
الترادف في القرآن الكريم
- ABSTRACT -
Synonymy in the Qur'an
Assistant Professor Dr. Osman Mohamed Gharib
The Holy Quran is distinguished from all other holy books in several characteristics. Earlier prophets performed miracles and amazing paranormal wonders. However, the Holy Quran dominated the rest of heavenly books because of its properties. It is not a special book for Muslims alone. Rather, it is a book for all people. Moreover, it is not bounded by time or limited to a specific age. Rather, it is eternal. Furthermore, it is dominant over other books - verifying and attesting them. Therefore, there is no divine text that is ensured by many lines of transmission (continuously recurrent or mutawatir) other than the Qur'an. The Torah and the Bible are manipulated and changed. Many other divine books have not survived despite the limited number of commandments and texts they contained. In addition to that, the Qur'an has received unique and enormous care as many interpretations and explanations are devoted to it. No other divine book had ever been given such care.
No enemy of the Qur'an has ever been able to defame it or describe it with mockery regarding its eloquence or style despite all the hatred those enemies had, and despite the challenge it proclaims over and over again. This reality indicates the strength and greatness of the Qur'an in addition to its unique expressions and the beauty of its language and smooth style. The challenged atheists and opponents could not come up with a few sentences or even resemble a few words of such style. Based on all that, the sanctity of the Holy Quran has emerged and occupied a high position even in the eyes of its enemies as well. The interest in its components of linguistic beautifiers and eloquent vocabulary and distinguished style has increased.
This text discusses one of the most important stylistic issues delivered in the Qur'an which is synonymy. Scholars agree that the Qur'an is miraculous. It is understood that Almighty God challenged mankind and the jinn to come up with its like or ten chapters that are similar to its chapters, they could not do so. It shows that there is no word or phrase that might properly replace Qur'anic word or phrase. Otherwise, it wouldn't be miraculous. That is why the Qur'an is different from what human beings write or compose. The most eloquent writers always revise and correct their pieces of writing. They exhaust their utmost effort to edit them. Once these writings are read by other people, they find deficiencies and errors remain unchanged and so forth. Literature composed by humans always remains subject to consideration and reflection.
The question of synonymy in the Qur'an remains disputable among interpreters. Some of them prove it and some deny it. Because of the eloquence of the Qur'an and the depth of Arabic, synonymy in the Qur'an is rare. On investigating the subject, one can conclude that scholars who denied synonymy meant what is equitable and equal, and scholars who exaggerated in proving it incorporated the two-sides together in the list of synonymy and caused such confusion.
* * *
- ملخص البحث -
الأستاذ المساعد الدكتـور عثمان محمد غريب1
يتميز القرآن الكريم عن سائر الكتب السماوية بعدة خصائص، فإذا كان للأنبياء معجزات وخوارق مدهشة فإن القرآن العظيم سيطر على باقي الكتب السماوية بما احتواه من خصائص، فهو ليس كتابا خاصا بالمسلمين وحدهم بل هو كتاب للعالمين وليس كتابا آنيا زمنيا بل هو كتاب خالد والأكثر من ذلك فهو كتاب مهيمن ومسيطر ومصدق لسائر الكتب السماوية. ثم إنه ليس هناك نص سماوي متواتر مثله، فالتوراة والإنجيل محرفان وهناك كتب سماوية لم يصلنا محتواها رغم قلة ما فيها من الوصايا والنصوص. بالإضافة إلى أنه ما اعتني بكتاب سماوي ولا حرر عنه تفاسير وشروحات مثل ما ألف عن القرآن الكريم.
ولعظم وجلال القرآن الكريم لم يجرؤ أحد من الأعداء أن يصمه بما يشينه أو يهزأ في فصاحته أو أسلوبه رغم كل الحقد الذي يكنونه له، وهذا إن دل إنما يدل على قوة القرآن وعظمته وحسن تعبيره وجمال لغته وسلاسة أسلوبه، وعلى الرغم من تحديه للمعارضين والملحدين فإنهم لم يستطيعوا معارضته أو الإتيان ببضع جمل تشبهه أو حتى تأليف بضع كلمات من مثل سلاسته رغم تحديه لهم بذلك. وبناء على كل هذا وذاك فقد برزت قدسية القرآن الكريم واحتل مكانة في عيون الأعداء كذلك، وبرز من خلال ذلك الاهتمام بما يحتويه من محسنات بديعية وألفاظ سامية ولغة وأسلوب عاليين.
ويناقش هذا النص الذي بين أيدينا مسألة من بين أهم المسائل الأسلوبية المبثوثة في القرآن وهي الترادف، واتفاق العلماء الجلة على أن القرآن معجز هو الذي نفهم من خلاله أن الله تعالى عندما تحدى به العالمين من الإنس والجن أن يأتوا بمثله أو بعشر سور أو بسورة من مثله لم يستطيعوا ذلك، مما يدل على أنه لا توجد لفظة أو عبارة تحل محل لفظة قرآنية أو عبارة قرآنية، وإلا فليس بمعجز، ولم يكن باستطاعة أحد من البشر الإتيان بمثله، من هنا يظهر قصور المخلوقين في أن أفصحهم لا يزال ينقح ويصحح مقالة أو نصا ويستفرغ الجهد الكبير فما أن يقرأها غيره حتى يجد فيها النقص والأخطاء فيظل هو الآخر يبدل فيها وينقح ولا تزال كذلك قابلة للنظر والتأمل.
وتبقى مسألة الترادف في القرآن الكريم مسألة مختلفا فيها بين المفسرين، فمنهم من قال بها ومنهم من منع وقوعها، والظاهر أنها نادرة جدا لقوة اللغة العربية ولقوة القرآن الكريم، وتحقيق الخلاف في ذلك يظهر أن ما نفى النافون تسميته بالترادف هو المتكافئ والمتساوي، وأن المبالغين في إثبات الترادف فقد أدرجوا الوجهين معا في قائمة المترادف فكان هذا الخلط واللبس.
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للّٰه الذي نزَّل على عبده كتابه المبين، يهدي به إلى الدين القويم والصراط المستقيم، وأعجز به جميع مخلوقاته دليلاً على تنزيله، ومنع من تبديله، وبيَّن به صدق رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو في الصدور محفوظٌ، وبالألسنة متلوٌ، وفي الصحف مسطورٌ، ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾.الإسراء:٨٨
والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد المؤيَّد بأفضل المعجزات والآيات، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان من حملة القرآن والداعين إليه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد شاء الله أن يـمِّيزَ الكتاب الخاتم الذي أنزل على قلب النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم بخصائص ينفرد بها دون غيره من الكتب السماوية.
ومن تلكم الخصائص أنه ليس كتابا لفئة أو طائفة أو قوم أو أمة دون غيرها من الفئات والطوائف والأقوام والأمم، كما كان حال الكتب السماوية السابقة، وليس كتاب زمن محدَّد دون غيره من الأزمنة، إنه كتاب الأزمنة كلها والعالمين بأسرهم إنسهم وجنِّهم جميعا، قال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾.الفرقان:١
وعلاوة على ذلك فإن أغيظ ما يغيظ الأعداء أنه لم يتواتر نصٌ عبرَ التاريخِ كلهِ كما تواترتْ نصوصُ القرآن الكريم، ولم يُعْتَنَ بكتابٍ من حيثُ ضبطُه وتحريرُه متناً وسنداً، وتدوينُه ونقلُه بالمشافهة كما اعتني بـهذا الكتابِ المنقولِ عن أفواه العلماءِ الأثباتِ الفصحاءِ من التابعين عن الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو النصُ القديمُ الوحيدُ في الكون كلِّه المجمعِ على صحتِهِ ونَقْلِهِ بالتواتر وتلاوتِهِ بالطُرُق التي وَصَلَ إلينا بـها في الأداء والحركات والسكنات، ﴿إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.الحجر:٩
آياتُه تُـتْلى وتُسْمَع وتُحْفَظ وتشرح، كما أنزلها الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ولقد اشتمل على مائة وأربع عشرة سورة ابتدأت كلها بالبسملة إلا سورة واحدة منها: سورة التوبة، فجاءت خالية منها، فلم يجترئ أحد أن يزيد هذه البسملة في مطلع السورة لا خطاً ولا لفظاً، لأنَّه لا مجالَ للرأي في نص القرآن.
لقد بَلَغَ من اهتمامِ المسلمين بالقرآن أَنْ عَدّوا آياتِهِ، بل كلماتِهِ، بل حروفَهُ، فكيفَ يستطيعُ امرؤٌ أنْ يَزيدَ أو ينقص في كتابٍ أُحْصِيَتْ كلماتُه وحروفُه؟!.
ولم يُعرفْ في الدنيا كتابٌ يحفظه الألوفُ وعشراتُ الألوفِ عن ظَهرِ قَلْبٍ إلا القرآن الذي يَسَّرهُ اللهُ للذِكر والحِفظ، فلا عَجَبَ أن نجد من الرجال والنساء مَن جَمَعَهُ في قلبِه ووَعاه، كما حفظه كثيرٌ من صبيان المسلمين من العرب والعجم، لا يُضيعون منه حرفاً، ولا يُسقطون منه كلمةً واحدةً، وفيهم مَن لو سألته بالعربية عن اسمه لم يُجِبْكَ! لأنه يحفظ كتابَ ربه تعبداً وتقربا إليه سبحانه، وإن لم يَفهم ما يَقرأ ويَحفظ لأنه بغير لغته.
ولم تُحفظْ معاني القرآن وكلماتُه وألفاظُه فحسب، بل طريقةُ أدائِه ومخارجُ حروفِه، وما ينبغي لها من مَدٍّ وغُنٍّ، وإظهارٍ وإدغامٍ، وإخفاءٍ وإقلابٍ، وهو ما قام به عِلمٌ خاصٌ سمي علم "تجويد القرآن".
حتى رسم المصحف بقي يُرسم ويُطبع إلى اليوم، كما رُسِم في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، رَغْمَ تطورِ قواعدِ الرسمِ والإملاء، ولم تَجرؤ حكومةٌ مسلمةٌ ولا مجمعٌ علمي إلى اليوم على أن يُخْرِجَ للناس نسخةً مطبوعةً من القرآن وقد غيَّر فيها من طريقةِ رسمه، وطَبَّقَ عليه من القواعد ما يُطبَّق على سائر ما يُكتب ويُطبع من كتبٍ ورسائل وصحف وغيرها.2
ولكونه كتابا مباركا مجيداً حفيظاً عزيزاً حكيماً مبيناً وفرقاناً وروحاً ونوراً قَيِّماً لا عوجَ فيه ولا ريبَ ولا مريةَ ولا ارتيابَ، وكتاباً أحكمت آياتُه وفصِّلتْ مِن لدنْ حكيمٍ خبيرٍ؛ آمنَ به أولو الألباب والنهى، واقشعرت منه جلود الخاشعين لربهم ﴿اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾الزمر:٢٣ ثم أورثهم مولاهم الطمأنينة والسكينة ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ﴾،الزمر:٢٣ و ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.الرعد:٢٨
اقرأ الآيتين الأوليين من بداية سورة البقرة: ﴿الۤمۤ. ذٰلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾،البقرة:١-٢ واستشعر معي عظمتهما، وتأمل السرَّ العظيمَ في لفظة "ذلك"! لماذا تكون الإشارة إلى القرآن هنا باسم الإشارة التي هي للأبعد "ذلك" دون اسم الإشارة التي هي للقريب؟
واسم الإشارة في الأصل هو "ذا" يدخله الهاء للتنبيه فيصبح "هذا" وتكون الإشارة فيه للقريب.
وإذا أدخلت عليه الكاف يصبح "ذاك" وتكون الإشارة فيه للبعيد، وإذا أدخلت عليه اللام يصبح "ذلك" وتكون الإشارة فيه للبعيد جدا أي الأبعد.
وإذا عرفت هذا تبين لك أن من أسرارِ ذكرِ اسمِ الإشارةِ التي هي للأبعدِ الإشارةَ إلى علوه وبعدِ رتبته وبعدِه عن الريب، وأن أيديهم لن تناله بالتحريف والتغيير والحذف والإضافة أو الإتيان بمثله، فهو بعيد جدا عنهم.
بينما وردت الإشارة إلى القرآن باسم الإشارة "ذا" الذي هو للإشارة إلى القريب في أربعة عشر موضعا، ﴿إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾الإسراء:٩ ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا﴾الإسراء:٤١ خلافا لبداية سورة البقرة في الموضع المشار إليه، وذلك لأن الكلام عندما يكون عن القرآن الذي بين أيديهم ويهديهم ويبشرهم وينذرهم يشار إليه بإشارة القريب "ذا"، بخلاف بداية سورة البقرة حيث المراد بيان كون القرآن بعيد المنال وعالي المرتبة لا ريب فيه.
هذا، وَقد شَهِدَ لفضله -قبل ذويه- أَلّدُّ الأعداء، وأعتى الخصومِ، وَهُمْ الفصحاءُ اللدُّ، وقد كانوا أحرصَ شيءٍ على إطفاءِ نورهِ وإخفاءِ أمرِهِ.
وقصة إسلام عمر بن الخطاب وتولي الوليد بن المغيرة لخير شاهدين على ذلك.
أصغ معي إلى الوليد بن المغيرة -وهو من هو في عدائِه وطغيانِه- وهو يَصِفُ القرآنَ للمشركين ويقول: "والله إن لقوله الذي يقولُ حلاوةً، وإنَّ عليه لطلاوةً، وإنه لمثمِرٌ أعلاه، مُغدِقٌ أسفلُه، وإنَّه ليعلُو وما يُعْلى، وإنَّه ليُحَطِّمُ ما تَحتَه".3
ولم ينقل عن أحدٍ منهم أنَّه حَدَّثَ نفسَه بوَصْمِ لغةِ القرآنِ بما يَشينُها أو مباراةِ القرآنِ في فصاحتِه ولا رامَها، بل عَدَلوا إلى العنادِ تارةً، وإلى الاستهزاءِ أخرى، ولا يكادون يَتَّفِقُونَ فيما بينهم على شيءٍ، فتارةً قالوا: سحرٌ، وتارةً قالوا: شعرٌ، وتارةً قالوا: أساطيرُ الأولين، كلُّ ذلك في اضطرابٍ وقلقٍ شديدين مِن أمرهم، اقرأ معي هذا الاضطرابَ الذي وقعوا فيه كما يُصَوِّرُه لنا القرآنُ نفسُه ﴿وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ. قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ﴾.الأنبياء:٣-٥
ولما تحدَّاهم القرآنُ عَجَزوا عن معارضتِهِ ولم يُحاولوا تأليفَ كلامٍ ولو كَذِباً مختَلَقاً أو سجعاً مفترى في معارضتِهِ، ولم يَجرؤ أحدٌ منهم أن يَفتح شِدقَيْهِ معترضاً بأنَّ في القرآنِ شذوذاً أو ركاكةً أو خروجاً عن سَنَنِ العرب في كلامها، وكان أمامَهم طريقان؛ طريقٌ سهلٌ، وطريقٌ صعبٌ وَعْر، طريقُ اللسانِ والبيانِ، وطريقُ السيفِ والسنانِ، فعَدَلوا عن السهلِ إلى الوَعر، ولو كان في مقدورهم أن يَسلُكوا السهلَ لمَا عَدَلوا عنه وسَلَكوا الوَعر.
ولأنهم يعلمون علم اليقين أن القرآن يأخذ بالألباب ويأسر القلوب ويخاطب العقول ويثير العواطف كانوا يتواصون فيما بينهم بالشغب في مجالسه وعدم الإصغاء إليه، وخشية تأثيره عليهم كانوا يضعون القطن في آذانهم لئلا يسمعوه، وقد صور لنا القرآن هذا المشهد في قوله تعالى ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾.فصلت:٢٦
ومن هنا يخاطبهم القرآن ويتحداهم أن يجدوا بين آياته اختلافا أو تضاربا ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيراً﴾.النساء:٨٢
وهذا ما يدفعنا إلى القول بأن في كل جملة أو كلمة أو حرف أو حركة قرآنية سرا دقيقا وحكمة بالغة، فلا تكاد تجد حرفا منه يأتي بمعنى حرف آخر أو كلمة تسد مسد كلمة منه، أو جملة تعطي من المعاني والدلالات مثل ما تعطيه جملة منه.
وبناء على ذلك برز الاهتمام ببيان الفروق الدقيقة بين الألفاظ والمعاني القرآنية، وكسي ثوب القدسية لما له من صلة وثيقة بكلام ربهم وبيان إعجازه.
والرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم هو أول من لفت الأنظار إلى هاته المسألة الدقيقة في الفروق بين الألفاظ والمعاني.
فقد روى ابن حبان عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، علِّمني عملاً يدخلني الجنةَ، قال: "لئن كنت أقصرت الخطبة، فقد أعرضت المسألة: أعتق النسمة، وفك الرقبة"، قال: أو ليستا بواحدة؟ قال: "لا، عتق النسمة أن تفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعطي في ثمنها، والمنحة الوكوف، والفيء على ذي الرحم القاطع، فإن لم تطق ذاك، فأطعم الجائع، واسق الظمآن، ومر بالمعروف، وانْهَ عن المنكر، فإن لم تطق ذلك، فكف لسانَكَ إلا من خير).4
و "لقد حرص العلماء على إظهار الفروق الدقيقة بين الألفاظ المستعملة، فعقدوا فصولا لأشياء تختلف أسماؤها باختلاف أحوالها".5
ولعل الذي أثارهم أن الناس لم يعودوا يفرقون بين جملة من الألفاظ، ويستعملونها بمعنى واحد، وكل ذلك يعود إلى الجهل باللغة وأسرارها، ولعل أول من أثر عنه التنبيه على ذلك هو ابن قتيبة (ت 276 هـ) في كتابه "أدب الكاتب" فقد أفرد لهذه الألفاظ بابا خاصا سماه "باب معرفة ما يضعه الناس غير موضعه"،6 فذكر الفروق بين طائفة من الألفاظ المتقاربة في المعنى، وذلك تبعا لدلالتها الأصلية في اللغة، حين لاحظ أن الناس يستعملونها بمعنى واحد، كالظل والفيء و..."7
ونراه يذكر ويبدي استغرابه من عجز أحدهم عن معرفة معاني بعض الألفاظ والفروق الدقيقة بين الألفاظ المتقاربة، ويقول في ذلك: "فما رأيت أحدا منهم يعرف فرق ما بين الوكع والكوع، ولا الحنف من الفدع، ولا اللّمى من اللطع، فلما رأيت هذا الشأن كل يوم إلى نقصان، وخشيت أن يذهب رسمُه، ويعفو أثرُه، جعلت له حظا من عنايتي".8
ثم تبعه في ذلك أبو الهلال العسكري (ت بعد 395هـ) وخصص لبيان الفروق اللغوية الدقيقة بين معاني الألفاظ المتقاربة والتي خفيت على كثيرين، يقول في مقدمة كتابة "إني ما رأيت نوعا من العلوم، وفنا من الآداب، إلا وقد صُنِّفَ فيه كتبٌ تجمع أطرافَه، وتنظم أصنافه، إلا الكلام في الفرق بين معان تقاربت حتى أشكل الفرق بينها، نحو العلم والمعرفة، والفطنة والذكاء، والإرادة والمشيئة، والغضب والسخط..."9
ثم حذا كثيرون حذو هؤلاء وعنوا ببيان أوجه الفرق بين الألفاظ المتشابـهة والمتقاربة.
وإيماناً مني بأن القرآن كريم لا ينقطع كرمه، ومعجز يستمر إعجازه ما تعاقب الملوان وترادف الجديدان؛ أحببت أن أغترف من بحره الزاخر، وأرتشف من معينه الفيَّاض، عسى أن أنفع القارئ وأزيد في قلبه حبَ كتابِ ربه، فإِنَّه كتَابٌ مُبارَكٌ تنزيلٌ مِنْ حكيمٍ حمِيدٍ، لا تَنقَضي عجائبُه ولا يَشبعُ منه العلماءُ، مَنْ ابْتَغَى الْهُدَى في غيره أَضَلَّهُ اللهُ، ومن تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللهُ، وهو حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَالصِّراطُ المستقيمُ، وهو قُرآنٌ عَجَبٌ، يهدي إلَى الرُّشْدِ، أَنزله اللهُ هدىً ورحمةً وشفاءً وبياناً وبصائِرَ وتذكرةً.
فالحمد للّٰه ربِّ العالمين حمداً كثيراً طيِّباً مباركاً فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضَى وكما ينبغي لكرم وجهِهِ وَعِزِّ جَلَالِهِ. آخِرُهُ وَللّٰهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
المسألة الأولى: تعــريف التــرادف
من الأفضل قبل الدخول في تفصيل الترادف أن نبين معنى كل من التباين والترادف ضرورة لأن التصديق مسبوق بالتصور.
أولا: التباين:
التباين في اللغة هو مصدر من باب التفاعل الدال على المشاركة، وهو مشتق من بَيَنَ بمعنى بعد وانفصل، تقول تباين القوم: أي تـهاجروا وتباعدوا، وتباين الرجلان بان كل واحد منهما عن صاحبه، وكذلك في الشركة إذا انفصلا، وبانت المرأة عن الرجل فهي بائن.10
أما في الاصطلاح فقد قال الغزالي: "وأما المتباينة فنعني بـها الأسامي المختلفة للمعاني المختلفة كالسواد والقدرة والأسد والمفتاح والسماء والأرض وسائر الأسامي، وهي الأكثر".11
وعرفه الجرجاني بقوله: التباين: ما إذا نسب أحد الشيئين إلى الآخر لم يصدق أحدهما على شيء مما صدق عليه الآخر، فإن لم يتصادقا على شيء أصلا فبينهما التباين الكلي كالإنسان والفرس، ومرجعهما إلى سالبتين كليتين، وإن صدقا في الجملة فبينهما التباين الجزئي كالحيوان والأبيض، وبينهما العموم من وجه، ومرجعهما إلى سالبتين جزئيتين.12
ومن الممكن أن نعرفه بتعريف آخر أوضح ونقول: التباين هو النسبة الموجودة بين لفظين أو أكثر يستقل كل منهما -أو منها- بإفادة غير ما يفيده الآخر من معنى تماما.
ثانيا:الترادف:
الترادف في اللغة: التتابع، تقول ترادف الشيء: أي تبع بعضه بعضا، قال تعالى: ﴿تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ﴾،النازعات:7 وقال تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾،الأنفال:9 معناه يأتون فرقة بعد فرقة. وقال الفراء: مردفين متتابعين.13
أما الترادف في الاصطلاح: فليس هناك اتفاق تام بين العلماء والدارسين قديما وحديثا على تعريف اصطلاحي واحد لمفهوم الترادف عندهم؛ وذلك لاختلافهم العريض في هذه الظاهرة.
وربما كان سيبويه أول من أشار إلى ظاهرة الترادف في الكلام حين قسم علاقة الألفاظ بالمعاني إلى ثلاثة أقسام14 ولو أنه لم يسم هذه الظاهرة بـهذا الاسم.
قال سيبويه: "اعلم أن من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين، واختلاف اللفظين والمعنى واحد، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين...واختلاف اللفظين والمعنى واحد نحو: ذهب وانطلق".
واشتهر هذا التقسيم حتى سار على منواله علماء وألفوا على أساسه كتبا.
فهذا الأصمعي والمبرد وأبو عبيد يجعلون شطرا منه عنوانا لبعض مصنفاتـهم، ككتاب "ما اختلف لفظه واتفق معناه" للأصمعي، وكتاب "ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد" للمبرد، وكتاب "الأسماء المختلفة للشيء الواحد" لأبي عبيد.
وقطرب وابن الأنباري يجعلان تقسيم سيبويه في مقدمة كتابيهما في الأضداد، ويفصلان فيه القول شرحا وتعليقا.
ولعل أولَّ من ذَكَرَ مصطلحَ الترادف صراحةً هو علي بن عيسى الرماني الذي جعله عنواناً صريحاً لكتابه "الألفاظ المترادفة والمتقاربة المعنى"، ثم جاء ابنُ مالك فألّف رسالةً في المترادفات اختار لها عنواناً -لا ذكرَ لمصطلح الترادف فيه- وهو "الألفاظ المختلفة في المعاني المؤتلفة".
وهكذا نجد أن العلماء اللغويين الأوائل قد فطنوا إلى فكرة الترادف في اللغة من غير أن يضعوا لمفهوم الترادف القيود والشروط التي بـها يتميز الترادف عن غيره.15
عرفه الجرجاني وغيره بأنه عبارة عن الاتحاد في المفهوم.
وقيل: هو توالي الألفاظ المفردةِ الدالَّةِ على شيءٍ واحدٍ باعتبارٍ واحدٍ.16
ويقول التهانوي: "الترادف لغةً ركوبُ أحدٍ خلفَ أحدٍ، وعند أهل العربية والأصول والميزان هو: توارد لفظين مفردين، أو ألفاظ كذلك في الدلالة على الانفراد بحسب أصل الوضع، على معنى واحد، من جهة واحدة".17
أما اللغويون المحدثون فمنهم من سار على نـهج اللغويين القدامى في تعريف الترادف، ورأى أنه أمر لا يحتاج إلى كبير عناء أو تمحيص، فعرفه بالتعريف المختصر البسيط المشهور "هو ما اختلف لفظه واتفق معناه" أو ما شابه ذلك.18
ومنهم من اتخذ تعريف المتأخرين من كتب التعريفات والمصطلحات معيارا لمفهوم الترادف فنقله وأفاض في شرح مفرداته كما فعل الأستاذ علي الجارم مع تعريف التهانوي.19
ومنهم من آثر أن يضع للترادف تعريفا من عند نفسه، كما فعل الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، إذ عرف الترادف "بأنه لفظ مفرد دال بالوضع على معنى قد دل عليه بالوضع لفظ آخر مفرد يخالفه في بعض حروفه الموضوع عليها بحيث تنطق به قبائل العرب كلها إذا شاءت، أو ألفاظ مفردة كذلك بشرط استقلال تلك المفردات في الاستعمال وفي الدلالة".20
وعرفه الدكتور الشايع -كما ذكره الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي ورجحه- بأنه هو: توالي وتتابع الألفاظ المفردة على معنى واحد، وذلك بأن يدل لفظان أو أكثر على معنى واحد دلالة حقيقية أصيلة.
أي ورود لفظين -أو أكثر- مختلفين في الاشتقاق، متفقين في المعنى، بحيث يدلان عليه دلالة حقيقية بدون فارق بينهما.21
ووضع بعضهم شروطا لا بد من توفرها حتى يتحقق القول بالترادف بين الألفاظ، وهذه الشروط هي:
الاتحاد التام بين اللفظين في المعنى.
الاتحاد في البيئة اللغوية بأن تنتمي اللفظتان إلى لهجة واحدة.
الاتحاد في العصر بأن يقال بالترادف بين اللفظين في زمن معين وعهد خاص.
أن لا يكون أحد اللفظين نتيجة لتطور صوتي حدث في الآخر كما في جبذ وجذب.22
وفي نظري أن هذه الشروط الثلاثة الأخيرة ليست شروطا في الحقيقة، وذلك لأن الناس الآن يستعملون بعض الكلمات المنتمية إلى لـهجات عربية، أو إلى لـهجة واحدة في عصور مختلفة، أو يكون بعضها نتيجة تطور صوتي للبعض الآخر؛ وهي مختلفة في مبانيها، متفقة في معانيها فيستعملونـها على أنـها لـهجة واحدة ولا يلاحظون انتماءها إلى أكثر من لـهجة أو إلى أكثر من عصر أو كون إحداها نتيجة تطور صوتي للأخرى، وبذلك تصبح تلك الكلمات باشتهار استعمالها هذا الاستعمال من المتـرادفة.
ولا يخفى ما للاستعمال من تأثير بالغ في تغيير أسماء الألفاظ، ومثال ذلك الألفاظ التي استعملت في معان مجازية، ولكنها بمرور الزمن نسي التجوز فيها، واشتهر استعمالها فيها حتى عدت من الحقائق.
ولهذا نجد بعض العلماء يجمع للمعنى أو الشيء الواحد ألفاظا ذات عدد، دون إشارة إلى كونها لغات فيهن وهذا هو مذهب "أبي مسحل الأعرابي ق2 هـ" في "كتاب النوادر" وابن السكيت (ت244 هـ) في "الألفاظ"، وللفيروز آبادي -صاحب القاموس (ت 817 هـ)- كتاب اسمه "الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف" وكتاب آخر في "أسماء العسل" ذكروا أنه جمع فيه منها ثمانين اسما.23
أما الأصوليون فإنـهم أيضا لم يُغفِلوا ظاهرةَ الترادف، بل تطرقوا إليها من خلال بيان ماهيته وتمييزه عما يشبهه كالمؤكد والتابع والتواطؤ والحد، وبذلك تميزوا عن غيرهم بالدقة في تعريف الترادف وبيان ما يميزه عما يلتبس به من الألفاظ والمصطلحات المتقاربة مع الترادف.
فهذا الإمام فخر الدين الرازي يقول في تعريف الألفاظ المترادفة: "هي الألفاظ المفردة الدالة على مسمى واحد، باعتبار واحد".24
ويقول الغزالي: "أما المترادفة فنعني بـها الألفاظ المختلفة، والصيغ الواردة على مسمى واحد كالخمر والعقار، والليث والأسد، والسهم والنشاب، وبالجملة كل اسمين لمسمى واحد يتناوله أحدهما من حيث يتناوله الآخر من غير فرق".25
أما المناطقة فلم يكترثوا بالتدقيق الذي أولاه الأصوليون أهمية كبيرة، ولم يفصلوا القول فيه كما فعل الأصوليون، بل كان تعريفهم للترادف موجزا، واكتفى بعضهم بقوله في تعريفه "اشتراك الألفاظ المتعددة في معنى واحد"26 وقال الترادف هو اتفاق لفظين أو أكثر في الدلالة على معنى واحد مثل "إنسان وبشر" و "هرة وقطة وسنور".27
ومن الممكن أن نعرفه بتعريف آخر أوضح ونقول: الترادف هو النسبة الموجودة بين لفظين أو أكثر يستقل كل منهما -أو منها- بإفادة تمـام مـا يفيده الآخر من معنى باعتبار واحد في لغة واحدة.
وخرج بقولنا: "يستقل كل منهما بإفادة تمام ما يفيده الآخر" التوكيد كقولنا جاء زيد زيد، والإتباع كقولنا: عطشان نطشان، شيطان ليطان، والألفاظ المتباينة.28
أما الأول -أي التوكيد- فلأنه لا يفيد عين فائدة المؤكَّد، بل يفيد تقويته، والمشروط في المترادف إفادة عين فائدة مترادفه.
وأما الثاني -أي التابع- فلأنه لا يفيد بوحده شيئا على الأصح، بل شرط كونه مفيدا تقدم المتبوع عليه، فلو قال قائل ابتداء: ليطان أو نطشان أو نائع مثلا لما أفاد أي منها معنى.
وأما الثالث -أي الألفاظ المتباينة- فلأن كل لفظ كان مباينا لغيره يستقل بإفادة غير ما يفيده ذلك الغير، فتكون مدلولات الألفاظ المتباينة مختلفة، سواء تباينت بالذوات كالسيف والرمح، أو بالصفات كالناطق والفصيح.
وبقولنا: "باعتبار واحد" خرج الحد والمحدود، لأن المحدود يدل على الماهية من حيث هي، والحد يدل عليها باعتبار دلالته على أجزائها، فالاعتباران مختلفان، ومثال ذلك الحد الجامع المانع لأولياء الله تعالى الوارد في قوله تعالى ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾.يونس:آيتان 62و63
أقول: إن ما ذكره العلماء من عدم ترادف الحد والمحدود لا بد أن يؤول بجعله خاصا بما عدا الحد اللفظي، فإنه لا خلاف في كون هذا الأخير مع المحدود مترادفين كما في قولهم: البر: القمح، والسبع: الأسد.
وبقولنا "في لغة واحدة" خرجت الترجمة، وهي اتحاد المعنى واختلاف الألفاظ تبعا لاختلاف اللغات، كلفظة "الجميل" التي تقابلها في اللغة الكردية لفظة "جوان"، فهما غير مترادفين، وقد خلط البعض -كالدكتور عبد الكريم النملة-29 بين الترادف والترجمة فعد اختلاف اللغة من الترادف وهو غير صحيح.
المسألة الثانية: الترادف بين الإثبات والإنكار
اختلف علماء اللغة في وقوع الترادف في اللغة على مذهبين:
ذهب فريق من العلماء إلى أن الترادف ثابت في اللغة وواقع فيها، ومن هؤلاء المثبتين أبو زيد الأنصاري، وابن خالويه، والأصمعي، وسيبويه، وابن جني، والفيروز آبادي، وقطرب وابن سيده، والرماني، والمبرد.
بيد أننا نجد المبرد في موضع آخر يرفض القول بالترادف -كما نقلته عنه بنت الشاطئ-.30
ومن المعاصرين الذين يقولون بالترادف ويعدونه من مزايا اللغة العربية الدكتور علي عبد الواحد في مقال له نشره في (مجلة الثقافة سنة 1963م) عن مزايا اللغة العربية التي انفردت بشرف نزول الوحي بها، وكان مما عده من مزاياها، أنها تستطيع لثرائها أن تؤدي المعنى الواحد بعشرات الألفاظ.
وكذلك الدكتور إبراهيم أنيس الذي قطع في كتابه "دلالات الألفاظ" بوجود الترادف في العربية، فلم يلمح فرقا، أي فرق، بين أن نقول مثلا: لم يسمع، وفي أذنيه صمم، وفي أذنيه وقر، وذكر الآية الكريمة شاهدا.
على أن الدكتورة عائشة عبد الرحمن تحسب أن الدكتور أنيس عدل بعد ذلك عن مذهبه هذا، ففي مناقشة لأزمة الترادف بلجنة الأصول في المجمع اللغوي وقف مع من أنكروا الترادف.31
وذهب فريق آخر منهم إلى إنكار الترادف في اللغة، وأوجبوا البحث عن فروق دقيقة بين الألفاظ المتقاربة.
ومن هؤلاء وابن الأعرابي، وثعلب، والثعالبي في "فقه اللغة"، وابن درستويه، وابن الأنباري في "الأضداد"، وأبو هلال العسكري، وأبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا.
ولعل ابن الأعرابي هو أوّل من سنّ سنة الإنكار وتبعه في هذا الآخرون.
وفي هذا يقول ابن الأعرابي: "كل حرفين أوقعتها العرب على معنى واحد، في كل واحد منهما معنى ليس في صاحبه، ربما عرفناه، فأخبرنا به، وربما غمض علينا فلم نلزم العرب جهله".32
ثم تبعه على إنكار الترادف تلميذه أحمد بن يحيى ثعلب، وهؤلاء قالوا: "إن كلَّ ما يُظن من المترادفات فهو من المتباينات التي تتباينُ بالصفات كما في الإنسان والبشر فإن الأول موضوع له باعتبار النسيان أو باعتبار أنه يُؤْنس والثاني باعتبار أنه بادي البشرة، وكذا الخَنْدَريس العُقار فإنّ الأول باعتبار العتق والثاني باعتبار عَقْر الدَّنّ لشدَّتها".33
وقبل أن نبين الرأي الراجح في وقوع الترادف في اللغة ينبغي أن أبين هنا مسألة ذات صلة وطيدة بما نحن بصدد البحث عنه، فلذا أقول:
إن اتحاد المعنى على وجهين:
الوجه الأول: اتحاد في المعنى ذاتا وصفة، أو بتعبير آخر "ما صدقا وماهية" كالحنطة والبر والقـمح، فإنها تـدل على نـوع خـاص من الحبـوب التي من قـوت الناس، وكالقسورة والغضـنفر، وهذا النوع يسمى بـ "الترادف المحض" وألفاظه بـ "المترادفة".
الوجه الثاني: اتحاد في المعنى ذاتا فقط دون الصفة، أو بتعبير آخر ماصدقاً فقط دون الماهية، وهذا النوع يسمى بـ "التساوي والتكافؤ" وألفاظه بـ "المتساوية والمتكافئة".34
ومثاله الألفاظ الدالة على ذات واحدة، وما صدقها واحد مع تباين في صفاتـها كأسماء القرآن، فماصدقها واحد، وهو الكتاب المنـزل على نبينا -عليه الصلاة والسلام-، مع أن كل اسم من أسمائه يدل على معنى غير المعنى الذي يدل عليه بقية أسمائه، فالقرآن مثلا يدلُّ على جمعه أو قراءته، والفرقان يدل على تفريقه بين الحق والباطل، وهكذا في بقية أسمائه الكريمة المباركة.
وقد شنع قطب الدين الرازي في شرح الشمسية35 على من قال: إن مثل السيف والصارم من الألفاظ المترادفة لصدقهما على ذات واحدة، حيث قال: "إنه فاسد، لأن الترادف هو الاتحاد في المفهوم لا الاتحاد في الذات، نعم؛ الاتحاد في الذات من لوازم الاتحاد في المفهوم دون العكس". وأقرَّه السيدُ عبد الحكيم السيالكوتي وآخرون.36
ومن أمثلة هذا القسم أيضا أسماء الله تعالى، وأسماء رسوله صلى الله عليه وسلم، وأسماء الآخرة، فمما ورد من أسماء الآخرة: يوم التغابن، ويوم الدين، ويوم القيامة، ويوم الفصل، فهي تطلق جميعا على الآخرة، ولكن باعتبارات شتى، فيطلق عليها مثلا يوم الفصل لما فيها من الفصل في القضايا وبين الخصماء، ويطلق عليها يوم القيامة لقيام الناس يومئذ لرب العالمين وهكذا في بقية الأسماء.
فائدة هذا التقسيم
من فوائد هذا التقسيم:
رفع الخـلط الذي وقع لكثيـر من النـاس من النـافين لوقـوع المتـرادف من جانب، والمبالغين في دعوى إثباته من جانب آخر، وذلك لأن من القائلين بوقوعه من لم ينظر إلى وجه التفريق بين الوجهين المار ذكرهما فجعل كلا من الوجهين من المترادف، وقد ألف في ذلك كتب.37
ولما جاء النافون -وقد وقع نظرهم على ما زعم ترادفه- رأوا أن من بين ما زعم ترادفه ما ليس بترادف، بل غـاية ما في الأمر أن تلك الألفاظ تصدق على ماصدق واحد، مع اختلاف صفاتها كأسماء الآخرة، فإنـها سميت بيوم القيامة لقيام الناس يومئذ لرب العالمين، وسميت بالقـارعة لأنها تقرع القلوب بالفزع، وبالحاقة لأن الأمر يحق فيها، وبالتغابن لما يغبن الناس فيها بعضهم بعضا بنـزول السعداء منازل الأشقياء التي كانوا ينـزلونها لو كانوا سعداء، ونزول الأشقياء منازل السعداء التي كانوا ينـزلونـها لو كانوا أشقياء، وهكذا في بقية أسمائها.
فعندما وقع نظر هؤلاء النافين على هذا التباين والاختلاف بين تلكـم الألفاظ التي زعم ترادفها؛ ظنوا أن جميـع الألفاظ التي أدرجت في قائمة المترادف مختلفة في الصفات ولو بوجه، فنفوا الترادف مطلقا، وهذا ما دعا البعض إلى التكلف والتعسف في إيجاد بعض الفروق بين كل لفظ ادعي ترادفه مع غيره.
والذي أريد أن أقوله هنا هو: أن ما نفى النافون تسميته بالترادف هو الوجه الثاني فقط، أي ما اتحد في الذات والماصدق دون الصفات، والذي يسمى بالمتكافئ والمتساوي.
أما المبالغون في إثبات الترادف فقد أدرجوا الوجهين معا في قائمة المترادف فكان هذا الخلط واللبس.
والصواب الذي أراه أمران:
الأمر الأول: ليس كل ما ادعي فيه الترادف مترادفا في الحقيقة، لوجود فروق ظاهرة بينها لمن يدقق النظر فيها.
الأمر الثاني: ليس كل ما نفي الترادف فيه ليس بـمترادف، لأنه بالنظر إلى الواقع يتبين أن هناك ألفاظا متحـدة في الذات والماصـدق والصفة، وهي التي تسمى بالمتـرادفة، ولكنها قليلة جدا، ومن التكلف والاعتساف إيجاد الفروق بينها.
وحمدا للّٰه تعالى فقد رأيت -بعد تسطيري لهذه الكلمات- عن بعض العلماء القول بأنه ينبغي أن يحمل كلام من منع وقوع الترادف على الوجه الثاني، نظرا لما فيه من تباين الصفات.
قال العلامة الزركشي في تشنيف المسامع:
"والحاصل أن من جعلها مترادفة نظر إلى اتحاد دلالتها على الذات، ومن منع نظر إلى اختصاص بعضها بمزيد معنى، فهي تشبه المترادفة في الذات، والمتباينة في الصفات".38
ويقول الغزالي في معرض كلامه عن اللبس الذي يقع فيه الناس في عدم التمييز بين أقسام اللفظ:
"قد تلتبس المترادفة بالمتباينة، وذلك إذا أطلقت أسام مختلفة على شيء واحد باعتبارات مختلفة، ربما ظن أنها مترادفة كالسيف والمهند والصارم، فإن المهند يدل على السيف مع زيادة نسبة إلى الهند، فخالف إذا مفهومه مفهوم السيف، والصارم يدل على السيف مع صفة الحدة والقطع، لا كالأسد والليث".39
المسألة الثالثة: الترادف في القرآن الكريم
بعد أن ذكرنا في المسألة السابقة الرأي الراجح في وقوع الترادف ورفعنا الخلط الذي وقع فيه كثيرون، وقلنا بأن الترادف واقعٌ ولكنه نادرٌ، أحب أن أنوه لملاحظة مهمة في هذا الباب يجب أن لا نغفل عنها، وهي أن القول بوجود الترادف لا بد أن يخصص باللغة فقط، ولا يتجـاوز به إلى ساحة القرآن الواسعة، لأن الأصح من أقوال العلماء أن الترادف لا يجد له مكانا في القرآن.
نعم إن القرآن عربي، بيدَ أنه يختلف تماما عن الكلام العربي في جوانب كثيرة، ومن أبرز تلكم الجوانب أنه كتاب أحكمت آياته من لدن حكيم عليم خبير، وليس من كلام البشر، قال تعالى ﴿الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾،هود:١ وقال ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾،النمل:٦ وهذا يقتضـي أن لا يختار فيه لفظ إلا لأجل وجود معنى فيه غير موجود في غيره، وهذا لا يعني أن نكون عالمين بكل مدلولات ألفاظه، وأوجه الفـرق بينها، لأن القرآن ليـس خـاصـا بزمـن، أو مـكان، أو مـرحلة، ولو كان كـذلك لمـا كـانت صـفة الكرم الثابتة له مستمرة، وهذا ما يتنافى مع طبيعة القرآن الكريمة المعطية لكل جيل ما يوافق الزمان الذي يعيشون فيه ومقتضيات كل مرحلة من مراحل حياتـهم.40
قال تعالى ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾،الواقعة:٧٧ قال الواحدي: قال أهل اللغة: الكريمُ: اسمٌ جامعٌ لكل ما يحمدُ ويستحسنُ، والكريم المحمود فيما يحتاج إليه فاللهُ تعالى موصوفٌ بأنه كريم، وكذلك القرآنُ موصوف بأنَّه كريم.41
ثم إن العلماء قاطبة متفقون على أن القرآن معجز، وقد تحدى الله به العالمين من الإنس والجن أن يأتوا بمثله أو بعشر سور أو بسورة من مثله، وهذا يعني أن لا توجد لفظة أو عبارة تحل محل لفظة قرآنية أو عبارة قرآنية، وإلا فليس بمعجز، ولذلك قال ابن عطية:
"ووجه إعجازه أن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما، وأحاط بالكلام كله علما، فإذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته أيَّ لفظة تصلح أن تلي الأولى وتُبَيِّن المعنى بعد المعنى، ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره، والبشر معهم الجهل والنسيان والذهول، ومعلوم ضرورةً أن بشرا لم يكن قط محيطا، فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة".42
ثم يقول: "والصحيح أن الإتيان بمثل القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين، ويظهر لك قصور البشر في أن الفصيح منهم يصنع خطبةً أو قصيدةً يستفرغ فيها جهدَه ثم لا يزال ينقحها حولا كاملاً، ثم تعطى لآخر نظيره فيأخذها بقريحة جامة فيبدل فيها وينقح، ثم لا تزال كذلك فيها مواضع للنظر والبدل، وكتاب الله لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها لم يوجد".43
ومن المفسرين الذين منعوا وقوع الترادف في القرآن المجيد محمد بن جرير الطبري، والراغب الأصفهاني، وابن عطية الأندلسي، والزمخشري، وابن تيمية، وابن كثير، والخطابي، والقرطبي، والزركشي.
فهذا الإمام الراغب الأصفهاني يبين الفروق الدقيقة بين كثير من ألفاظ القرآن الكريم المتشابـهة في كتابه القيم الفريد في نوعه "مفردات ألفاظ القرآن"، وذكر في مقدمة كتابه هذا أنه "وأتبع هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ونسأ في الأجل، بكتاب ينبئ عن تحقيق 'الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد وما بينها من الفروق الغامضة'، فبذلك يعرف اختصاص كل خبر بلفظ من الألفاظ المترادفة دون غيره من أخواته، نحو ذكره القلب مرة والفؤاد مرة والصدر مرة".44
وألَّف الحكيم الترمذي كتابا سمّاه "الفروق ومنع الترادف" بيّن فيه الفروق بين بعض الكلمات القرآنية المتقاربة، وأتبعه بكتاب آخر قريب منه: "تحصيل نظائر القرآن".
ثم جاء المعاصرون وناقشوا هذه المسألة ورجح أكثرهم منع القول بوقوع الترادف في القرآن الكريم، وبينوا فروقا دقيقة بين كثير من تلكم الألفاظ المتقاربة، ولو أنـهم تكلّفوا تارة، ولم يوفقوا تارة أخرى.
ومن تتبع الكلمات القرآنية المتقاربة يتبين له مدى دقة اختيار القرآن للكلمات بل للحروف والحركات.
وقد تجد الفاصلة القرآنية تنتهي بكلمة في موضعين أو أكثر ولكن مع تغيير طفيف في نهاية الكلمة، وكل ذلك لحكمة بيانية بالإضافة إلى مراعاة الفاصلة في بعض المواضع وعدم مراعاتها في مواضع أخرى.
خذ على سبيل المثال كلمة السبيل في نهاية آيتين من سورة الأحزاب، الآية رقم 4 ﴿ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ والآية رقم 67 ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾ ففي الثانية كتبت الكلمة ممدودة هكذا "السبيلا"، وفي الأولى جاءت غير ممدودة هكذا "السبيل".
ومن أسرار ذلك أن المد في الآية الثانية جاء مراعيا لحال الكافرين الذين قالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا، فإن هؤلاء الكفار لما ألقوا في النار وسقطوا في قعرها وقُلِّبتْ وجوههم فيها بدأوا يصطرخون ويمدون أصواتهم بالبكاء والدعاء، ومعلوم أن من كان في حفرة فإنه يمد صوته إلى الأعلى قدر ما يمكنه ذلك، فجاءت الكلمة هنا ممدودة لتتناسب مع مد الصوت بالبكاء والصراخ والعويل، بخلاف الآية الأولى حيث لم تنتهِ بقولٍ أصلا بل، انتهت بفعل من أفعال الله ﴿وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾.الأحزاب:4 45
وفي غير الفواصل تجد الاختلاف في مثل "المهتد، المهتدي" و "اتّبعني، اتبعنِ" و "كيدوني، كيدونِ" و "أخّرتني، أخرتنِ" و "اخشوني، اخشونِ" وعلى العموم فإن الفعل إذا كان كبيراً يكون التحذير أشد، فعندما يُطهِر الياء يكون الأمر أكبر والتحذير أشد في جميع القرآن.
والأعجب من ذلك ما نراه في القرآن من دقة في اختيار كتابة الكلمات، وحتى إنك لتجد الكلمة الواحدة في مكان مكتوبة برسم، وفي مكان آخر برسم مختلف عما كتب في المكان الأول، وليس ذلك عبثا، بل لحكمة وذوق يتذوقه الخبير بلغة القرآن ورسمه.
وعلى سبيل المثال وردت كلمة "امرأة" المفردة غير المضافة إلى ضمير في القرآن الكريم إحدى عشرة مرة، أربع مرات بالتاء المربوطة "امرأة"، وسبع مرات بالتاء المفتوحة "امرأت".
وإذا تتبعت تلكم النصوص التي وردت فيها هذه الكلمة فسوف تذهلك الدقة العجيبة التي تلمسها من الرسم القرآني، حيث تجد القرآن إذا ذكر كلمة "امرأة" وأراد بـها جنس المرأة من غير أن يضيفها إلى زوجها فإن الكلمة تكتب بالتاء المربوطة، وحيثما أراد منها امرأة بعينها وأضافها إلى زوجها فتكتب الكلمة حينئذ بالتاء المفتوحة!!.
هذا بالإضافة إلى أن امرأت جاءت على لغة طي.46
وإليك النصوص التي وردت فيها هذه الكلمة:
1- ﴿وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ﴾.النساء:12
2- ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا﴾.النساء:128
3- ﴿إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾.النمل:23
4- ﴿وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.الأحزاب:50
5- ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.القصص:9
6- ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.آل عمران:35
7- ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾.يوسف:30
8- ﴿قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾.يوسف:51
9- ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتُ نُوحٍ وَاِمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾.التحريم:10
10- ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.التحريم:11
فسبحان الله القائل: ﴿الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾،هود:1 والقائل: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾.النمل:6
هذا بالإضافة إلى أن القرآن الكريم لدقته آثر في بعض المواطن كلمة الزوج في حين آثر في أخرى كلمة امرأة، ولم يكن ذلك عبثا، بل كان ذلك لحكمة بالغة في التفريق بين الألفاظ والمعاني، فكلمة (زوج) تأتي في القرآن حين تكون الزوجية هي مناط الموقف: حكمة وآية، أو تشريعا وحُكما.
ففي آية الزوجية قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾،الروم:21 وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾.الفرقان:74
وكذلك الأمر في "أزواج" عند الكلام عن الجنة كما في قوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾،البقرة:٢٥ ومثل ذلك في آل عمران 15، والنساء 56، و ويس56، والزخرف 70 وغيرها.
فإذا تعطلت آيتها من السكن والمودة والرحمة بخيانة أو تباين في العقيدة، فامرأة لا زوج كما في خيانة امرأة العزيز كما أوردتها سورة يوسف في الآية 30: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ والآية 51: ﴿قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾.
وحكمة الزوجية في الإنسان وسائر الكائنات الحية من حيوانات ونبات هي اتصال الحياة بالتوالد، وفي هذا السياق يكون المقام لكلمة زوج وزوجين وأزواج من ذكر وأنثى.
فإذا تعطلت حكمة الزوجية في البشر بعقم أو ترمل، فامرأة لا زوج كالآيات في امرأة إبراهيم -على سبيل المثال- ﴿وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾،هود:71 ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾.الذاريات:29
ويضرع زكريا إلى الله سبحانه كما في سورة مريم: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا. وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾.
ولما بشره الملك بالغلام قال: ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾،آل عمران:40 وفي سورة مريم:8 ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾.
ثم لما استجاب له ربُّهُ وحققت الزوجيةُ حكمتَها كانت الآية 90 من سورة الأنبياء: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾.47
وانظر كذلك إلى لفظة الربا التي وردت في القرآن الكريم ثماني مرات، كيف رسمها القرآن الكريم بهيئتين مختلفتين، في سبع مرات منها وردت اللفظة على هيئة (ربوا) بزيادة حرف الواو الذي يدل على كونه واوا مأخوذا من ربا ربو.
وفي مرة واحدة فقط وردت اللفظة بحذف الواو.
ولنتتبع الآيات التي وردت فيها لفظة الربا:
أولا: هيئة (ربوا):
﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَوٰاْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَوٰاْ وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَوٰاْ فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.البقرة:٢٧٥
﴿يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَوٰاْ وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّٰهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾.البقرة:٢٧٦
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَوٰاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.البقرة:٢٧٨
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَوٰاْ أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.آل عمران:١٣٠
﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوٰاْ وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾.النساء:١٦١
ثانيا: هيئة "ربا"
﴿وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُواْ عِندَ اللهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾.الروم:٣٩
لماذا كتبت اللفظة الواحدة على هيئتين مختلفتين؟ هل يمكن أن يكون ذلك عبثا من غير حكمة ولا سبب؟
والجواب: أن ذلك إذا كان ممكنا ومتصورا في كلام البشر فإنه لا يمكن أن يتصور أو يحدث في كلام الله الذي لا يعتريه أي نقص أو زيادة.
ولكن ما الحكمة في ذلك؟
ربما يكون لذلك أكثر من سبب، ولكن الذي يظهر لنا هو أن الربا لغة بمعنى النمو والزيادة، وفي الاصطلاح زيادة بشرط خال عن عوض، ولذلك زيد على اللفظة حرف الواو، ومعلوم أن الزيادة في المبنى تدل على زيادة في المعنى، وهذا ما نلمسه في المرات السبع، ولكن عندما ينفي القرآن الزيادة عن الربا عند الله تعالى فإنه حينئذ يحذف الزيادة في اللفظ دلالة على حذف الزيادة ونفيها، وهذا ما نلمسه في قوله تعالى في آية سورة الروم: ﴿وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُوا عِندَ اللهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُون﴾.الروم:٣٩
فإذا كان للاختلاف في الرسم والاختلاف في اللفظ حكمته فإنه يترتب عليه أن الاختلاف في السياق يؤدي إلى الاختلاف في المعنى فلا يوجد نصان يختلفان في حرف أو حركة إلا إذا كان معناهما مختلفين كذلك، ولا يمكن أن يكونا مترادفين ولا يكون للاختلاف أي تأثير أو دور.
على سبيل المثال نجد في القرآن الكريم أن الصبر من عزائم الأمور، وورد هذا في ثلاث آيات، ومن يدقق النظر في هذه النصوص الكريمة يجد أنه في نصين منها ورد الخبر مجردا من اللام كما في قوله تعالى في سورة آل عمران، الآية: 186 ﴿فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾، وقوله، في سورة لقمان، الآية: 17 ﴿إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ بينما أكد الخبر في سورة الشورى باللام في قوله تعالى في سورة الشورى، الآية: 43 ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾.
وبعد التأمل في هذه النصوص يظهر ما يأتي:
ثـمة فرق بين المصائب التي تأتي المرء وتصيبه ولا دخل للبشر فيها والتي تسمى بالمصائب السماوية، وبين المصائب التي تصيب المرء وتأتيه من الآخرين، الأولى مهما عظمت يكون وقعها على الإنسان وأضعف وتأثيرها أقل من الثانية، وبيان ذلك أنك قد تخبر بوفاة ابنك فتحزن، ولكن حزنك يكون أقل من حزن رجل آخر يخبر بقتل ابنه مع أن النتيجة واحدة.
ولذلك ورد النص في آية الشورى مؤكدا باللام لأن الآية جاءت في سياق الكلام عن الصبر على ظلم الناس وبغيهم، ويدل على ذلك أن الآية أمرت بالصبر، ومع الصبر المغفرة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ. وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾.الشورى:٤٢-٤٣
وفي آية لقمان جاء النص مجردا عن لام التوكيد لأن الآية جاءت في سياق الصبر مجردا عن المغفرة، قال تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾.لقمان:١٧
أما في آية آل عمران فإنـها وإن كانت تتكلم عن الصبر على ظلم الناس إلا أن الظلم هنا أخف وأخص من الظلم الوارد في سورة الشورى، فالظلم الوارد هنا هو ظلم باللسان فقط قال تعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾آل عمران:186 وهو أخص من الظلم مطلقا، وأخف من الظلم المقرون بالبغي بغير الحق، وهو ما ورد في آية الشورى.
ومن جانب آخر فإن الصبر هنا مجرد عن المغفرة فجرد النص عن اللام، وفي الشورى اقترن الصبر بالمغفرة فاقترن النص فيها باللام.
وبـهذا يتبين أن كل اختلاف في الرسم أو اللفظ أو السياق مقصود في القرآن، وللكل مدلوله الخاص به وحكمته البالغة، علمها من علمها وجهلها من جهلها.
وإذا تجاوزنا الاختلاف إلى التشابه فإننا نفاجأ بأمور لا نستطيع أن نقف إزاءها إلا ساجدين للذي أنزل هذا القرآن على قلب سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
اقرأ معي هاته الآية الكريمة التي تتكلم عن تشابه خلق النبيين الجليلين آدم وعيسى -عليهما السلام-:
﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّٰهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾.آل عمران:59
فالآية هذه ترد على الذين ألَّهوا سيدنا عيسى عليه السلام استدلالا بكيفية خلقه حيث خلق من غير أب، والقرآن هنا يرد على مثل تلكم الدعاوى من حيث تشابه خلق عيسى عليه السلام بخلق آدم عليه السلام، فلو كان الخلق من غير أب دليلا على الألوهية لكان آدم عليه السلام أولى بذلك من عيسى عليه السلام لكونه مخلوقا من غير أب ولا أم، لكن آدم عليه السلام ليس بإله لأنه مخلوق، فكذلك عيسى عليه السلام.
هذا من حيث المعنى، وهو الظاهر الذي لا يخفى على من يقرأ القرآن.
ولكن هل هناك تشابه آخر قد خفي على كثيرين وشردت أذهانهم عنه؟
استقرئ معي عدد ورود اسم هذين النبيين الكريمين حتى يتبين لك أن اسم آدم عليه السلام قد ورد في القرآن الكريم (25) خمسا وعشرين مرة، واسم عيسى عليه السلام قد ورد كذلك (25) خمسا وعشرين مرة.48
وثمة برهان آخر على دقة القرآن الكريم في كلماته وحروفه، ولو لم يكن في القرآن سواه لكان كافيا على كونه الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلا من حكيم حميد، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ. لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾.فصلت:42
وهذا المثال هو سورة نوح عليه السلام.
ولنتأمل معا في بعض جوانب أسرار هذا المثال:
أولا: تتميز سورة نوح عن غيرها من السور المسماة بأسماء مرسلين، بأنها تتحدث من أول حرف فيها إلى آخر حرف عن الرسول الذي سميت باسمه.
ثانيا: إن مدة اللبث الوحيدة التي ذكرت في كتاب الله تعالى لرسول في قومه، هي مدة لبث نوح عليه السلام، يقول تعالى:
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾.العنكبوت:١٤
فالعدد الذي يبين هذه المدة هو العدد (950).
ثالثا: إن أكبر سر تختزله سورة نوح عليه السلام يتعلق بالعدد (950) والمعجزة القرآنية تتجلى بوضوح بأن يكون مجموع حروف سورة نوح عليه السلام (950) حرفا مرسوما دون زيادة أو نقصان..
ولنقرأ سورة نوح آية آية، ولنبين مجموع الحروف المرسومة في كل آية:
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ = (51) حرفا.
﴿قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ = (21) حرفا.
﴿أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ﴾ =(25) حرفا.
﴿يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ = (65) حرفا.
﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا﴾ = (26) حرفا.
﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾ = (21) حرفا.
﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا﴾ = (78) حرفا.
﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا﴾ = (16) حرفا.
﴿ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾ = (28) حرفا.
﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ = (27) حرفا.
﴿يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا﴾ = (21) حرفا.
﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ = (41) حرفا.
﴿مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ للّٰهِ وَقَارًا﴾ = (20) حرفا.
﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾ = (14) حرفا.
﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا﴾ = (29) حرفا.
﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا﴾ = (31) حرفا.
﴿وَاللهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا﴾ = (23) حرفا.
﴿ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾ = (25) حرفا.
﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا﴾ = (21) حرفا.
﴿لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا﴾ = (20) حرفا.
﴿قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا﴾ = (49) حرفا.
﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا﴾ = (15) حرفا.
﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ = (53) حرفا.
﴿وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا﴾ = (33) حرفا.
﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللهِ أَنصَارًا﴾ = (52) حرفا.
﴿وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ = (36) حرفا.
﴿إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ = (41) حرفا.
﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا﴾ = (68) حرفا.
وبهذا يظهر أن مجموع حروف سورة نوح هو (950) حرفا مرسوما، وهو مدة لبث نوح عليه السلام في قومه، وكل حرف من سورة نوح يقابل وحدة زمنية من مدة لبثه عليه السلام. 49
المسألة الرابعة: خفاء الفروق بين الألفاظ وعلاقته بالترادف
لا ريب أن ثمة ألفاظا قد خفي وجه الفرق والتباين بينها على بعض فعدت عندهم من المترادفة، ولم يخف عند آخرين فاشتد إنكارهم على من عدها مترادفة كألفاظ: اللباس والثياب، والريح والرياح، والمخلَّد والخالد، وقعد وجلس، والمطر والغيث وغيرها.
ولو تتبعنا استعمالات العرب والقرآن لـها يظهر لنا وجه الفرق بينها ولنأخذ بعض الأمثلة على ذلك:
المثال الأول: العدل والقسط:
يظن كثير من الناس أن كلا من العدل والقسط مترادفان، ومن يتتبع مواردهما في القرآن يظهر له جليا أنهما بمنأى عن الترادف، واجتماعهما معاً في آية واحدة دليل على تغايرهما كما في قوله تعالى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.الحجرات:٩
ويظهر الفرق بين قسط وعدل في أمرين:
أولا: إن القِسْط هو العدلُ البيِّنُ الظاهرُ، ومنه سمي المكيالُ قِسطاً والميزانُ قِسطاً لأنه يصور لك العدل في الوزن حتى تراه ظاهرا، بينما قد يكون العدل ظاهراً، وقد يكون من العدل ما يخفى، ولهذا قال أبو الهلال: إن القِسط هو النصيب الذي بينت وجوهُهُ، وتقسط القوم الشيءَ تقاسموا بالقسط.50
ثانياً: إن العدل نقيض الجور ويكون بإعطاء كل ذي حقٍ حقَّهُ، أما القِسط فهو إزالة ظلم قد وقع، وهذا الفرق يتجلى أكثر إذا عرفنا الفرق بين قَسَطَ وأَقْسَطَ، لأن قَسَطَ بمعنى ظَلَمَ وجار والمصدر هو القَسط، واسم الفاعل هو القاسط، ويأتي أقسط لإزالة ذلك الظلم الواقع، يقال: أقسط يُقسط إقساطا وقِسطا، وهو مُقسط، إذا عدل، ويقال: قَسَطَ يَقسط قَسطاً فهو قاسط إذا جار، وكلاهما مأخوذان من القِسط الذي هو بمعنى النصيب، فالقَسْط هو أن يأخذ قِسط غيره وذلك جور، والإقساط أن يعطي قِسْطَ غيره، وذلك عدل وإنصاف، والهمزة في أقسط للسلب والإزالة كما يقال: شكا إليه فأشكاه.
وبهمزة الإزالة تفرق بين المعنى وضده كما في: عذر وأعذر، عذره بمعنى قبل عذره، وأعذره بمعنى سلب عذره، وفي الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعذر الله إلى امرئ أخر أجله، حتى بلغه ستين سنة"51 أي سلب عذر ذلك الإنسان فلم يبق له عذرا يعتذر به حيث "أخر أجله" أي أطاله "حتى بلغ ستين سنة".
ومثل جار وأجار، جار أي ظلم، وأجاره أي أدخله في جواره فرفع الظلم عنه، ومثل صرخ وأصرخ، صرخ يعني صاح واستغاث وصنع فعل الصراخ، وأصرخ أي أغاثه فأزال صراخه قال ابن الأعرابي: الصارخ المستغيث، والمصرخ: المغيث، يقال: صرخ فلان، إذا استغاث وقال: واغوثاه، وأصرخته أي: أغثته، كما في خطبة الشيطان التي نقلها لنا القرآن الكريم ﴿مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾،إبراهيم:٢٢ قال ابن عباس: أي بمغيثكم ولا منقذكم.52
ومن أسمائه الحسنى العدل والمقسط، فالعدل هو إعطاء كل ذي حق حقه، هذا وقد يخفى وجه العدالة على الإنسان، فلذلك تجده يعترض على إرادته الله إذا لم توفق مشيئته وإرادته ظانا بان الله قد ظلمه، أما القسط فهو إزالة الظلم بشكل بيِّنٍ ظاهر -والله أعلم-.
اللباس والثياب:
قال الراغب: [واللباس واللبوس واللبس ما يلبس، قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ﴾الأعراف:من الآية 26 وجعل اللباس لكل ما يغطى من الإنسان عن قبيح، فجعل الزوج لزوجه لباسا من حيث إنه يمنعها ويصدها عن تعاطى قبيح، قال تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾.البقرة:من الآية 187
وجعل التقوى لباسا على طريق التمثيل والتشبيه، قال تعالى: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ﴾الأعراف:من الآية 26 وقوله: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ﴾الأنبياء:من الآية 80 يعنى به الدرع وقوله: ﴿فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ﴾،النحل:من الآية 112 وجعل الجوع والخوف لباسا على التجسيم والتشبيه تصويرا له،... وأصل اللبس ستر الشيء، ويقال ذلك في المعاني، يقال لبست عليه أمره، قال: ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ﴾الأنعام:من الآية 9 وقال: ﴿وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾البقرة:من الآية 42 ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾آل عمران:من الآية 71 ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ﴾.الأنعام:من الآية 82 53
وقال عن الثوب: "أصل الثوب رجوع الشيء إلى حالته الأولى التي كان عليها، أو إلى الحالة المقدرة المقصودة بالفكرة، فمن الرجوع إلى الحالة الأولى قولهم ثاب فلان إلى داره وثابت إلي نفسي، وجمع الثوب أثواب وثياب وقوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾المدثر:5 يحمل على تطهير الثوب وقيل الثياب كناية عن النفس".54
ومن يلاحظ النصوص القرآنية التي ورد كل منهما فيها ويتدبرها يتبين له أوجه الفرق الآتية:
أولا: اللباس داخلي، والثياب خارجية تظهر للعيان، وذلك يعني أن اللباس يلاصق الجسم، والثياب تكون على اللباس. ويدل على ذلك هذه النصوص: ﴿يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾هود:من الآية:5 و ﴿وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ﴾نوح:من الآية 7 و ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ﴾.النور:من الآية 60
ثانيا: اللباس يستر سوءة يحرص المرء بفطرته على سترها، يدل عليه قوله تعالى: ﴿قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ﴾الأعراف:من الآية 26 بينما الثياب تستر فتنة في الجسم تحدث النفس بإبدائها.
ثالثا: اللباس يصعب التخلي عنه، فلذلك آثر القرآن الكريم إصحابه فعل "ينـزع" لما فيه من صعوبة، والثياب يسهل التخلي عنها والعود إليها، ولذلك آثر القران الكريم إصحابـها فعل "يضع" لما فيه من سهولة، ومن ثم تغري سهولة وضعها وارتدائها بتكرار ذلك، وقد نص القرآن الكريم على أن ذلك يتكرر ثلاث مرات في اليوم والليلة.
ومن جانب آخر فإن الثياب وردت بمعنى كنائي للثياب في قوله: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ قال الراغب عن الثياب في هذه الآية "يحمل على تطهير الثوب، وقيل الثياب كناية عن النفس".55
أما اللباس فورد بمعنى الستر مطلقا، كما في قوله تعالى عن الأزواج: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾،56 وقوله عن الإيمان أو الحياء أو العمل الصالح -أقوال57-:﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ﴾،58 وقوله عن الليل ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا﴾.59
وعلاوة على ذلك انفرد اللباس بمعنى مجازي كما في قوله تعالى عن الجوع والخوف ﴿فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾60 وجعل لهما اللباس لأن الجوع خالط أذاه أجسامهم، فجعل الله تعالى ذكره لذلك لمخالطته أجسامهم بمنزلة اللباس، وذلك أنـهم سلط عليهم الجوع سنين متوالية بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الخوف الذي خالطهم من سرايا النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت تطيف بـهم.61 وهي استعارة تجريدية، والاستعارة التجريدية هي أن تنظر إلى جانب المستعار له ثم تأتي بما يناسبه ويلائمه... فالمستعار اللباس، والمستعار له الجوع، وفيها مراعاة المستعار له الذي هو المعنى وهو الجوع والخوف لأن ألمهما يذاق ولا يلبس.62
المثال الثاني: الريح والرياح، وقد وردا كذلك في القرآن الكريم، وكان الأول أعم من الثاني، إذ ورد فيه بثلاثة معان:
المعنى الأول: العقوبة والعذاب، وقد ورد بهذا المعنى في عدة آيات إليك بعضا منها: قوله تعالى: ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾الذاريات:41 وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ﴾.القمر:19
المعنى الثاني: الشوكة والقوة ومنه قوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾.الأنفال:46
المعنى الثالث: الرائحة، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ﴾.يوسف:94
وقد يستشكل على البعض قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾يونس:22 حيث وصف الريح بكونـها طيبة مع أننا ذكرنا أن الريح تكون مقرونة بالعذاب، والجواب على ذلك: أنها قد وصفت بالطيب ظاهرا، أما في الحقيقة فهي ليست بطيبة لأنها خدعتهم فاطمأنوا ولم يدروا أن الشر كامن فيها، والعاقبة وخيمة.
أما الرياح فلم تأت إلا بمعنى واحد مقرون بالخير والغيث، وإليك بعض مواردها في الذكر الحكيم:
قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾.الأعراف:من الآية 57
وقال تعالى ذاكرا فوائد الرياح ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.الروم:46 63
المثال الثالث: الخالد والمخلَّد قد وردا أيضا في القرآن الكريم، وعندما نفتح كتب التفسير نرى كثيـرا من المفسرين يحكمون عليهما بالترادف، مـع أنـهما في الحقيقة ليسا كذلك، فإن الخالد من الخلـود ومعنـاه مشـهور، وقد ورد صفة لكل من أهل الجنة وأهل النار، كما قال تعالى في أهل الجنة: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾البقرة:82 وقال عن أهل النار: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.البقرة:39
وأما المخلد فهو بمعنى المقرط،64 أي الذي في أذنه قرط، ولم يرد في القرآن إلا مرتين فقط:
المرة الأولى في قوله تعالى: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ﴾.الواقعة:17
المرة الثانية في قوله تعالى: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا﴾.الإنسان:19
وفي كل مرة ورد وصفا للغلمان الذين يخدمون أهل الجنة، وإنما كانوا مقرطين إظهارا لمدى طاعتهم لأهل الجنة تشبيها لهم بالعبيد والخدم في الدنيا.65
علاوة على ذلك فإن لفظ الخالد اسم فاعل، والمخلَّد اسم مفعول.
ملحوظة:
ثمة ملحوظة لا يمكن إغفالها وهي أن العرب عندما تستعمل بعض الكلمات المتباينة من غير ملاحظة أوجه الفرق الدقيقة بينها، فإن تلك الألفاظ تصبح باشتهار استعمالها هذا الاستعمال من المتـرادفة كلفظـتي الإنسـان والبشـر، فإنـهما في أصل وضعهما متباينان، فالأولـى مأخـوذة من النسيان أو الأُنـس،66 والثانية مأخوذة من ظهـور البشرة، ولكننا نقطع بأن العرب الآن تستعملهما من غير ملاحظة ما ذكر من الفرق بينهما، وذلك بناء على عدم اعتباره في مسمى اللفظتين.67
ولا يخفى ما للاستعمال من تأثير بالغ في تغيير أسماء الألفاظ، ومثال ذلك الألفاظ التي استعملت في معان مجازية، ولكنها بمرور الزمن نسي التجوز فيها، واشتهر استعمالها فيها حتى عدت من الحقائق.
ثم إن من الأمور المسلمة بـها -عند كل منصف لم يكن على قلبه ران ولا على عينيه غشاوة- أن اللغات غير ثابتة، بل هي خاضعة للتطور والتغيير، ولا يلزم من كون اللفظ مستعملا في معنى في فترة زمنية؛ إرادة ذلك المعنى عند استعمال ذلك اللفظ نفسه في الأزمنة والأمكنة كلها؛ فلربـما يوضع لفظ لمعنى ويستعمل فيه، ولكنه بمرور الزمن يتغير أعراف الناس فيستعملونه في غير ما وضع له أولا.
ولهذا التطور والتغيير صور، منها:
أولا: الانتقال من معنى وضيع إلى معنى شريف، كما في لفظة العقيلة حيث وضعت في اللغة للدابة المربوطة،68 ثم ترقت إلى معنى شريف وهو زوجة الكبير فيقال: عقيلة السيد الفلاني، ويقصد بـها زوجته69.
ومنها أيضا لفظة الفَنّان فإنـها وضعت في اللغة للحمار الوحشي،70 ثم ترقت في عرف الاستعمال إلى معنى المتقن في عمل فني ما كالخط والرسم والتمثيل.
ثانيا: الانتقال من معنى غير وضيع إلى معنى وضيع، كما في لفظة الغائط الموضوعة للمكان المنخفض، ثم خصصت بالاستعمال في عصر الرسالة بالمكان المنخفض الذي تقضى فيه الحاجة، وبه جاءت في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا﴾،النساء:43 ثم استعمل أخيرا في زماننا في لازم هذا المعنى الأخير أي النجاسة الخارجة من السبيلين، فاعتراها التغيير مرتين.
ومن أمثلته -أيضا- لفظة "السيارة" التي هي في أصل وضعها اللغوي مغايرة للمعنى المتعارف عليه الآن.
جاء في تاج العروس:71 "(السيارة القافلة) والسيارة القوم يسيرون".
ووردت بـهذا المعنى في قوله تعالى: ﴿وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ﴾.يوسف: من الآية 19
ثم أصبحت في زماننا تطلق على المعنى المتعارف عليه الآن -أي الآلة المتحركة الوقودية-.
ثالثا: الانتقال من معنى عام إلى معنى خاص، وأمثلة هذا الباب كثيرة.
فمما خصص من الألفاظ العامة لفظة الولد فهي في مصطلح أهل اللغة والقرآن تشمل الذكر والأنثى، وقد خصصت في عرف أهل العراق بالذكر فقط، فلا يتبادر إلى الذهن بإطلاقها سواه،72 ومن هنا إذا أوقف أحدهم شيئا لأولاد زيد -مثلا- صُرِفَ على الذكور منهم فقط.
ومنه لفظة الحريم فإنها في أصل وضعها اللغوي بمعنى كل ما حرم فلم يمس،73 ثم أصبحت الآن تطلق على النساء.74
رابعا: الانتقال من معنى خاص إلى معنى عام، وقد خصص السيوطي75 في "المزهر"76 بابا (فيما وضع في الأصل خاصا ثم استعمل عاما) وذكر أمثلة على ذلك، منها لفظة الرائد فإنها كانت في الأصل بمعنى "طالب الكلأ" ثم عم المعنى فأصبحت تطلق على كل طالب حاجة.
ولا نريد هنا أن نملأ البحث بالإكثار من الاستشهادات والاستدلالات لإثبات قضية التطور اللغوي بل ولا داعي لها، وذلك لأنها قضية موجبة غير كلية، والقضية الموجبة إن لم تكن كلية سواء كانت جزئية أو مهملة يكفي لإثباتها موجبة جزئية وقد ذكرناها.
المسألة الخامسة: ضابط في معرفة الألفاظ المترادفة
من خلال مراجعتي لمظان الترادف واستقرائي لكثير من ما صدقاته توصلت إلى تأسيس ضابط يعين المرء على معرفة الألفاظ المترادفة.
وهذا الضابط هو أن تستطيع أن تضع أحد اللفظين مكان الآخر من غير أن يتغير المعنى، كقولك: اشتريت صاعا من قمح، فتضع لفظ "البر" مكان القمح وتقول اشتريت صاعا من بر.
ولو كان للفظ ما معنى مجازي، واستعملته في ذلك المعنى المجازي واستطعت أن ترفع اللفظ وتضع مكانه لفظا آخر من غير تغيير في المعنى المجازي فاعلم أنـهما مترادفان، أما إذا لم تستطع ذلك فإنـهما ليسا بمترادفين.
ولتوضيح هذا الضابط نضرب هذا المثال:
لفظتا السبيل والطريق:
ظن كثير من الناس أنـهما مترادفتان، وعندما نطبق هذا الضابط يتبين أنـهما متباينتان وليستا بمترادفتين، وذلك لأن لفظة السبيل قد يجوَّزُ بـها ويقال: ابن السبيل والمقصود به هو المسافر،77 فلو رفعنا لفظة السبيل ووضعنا مكانـها لفظة "الطريق" لتغير المعنى تماما وذلك لأن المقصود بابن الطريق هو ابن الزنى أو اللص،78 مما يدل على عدم ترادفهما.
الخاتمة:
الترادف هو النسبة الموجودة بين لفظين أو أكثر يستقل كل منهما -أو منها- بإفادة تمـام مـا يفيده الآخر من معنى باعتبار واحد، والألفاظ المترادفة هي المتحدة معنى المختلفة لفظا.
هذا وإن اتحاد المعنى على وجهين: الأول: اتحاد في المعنى ذاتا وصفة، ويسمى بـ "الترادف المحض" وألفاظه بـ "المترادفة". والثاني: اتحاد في المعنى ذاتا فقط دون الصفة، ويسمى بـ "التساوي والتكافؤ" وألفاظه بـ "المتساوية والمتكافئة".
بعد التحقيق في الخلاف في وقوع الترادف يظهر أن ما نفى النافون تسميته بالترادف هو المتكافئ والمتساوي، وأن المبالغين في إثبات الترادف فقد أدرجوا الوجهين معا في قائمة المترادف فكان هذا الخلط واللبس.
الحق الذي أراه في وقوع الترادف أمران:
الأمر الأول: ليس كل ما ادعي فيه الترادف مترادفا في الحقيقة، لوجود فروق ظاهرة بينها لمن يدقق النظر فيها.
الأمر الثاني: ليس كل ما نفي الترادف فيه ليس بمترادف، لأنه بالنظر إلى الواقع يتبين أن هناك ألفاظا متحـدة في الذات والماصـدق والصفة، ومن التكلف والاعتساف إيجاد الفروق بينها.
لا ريب أن ثمة ألفاظا قد خفي وجه الفرق والتباين بينها على بعض فعدت عندهم من المترادفة، ولم يخف عند آخرين فاشتد إنكارهم على من عدها مترادفة.
أن العرب عندما تستعمل بعض الكلمات المتباينة من غير ملاحظة أوجه الفرق الدقيقة بينها، فإن تلك الألفاظ تصبح باشتهار استعمالها هذا الاستعمال من المتـرادفة.
لا وجود للترادف في القرآن الكريم إذ كل لفظ له معناه المستقل ولا يؤدي أي لفظ آخر ما يؤديه هو من معنى في سياقه.
نستطيع أن نؤسس معيارا أو ضابطا يعين المرء على معرفة الألفاظ المترادفة، وهو إمكانية وضع أحد اللفظين مكان الآخر من غير أن يتغير المعنى.
ولو كان للفظ ما معنى مجازي، واستعملته في ذلك المعنى المجازي واستطعت أن ترفع اللفظ وتضع مكانه لفظا آخر من غير تغيير في المعنى المجازي فاعلم أنـهما مترادفان، أما إذا لم تستطع ذلك فإنـهما ليسا بمترادفين.
* * *
الهوامش:
1 جامعة صلاح الدين، كلية العلوم الإسلامية، أربيل.
2 ينظر: كيف نتعامل مع القرآن العظيم للدكتور يوسف القرضاوي-دار الشروق- القاهرة-الطبعة الثالثة 1421هـ- 2000م: ص10.
3 رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين -كتاب التفسير- تفسير سورة المدثر عن ابن عباس -رضي اللّٰه عنهما-.
4 صحيح ابن حبان -كتاب البر والإحسان- باب ما جاء في الطاعات وثوابها - ذكر الخصال التي إذا استعملها المرء أو بعضها كان من أهل.. الحديث رقم: 374، والمستدرك على الصحيحين للحاكم - كتاب المكاتب -الحديث رقم 2168، السنن الكبرى للبيهقي- كتاب العتق-باب فضل إعتاق النسمة وفك الرقبة- الحديث رقم 21847.
5 دراسات في فقه اللغة، د. صبحي الصالح، دار العلم للملايين -بيروت-لبنان-ط3-1388هـ-1968م: ص298.
6 أدب الكاتب، أبو عبد محمد عبد اللّٰه بن مسلم بن قتيبة الدينوري ت276هـ تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة التجارية بمصر-ط4 -1963م: ص17، وينظر: دقائق الفروق اللغوية في البيان القرآني-تأليف الدكتور محمد ياس خضر الدوري-دار الكتب العلمية - بيروت-ط1 سنة 2996م: ص18.
7 الترادف في اللغة 223، وينظر: أدب الكاتب: 17-31، ودقائق الفروق اللغوية: ص18.
8 أدب الكاتب. ص 8.
9 الفروق اللغوية، أبو هلال الحسن بن عبد اللّٰه بن سهل العسكري ت395هـ، ضبط تحقيق: حسام الدين القدسي، دار الكتب العلمية-بيروت: ص7.
10 لسان العرب لابن منظور: حرف النون-فصل الباء الموحدة- مادة بين: ج3/64، والصحاح لإسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد بن عبد الغفور عطار-دار العلم للملايين ببيروت-الطبعة الرابعة 1407هـ 1987م -باب النون- فصل الباء- مادة بين: ج5/2082-2083.
11 المستصفى لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي-تحقيق: محمد بن عبد السلام بن عبد الشافي-دار الكتب العلمية ببيروت-الطبعة الأولى سنة 1413هـ: ص26.
12 ينظر: التعريفات لعلي بن محمد الجرجاني-تحقيق: إبراهيم الأبياري- دار الكتاب العربي ببيروت- الطبعة الأولى سنة 1405هـ: ص 72، وعرفه به أيضا محمد عبد الرؤوف المناوي في كتابه: التعاريف- بتحقيق: د: محمد رضوان الداية- دار الفكر المعاصر في بيروت ودار الفكر في دمشق- الطبعة الأولى 1410هـ: ص 157.
13 لسان العرب لابن منظور: ج9/114- 117، والصحاح للجوهري: ج4/ 1363-1364.
14 الترادف في القران الكريم بين النظرية والتطبيق لـمحمد نور الدين المنجد-دار الفكر-دمشق-بيروت-سنة 1422هـ-2001م: ص30.
15 ينظر لمعرفة التفصيل في ذلك كتاب "الترادف في القران الكريم بين النظرية والتطبيق" لمحمد نور الدين المنجد: ص 30 وما بعدها.
16 وهو ما عرفه به كل من الجرجاني والمناوي، ينظر: التعريفات للجرجاني ص 77، والتعاريف لمحمد عبد الرؤوف المناوي ص 169.
17 وهو ما عرفه به كل من الجرجاني والمناوي، ينظر: التعريفات للجرجاني ص 77، والتعاريف لمحمد عبد الرؤوف المناوي ص 169.
18 ينظر: علم الدلالة للدكتور أحمد مختار عمر- مكتبة دار العروبة-الصفاة- الكويت-ط1 سنة 1982م: ص145، وفصول في فقه العربية: د. رمضان عبد التواب- مكتبة الخانجي- القاهرة-ط3 سنة 1987م: ص309، وفقه اللغة العربية وخصائصها: د. إميل بديع يعقوب- دار العلم للملايين-بيروت ط1 سنة 1982م:ص 173، والدراسات اللغوية عند العرب الدراسات اللغوية عند العرب إلى نـهاية القرن الثالث- د. محمد حسين آل ياسين-دار مكتبة الحياة-بيروت- ط1 سنة 1980م: ص 414، والترادف في القرآن الكريم لمحمد المنجد: ص33.
19 الترادف -للأستاذ علي الجارم- مجلة مجمع القاهرة- ج1 سنة 1934م: ص303-331، نقله عنه محمد المنجد في كتبه: الترادف في القران الكريم: 33.
20 المترادف في اللغة العربية لمحمد الطاهر بن عاشور- مجلة مجمع القاهرة: ج4/ سنة 1937م: ص241-268، نقله عنه محمد المنجد في كتبه: الترادف في القران الكريم: 34.
21 إعجاز القرآن الكريم والبلاغة النبوية للدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي -دار الحسن للنشر والتوزيع- عمان-الأردن: ص201-202 نقله عن الفروق اللغوية وأثرها في تفسير القرآن للدكتور محمد عبد الرحمن الشايع-مكتبة العبيكان- الرياض-1993م: ص26.
22 الترادف في القرآن الكريم لمحمد المنجد: ص35، وإعجاز القرآن الكريم والبلاغة النبوية للدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي: ص202.
23 الإعجاز البياني للقرآن ومسائل نافع بن الأزرق للدكتورة عائشة عبد الرحمن -بنت الشاطئ- دار المعارف-القاهرة-ط3: ص211.
24 المحصول في علم الأصول أبي عبد اللّٰه فخر الدين محمد بن عمر الرازي ت 606هـ-دراسة وتحقيق د. طه جابر العلواني-مؤسسة الرسالة -بيروت-الطبعة الثانية 1412هـ: ج1/253.
25 المستصفى للإمام الغزالي: ص26.
26 المنطق لمحمد رضا المظفر المنطق لمحمد رضا المظفر -بمطبعة المعارف- النجف -العراق- الطبعة الثالثة سنة 1968م:43.
27 مذكرة المنطق للدكتور عبد الهادي الفضلي -مؤسسة دار الكتاب الإسلامي-قم- إيران: ص46.
28 ينظر: الإبـهاج على المنهاج للإمام علي بن عبد الكافي السبكي-تحقيق مجموعة من العلماء-دار الكتب العلمية-بيروت-الطبعة الأولى سنة 1404 هـ: ج1/239، والبحر المحيط للزركشي 2/113 و114.
29 الجامع لمسائل أصول الفقه وتطبيقها على المذهب الراجح للأستاذ الدكتور عبد الكريم بن علي بن محمد النملة-مكتبة الرشد-الرياض-ط1-1420هـ200م: ص172.
30 الإعجاز البياني للقرآن: ص212.
31 الإعجاز البياني للقرآن: ص214.
32 الأضداد لابن الأنباري: ص7، وينظر: المزهر في علوم اللغة وأنواعها، لجلال الدين السيوطي، تحقيق: فؤاد علي منصور، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ 1998.: ج1/314، والترادف في القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق لمحمد المنجد: ص37-38، وإعجاز القرآن والبلاغة النبوية للدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي: ص204.
33 الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي، لعلي بن عبد الكافي السبكي، تحقيق: جماعة من العلماء، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت- الطبعة: الأولى - 1404هـ: ج1/241، والمزهر للسيوطي: ج1/317.
34 تشنيف المسامع بجمع الجوامع للإمام الزركشي: ج1/212.
35 تحرير القواعد المنطقية لقطب الدين الرازي في شرح الرسالة الشمسية للكاتبي: ص29.
36 حاشية العطار على شرح المحلي على جمع الجوامع 1/362.
37 كما فعل ابن خالويه حيث ألف كتابا في أسماء الأسد وكتابا في أسماء الحية، ومن الطرائف في ذلك أن ابن خالويه قال في مجلس سيف الدولة بحلب: أحفظ للسيف خمسين اسما، فتبسم أبو علي الفارسي وقال: ما أحفظ له إلا اسما واحدا وهو السيف، قال ابن خالويه: فأين المهند؟! وأين الصارم؟! وأين الرسوب؟! وأين المخدم؟! وجعل يعدد، فقال أبو علي: هذه صفات، وكأن الشيخ لا يفرق بين الاسم والصفة. ينظر: تشنيف المسامع للزركشي: ج1/212.
38 تشنيف المسامع بجمع الجوامع للإمام الزركشي: ج1/212.
39 المستصفى-للغزالي: ص27.
40 تأويل النصوص عند الأصوليين-أطروحة دكتوراه تقدم بها المؤلف إلى كلية العلوم الإسلامية-جامعة بغداد سنة 2003: ص281.
41 اللباب في علوم الكتاب لأبي حفص عمر بن علي ابن عادل الدمشقي الحنبلي- تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض- دار الكتب العلمية- بيروت ط1 سنة 1419 هـ-1998 م: 9/450.
42 المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد- دار الكتب العلمية- لبنان- الطبعة: الاولى - 1413هـ- 1993م:ج1/52.
43 المصدر نفسه.
44 مفردات غريب القرآن- الراغب الاصفهاني ت502-دفتر نشر الكتاب -إيران-ط1 سنة1404هـ: ص 6.
45 التعبير القرآني للدكتور فاضل السامرائي-دار الكتب للطباعة والنشر - جامعة الموصل سنة 1989م: ص97.
46 تاريخ القرآن الكريم لمحمد طاهر الكردي: ص178.
47الإعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن الأزرق للدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)-دار المعارف- الطبعة الثالثة: ص229-231.
48 المعجزة الكبرى-معجزة إحدى الكبر-المهندس عدنان الرفاعي-دار الخير-دمشق-الطبعة الأولى سنة 2006م: ص85.
49 المعجزة الكبرى: 98-99.
50 الفروق اللغوية للعسكري 1/428.
51 صحيح البخاري- كتاب الرقاق- باب من بلغ ستين سنة - حديث: 6064.
52 التفسير الكبير للفخر الرازى أبي عبد اللّٰه محمد بن عمر بن الحسين دار الكتب العلمية - بيروت -الطبعة: الأولى سنة1421هـ - 2000م: 19/90.
53 مفردات غريب القرآن- الراغب الاصفهاني: ص447.
54 مفردات غريب القرآن: ص83.
55 مفردات غريب القرآن: ص83.
56 البرهان للزركشي: ج1/429-430.
57 جامع البيان للطبري: ج8/195-196.
58 البرهان للزركشي: ج1/429-430.
59 المصدر نفسه.
60 المصدر نفسه.
61 الطبري:14/243-244
62 البرهان للزركشي: ج3/438
63 تأويل النصوص عند الأصوليين: ص282-284.
64 جاء في تاج العروس: الخلد: السوار والقرط، وخلّد جاريته: إذا حلّاها بالخلدة وهي القرطة، وقوله تعالى: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ﴾ الواقعة:17 أي مقرطون بالخلدة وهي جماعة الحلى، وقال الزجاج: محلون. تاج العروس للزبيدي: ج2/فصل الخاء: ص344 و 345.
65 تأويل النصوص عند الأصوليين: ص284.
66 مما يؤيد كونه مأخوذا من النسيان ما روه الطبراني في المعجم الصغير: ج2/55 عن ابن عباس رضي اللّٰه عنهما أنه قال: [إنما سمي الإنسان إنسانا لأنه عهد إليه فنسي].
67 ينظر حاشية حسن بن محمد بن محمود الشهير بالعطار على شرح جلال الدين المحلي على جمع الجوامع لابن السبكي: ج1/379.
68 جاء في مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر الرازي: ص 447 باب العين/مادة عقل: العقيلة كريمة الإبل.
69 جاء في مختار الصحاح ص 447/ باب العين/مادة عقل: العقيلة كريمة الحي.
70 تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي: ج9/303.
71 تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي: ج3/ 287.
72 استعمال الولد في الذكر فقط عرف خاطئ، لأن الولد في اللغة بمعنى المولود، وهو عام في الذكر والأنثى.
73 لسان العرب لابن منظور: ج12/120.
74 دلالة الألفاظ للدكتور إبراهيم أنيس: ص154.
75 عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد الخضيري السيوطي، جلال الدين، إمام، حافظ، مؤرخ، أديب، له نحو 600 مصنف، منها الإتقان في علوم القرآن، والأشباه والنظائر في فروع الشافعية، والألفية في علم الحديث، والألفية في النحو واسمها: الفريدة، ولد سنة 849هـ 1445م، وتوفي سنة 911هـ 1505م. الأعـلام للزركلي: ج3/301 و302.
76 المزهر في علوم اللغة وأنواعها لجلال الدين السيوطي: ج1/333 وما بعدها.
77 جاء في لسان العرب لابن منظور/حرف اللام/ فصل السين المهملة/مادة "سبل" ج11/320 [وأما ابن السبيل فهو المسافر الكثير السفر، سمي ابنا لها لملازمته إياها].
78 لسان العرب: حرف الواو والياء من المعتل/ فصل الباء الموحدة/مادة "بني" ج14/92، وتاج العروس للزبيدي: ج10/49.