من الإسلام وتزدهر به، فالضرورة تقتضي الاعتصام بالإسلام."22

2- الدعوة إلى حضارة مؤمنة:

أولى الأستاذ النورسي الدعوة إلى حضارة مؤمنة عناية فائقة، وهذا ليس مستغربا من علم جعل من النهضة الحضارية للأمة مقصدا مهما في مساعيه التجديدية، قصد به إخراج المسلمين من التخلف دون الانقياد لا للشرق ولا للغرب، وذلك بالخضوع التام للّٰه جل وعلا، والأخذ بكتاب اللّٰه وسنة الرسول صلى الله عليه وسلـم، وكفى بهذا قوةً وتَمَكُّناً،23 لأنه رحمه اللّٰه يؤمن إيمانا قاطعا بأن حضارة الإسلام الغابرة، إنما تأسست على الدين الإسلامي، لذلك نراه في أكثر من موضع في رسائله يقارن ويوازن بين أسس الحضارة الغربية، وأسس القرآن الكريم، ثم يخرج بنتيجة واحدة، هي: إن الخلاص الوحيد للبشرية من كل أمراضها وأزماتها، إنما يكمن في الإيمان، والانقياد للّٰه جل وعلا، من ذلك مثلا والأمثلة كثيرة جدا، قوله رحمه اللّٰه: "نعم! إن هذا الإلحاد ومجافاة الدين قد سبب فوضىً في المدنية الأوروبية، وقلبها رأساً على عقب، بحيث ولّد كثيراً من المنظمات الفوضوية وهيئات الإفساد والإضلال، فلو لم يُلجأ إلى حقيقة الشريعة الغراء، ولم يُتحصن بذلك الحبل المتين ولم يوضع سدٌّ تجاه هذه المنظمات الفوضوية كسد ذي القرنين، فستدمّر تلك المنظمات عالم مدنيتهم وتقضي عليها، كما يهددونها حالياً."24 وقال في موضع آخر: "قلت: أما المدنية التي تأمرنا بها الشريعة الغراء وتتضمنها، فهي التي ستنكشف بانقشاع هذه المدنية الحاضرة، وتضع أسساً ايجابية بناءة مكان تلك الأسس النخرة الفاسدة السلبية؛ نعم! إن نقطة استنادها هي الحق بدلاً من القوة، والحق من شأنه: العدالة والتوازن، وهدفها: الفضيلة بدلاً من المنفعة، والفضيلة من شأنها: المحبة والتجاذب، وجهة الوحدة فيها والرابطة التي تربط بها المجموعات البشرية: الرابطة الدينية، والوطنية، والمهنية بدلاً من العنصرية، وهذه شأنها: الأخوة الخالصة، والسلام والوئام، والذود عن البلاد عند اعتداء الأجانب.

ودستورها في الحياة: التعاون بدل الصراع والجدال، والتعاون من شأنه التساند والاتحاد، وتضع الهدى بدل الهوى ليكون حاكماً على الخدمات التي تقدم للبشر، وشأن الهدى: رفع الإنسانية إلى مراقي الكمالات، فهي إذ تحدد الهوى وتحدّ من النزعات النفسانية، تُطَمْئِنُ الروح وتشوقها إلى المعالي."25

بيّن مما سبق بيانه أنّ الأستاذ يختار الحجة والدليل الدامغ وسيلة أساسية للتواصل مع العدو والصديق، وخاصة الحجج الدامغة لا ينكرها إلا جاحد، فيقبل الأخذ والرد في جملة المجالات المبحوثة، لأنه رحمه اللّٰه يضع أصابعه وبدقة على مكامن الداء في الحضارة الغربية، ويصف لها الدواء من جوهر الشريعة الغراء، ولأنه يتحدث من واقع هذه المدنية بخبرته بها، وبعمق تفكيره في خباياها وخفاياها التي تحاول خداع الناس بها، وينتهي بعد طول مباحثة إلى أنّه لا مناص من سلوك سبيل الشريعة، ومتابعة النداء الرباني الذي يهدي بنوره من يشاء في دياجير الحياة الإنسانية عامة، وفي الحضارة المظلمة الزائفة بخاصة، قال رحمه اللّٰه: "إن الإسلام وشريعته الغراء هو:المالك الحقيقي وصاحب العنوان المعظم... والمؤثر الحق والمتضمن للعدالة المحضة... ويحقق نقطة استنادنا... ويرسي المشروطية على أساس متين.. وينقذ ذوي الأوهام والشكوك من ورطة الحيرة... ويتكفل بمستقبلنا وآخرتنا... وينقذكم من التصرف في حقوق اللّٰه بدون إذن منه، تلك الحقوق التي تضمن مصالح الناس كافة... ويحافظ على حياة أمتنا... ويظهر ثباتنا وكمالنا ويحقق وجودنا أمام الأجانب... وسحر العقول والأذهان... وينقذكم من تبعات الدنيا والآخرة... ويؤسس الاتحاد العام الشامل نهاية المطاف... ويولد الأفكار العامة (الرأي العام) التي هي روح ذلك الاتحاد... ويحول دون دخول مفاسد المدنية إلى حدود حريتنا ومدنيتنا... وينجينا من ذل التسول من أوروبا... ويطوي لنا المسافة الشاسعة التي تخلفنا فيها عن الرقي في زمان قصير بناءً على سرّ الإعجاز... ويرفع من شأننا في زمن قصير بتوحيد العرب والطوران وإيران والساميين... ويظهر الشخصية المعنوية للدولة بمظهر الإسلام..."26

وبناء على هذه المقارنات التي عقدها الإمام رحمه اللّٰه بين المدنية الغربية والقرآن الكريم بخاصة، يخلص إلى أن هذه المدنية قد عجزت عجزا تاما عن إسعاد البشر والرقي بهم بالرغم من جهدها الجبار في الترويج لما تزعم أنه رفاهية إنسانية وسعادة بشرية، شاهد هذه المعاني قوله رحمه اللّٰه: "المدنية الحاضرة تؤمن بفلسفتها: إن ركيزة الحياة الاجتماعية البشرية هي 'القوة' وهي تستهدف 'المنفعة' في كل شيء، وتتخذ 'الصراع' دستوراً للحياة، وتلتزم بالعنصرية والقومية السلبية رابطةً للجماعات، وغايتها هي 'لهو عابث' لإشباع رغبات الأهواء وميول النفس التي من شأنها تزييد جموح النفس وإثارة الهوى، ومن المعلوم أن شأن 'القوة' هو 'التجاوز'، وشأن 'المنفعة' هو 'التزاحم' إذ هي لا تفي بحاجات الجميع وتلبية رغباتهم، وشأن 'الصراع' هو 'التصادم' وشأن 'العنصرية' هو 'التجاوز' حيث تكبر بابتلاع غيرها؛ فهذه الدساتير والأسس التي تستند إليها هذه المدنية الحاضرة هي التي جعلتها عاجزة -مع محاسنها- عن أن تمنح سوى عشرين بالمائة من البشر سعادة ظاهرية بينما ألقت البقية إلى شقاء وتعاسة وقلق... وهكذا غُلبت المدنية الحاضرة أمام القرآن الحكيم مع ما أخذت من محاسنَ من الأديان السابقة ولاسيما من القرآن الكريم."27

3- الحضارة المؤمنة والسعادة البشرية الحقيقية

يخلص الأستاذ بعض العرض التفصيلي -الذي تخيّرنا منه بعض ما ننتفع به في عرض الفكرة- إلى تحديد مفهوم الحضارة الحقيقية، والسعادة البشرية الحقيقية أيضا، والتي لا توجد مطلقا في الحضارة الغربية الحالية، يستشف هذا المعنى من قوله رحمه اللّٰه: "إن هذا العالم مع أنه فانٍ فانه يهيء لوازم العالم الأبدي... ومع أنه زائل ومؤقت إلا أنه يؤتي ثمرات باقية، ويظهر تجليات رائعة من تجليات الأسماء الحسنى الخالدة... ومع أن لذائذه قليلة وآلامه كثيرة، إلا أن لطائف الرحمن الرحيم وتكرمه وتفضله هي بذاتها لَذَّات حقيقية لا تزول، أما الآلام فهي الأخرى تولد لذّات معنوية من جهة الثواب الأخروي، فما دامت الدائرة المشروعة كافية ليأخذ كل من الروح والقلب والنفس لذّاتها ونَشْوَاتِها جميعاً، فلا داعي إذن أن تلج في الدائرة غير المشروعة، لأن لذة واحدة من هذه الدائرة قد يكون لها ألف ألم وألم، فضلاً عن أنها سبب الحرمان من لذة تكريم الرحمن الكريم، تلك اللذة الخالصة الزكية الدائمة الخالدة ؛ هكذا تبين مما سبق بأن طريق الضلالة يردي الإنسان إلى أسفل سافلين، إلى حد تعجز أية مدنية كانت وأية فلسفة كانت عن إيجاد حل له، بل يعجز الرقي البشري وما بلغه من مراتب العلم عن إخراجه من تلك الظلمات السحيقة التي في الضلالة."28

هذه هي اللذة الحقيقية التي يريد الأستاذ النورسي من المسلم استجلابها من الحضارة البشرية سواء كانت في الشرق أو في الغرب، ويقصد بها الحضارة التي تشرَّبت لذة الإيمان وتغذت منه، وتهدي رحيقها إلى البشرية جمعاء، فتستمتع بحياتها الدنيوية، كما ستتمتع بحياتها الأخروية، كما وعدها ربها جل وعلا في كتابه الكريم.

قال الأستاذ رحمه اللّٰه: "واعلمن يقيناً! أن اللذة الحقيقية في هذه الدنيا إنما هي في الإيمان وفي حدود الإيمان، وأن في كل عمل صالح لذة معنوية، بينما في الضلالة والغي آلام منغصة في هذه الدنيا أيضاً؛ هذه الحقيقة أثبتتها رسائل النور بمئات من الأدلة القاطعة، فأنا شخصياً شاهدت بعين اليقين عبر تجارب كثيرة وحوادث عديدة: أن في الإيمان بذرة جنة، وفي الضلالة والسفه بذرة جهنم، وقد كتبت هذه الحقيقة مرارا في رسائل النور حتى عجز أَعْتَى المعاندين والخبراء الرسميين والمحاكم عن جرح هذه الحقيقة."29

خاتمة:

يتبيّن مما سلف بيانه أن الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي رحمه اللّٰه، قد رصد مظاهر الحضارة الغربية رصدا شاملا وعميقا للغاية، فوضع أصابعه على مكامن الداء فيها، بما تضمنته من إعلاء للغرائز والشهوات، وبما أعلنته من حرب على القيم والأخلاق الإنسانية النبيلة التي كرّم بها اللّٰه جل وعلا الإنسان منذ أن خلقه أول مرة، لأنها حضارة رفعت شعار الإلحاد، فتاهت بين الهوى والانغماس في الشهوات، حتى أصبح الإنسان عندها أقرب إلى الحيوان منه إلى أي كائن آخر، كما عبر رحمه اللّٰه عن ذلك مرارا في الشواهد التي سقناها أعلاه، لذا ألح رحمه اللّٰه أيما إلحاح على ضرورة تنبه أبناء الأمة الإسلامية إلى مكامن الزيف والزيغ في هذه الحضارة، كما دعا رحمه اللّٰه، العلماء إلى ضرورة تصفية الحضارة الغربية الراهنة بمصفاة الشريعة الإسلامية الغراء، حتى لا نمنع انتقال سمومها إلى عامة المسلمين وخاصتهم.

كما أنه رحمه اللّٰه تعالى، أثبت بما لا يدع مجالا للشك، بأن الدواء الناجع، والترياق الشافي لكل أدواء الحضارة الغربية، إنما يكمن في الإيمان باللّٰه جل وعلا، وبالعودة على الفطرة الإنسانية التي فطر اللّٰه تعالى عليها الإنسان أول مرة، فإذا كانت هذه المدنية تبحث عن لذة الإنسان ومتعته وسعادته، فإن السعادة كل السعادة بما فيها من متعة ولذة، إنما تكمن في الانقياد لرب العالمين جل وعلا والخضوع لكتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلـم.

* * *

الهوامش:

1 جامعة محمد بن عبد اللّٰه - فاس، الكلية المتعددة التخصصات - تازة، المملكة المغربية.
2 صيقل الإسلام/الخطبة الشامية - ص: 500 - 501.
3 نفسه، المحكمة العسكرية العرفية - ص: 462.
4 اللمعات، اللمعة السابعة عشرة، ص 713.
5 المثنوي العربي النوري - ص: 268- 269، الهامش رقم:1، و الذي وضعه الإمام النورسي رحمه اللّٰه في الأصل، قصدا منه رحمه اللّٰه إلى مزيد من التوضيح.
6 صيقل الإسلام/المحكمة العسكرية العرفية - ص: 461، و قال هذا أيضا في اللمعات، اللمعة السادسة والعشرون، ص 1358، و راجع أيضا صيقل الإسلام/ المحكمة العسكرية العرفية - ص: 462.
7 الكلمات، الكلمة السابعة و العشرون - رسالة الاجتهاد ص 922 و راجع أيضا المرجع نفسه، ص 611، وراجع أيضا " الملاحق " /ملحق قسطموني ص 109، و راجع أيضا المكتوبات، المكتوب الثالث والثلاثون، ص617.
8 الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 380.
9 صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 56.
10 المثنوي العربي النوري - ص: 191.
11 راجع كلمات ممتازة للإمام في هذا السياق في المكتوبات، المكتوب التاسع والعشرون، 556، وراجع أيضا " المثنوي العربي النوري، 269 و ص 309.
12 الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 147.
13 الكلمات، الكلمة السابعة والعشرون / رسالة الاجتهاد ص 928.
14 صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 56
15 الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 122.
16 المكتوب الحادي عشر، ص 41.
17 الكلمات، الكلمة السابعة و العشرون - رسالة الاجتهاد ص 947.
18 الملاحق- ملحق أميرداغ/2، ص: 342، و راجع رسالة الحجاب، وهي رسالة ممتازة للغاية في اللمعة الرابعة و العشرين.
19 صيقل الإسلام/الخطبة الشامية - ص: 531
20 الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 417.
21 الكلمات، الكلمة الثامنة ص 32،وراجع صيقل الإسلام / السانحات، ص 358.
22 صيقل الإسلام/المحكمة العسكرية العرفية - ص: 468، و راجع الصفحات التالية من المرجع نفسه، 471 - 442 -457 - 466.
23 تحدث الإمام رحمه اللّٰه عن علاقة التدين بالمسلمين وبغيرهم من أهل الملل الأخرى في نظرات ثاقبة للغاية، في "المكتوبات "، المكتوب التاسع و العشرون، ص 566 وصيقل الإسلام/السانحات - ص: 351 والمثنوي العربي النوري ص 181 و ص202 و ص 270 - 271، والكلمات، الكلمة السابعة و العشرون / رسالة الاجتهاد، ص 928.
24 صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 56، و راجع أيضا ص 504 - 505 من المرجع نفسه، و راجع من إشارات الإعجاز ص 172.
25 صيقل الإسلام/السانحات - ص: 359، و راجع ص 357 من المرجع نفسه، 425 - 426.
26 صيقل الإسلام/الخطبة الشامية - ص: 525 - 526 و راجع أيضا الكلمات، الكلمة السابعة والعشرون / رسالة الاجتهاد ص 922.
27 اللمعات، اللمعة الخامسة، ص 511 و راجع المرجع نفسه، ص 555، و راجع أيضا ما كتبه في المكتوبات، المكتوب الثالث والثلاثون، ص 617.
28 الكلمات، الكلمة الثانية و الثلاثون، ص 817.
29 اللمعة الرابعة والعشرون ص 407.


 

أرشيف الدراسات

11 - وقفات مع بعض عناصر القوة المعنوية
. جمالية المضمون العلمي في رسائل النور أصولها وملامحها
. درس الإلهيات عند النورسي معالم المنهج ومؤشرات التجديد
. نقد الْحَضَارَةِ الغربية وتقويمها فِكْرِ الإِمَامِ سَعِيدِ النُّورْسِي
10 - عنوان الملف: الأخلاق والوراثة
. البناء النصيّ للقرآن الكريم بين الوفاء للحقيقة واتّساع المعنى
. النورسي رجل الحوار والإقناع
. توحيد القلوب في رسائل النور
9 - المقاصد في رسائل النور
. العقل المؤيد بالإيمان عند الإمام النورسي أو اتصال الآيات والقيم
. مسألة الشر والسيئات وعلاقتها بالعدالة الإلهية في الخلق...
. الثنائي البلبل والوردة تعبيرا عن الحب القائم بين الخالق والمخلوقات...
. النورسي والتصوف أو من توحيد الولي، إلى توحيد الصفي
. النورسي من برزخ التصوف إلى معراج القرآن
. الرؤية الكونية للأخلاق عند النورسي وأثرها في بناء الإنسان
8 - أسرار العبرة والتعبير في رسائل النور
. اعتبار المآل واستشراف المستقبل عند بديع الزمان النورسي
. مشكلة الثقافة والحضارة في العالم الإسلامي من منظور مالك بن نبي
. مظاهر الجمالية في المحن والابتلاءات من خلال سيرة النورسي
7 - النورسي والتصوف
. منهجية النورسي في الاستدلال على الحياة الآخرة
. وقفات مع رسالة الإجتهاد للأستاذ النورسي
. المنظومة الأخلاقية عند النورسي
. النظرة الشمولية إلى العدالة عند النورسي
6 - دعوة رسائل النور
. أصلح نظام لتسيير العالم الإنساني اليوم هو الإسلام
. منهج البحث الدلالي في دراسات أوزيستو القرآنية والصوفية
. أصول التفكر في رسائل النور
. رؤية الامام النورسي للربا
5 - الرؤية الحضارية في رسائل النور
. الرؤية النُورسية لبعض القضايا الحضارية الشائكة
. من معالم التجديد عند النورسي
. العدالة الإلهية وإشكالية الشر في فكر الأستاذ النورسي
4 - أسس التربية في رسائل النور
. سعيد النورسي خزانة تنتظر الاكتشاف
. ملامح تجدد خطاب النورسي في مواجهة تحديات العصر
. دراسة عن أسلوب الحوار في القرآن الكريم
. مبادئ الإنسانية وتحديات العصر في نظرية سعيد النورسي
3 - أسس التربية في رسائل النور
. النورسي ودعوته
. سياسة العالم الإسلامي في القرن العشرين في نظر النورسي
. تربية الطفل وأساليبها في التشريع الإسلامي
2 - التعليم في رسائل النور
. حركة التجديد والإصلاح في أواسط القرن العشرين
. القضايا الأساسية للعالم الإسلامي وطرق حلها في نظر بديع الزمان
. مناجاة فكرية بين الإمام الغزالي والشيخ النورسي
1 - المنهجية في رسائل النور
. ثورة الإيمان
. مفاهيم المشروع النهضوي الإسلاميّ المعاصر -نقد وتوجيه-
. فصل المقال فيما بين فلسفة البشر وحكمة القرآن من الانفصال

النور للدراسات الحضارية والفكرية
 المركز الرئيسي:  

Kalendarhane Mah. Delikanli Sk. No: 6
Vefa 34134 Fatih - Istanbul / TURKIYE
 Phone: +90 212 527 81 81 - Fax: +90 212 527 80 80